توميسلاف كلاريتش
ترجمة بشير زندال
ملخص
في القرن السابع عشر الميلادي، كان يُنظر إلى حضرموت واليمن على أنهما كيانان مستقلان بوضوح. فمن الناحية الجغرافية، لم يكن يُنظر إلى حضرموت على أنها جزء من اليمن. فقد كانت منطقة يافع تمثل حدودها الشرقية، التي تعرف أيضاً باسم المشرق أو مشرق اليمن. كما تحددها أيضاً العلاقات الثقافية. ولم يؤد احتلال السلطة الزيدية لمشرق حضرموت لمدة عشرين عاماً إلى التقريب بين هاتين المنطقتين، ولم يؤد إلى تبادلات ثقافية عميقة. وبشكل عام، كان الانتماء إلى مجموعة عرقية أو إقليم ما ذا أهمية ثانوية بالنسبة للنخبة العلمية في ذلك الوقت. وكانت الاختلافات ذات الأهمية الكبرى دينية. فمع تمسك الحضارمة بالمذهب الشافعي، وتمسك علماء المرتفعات بالمذهب الزيدي، كانت هناك فجوة عقائدية تفصل بينهما. كما ساد التباين نفسه بين الزيدية في المناطق الشمالية والشافعية في الجنوب.
في القرن السابع عشر الميلادي، كانت المناطق التي تشكل اليوم الجمهورية اليمنية موحدة تحت سلطة واحدة: سلطة السلالة القاسمية. وبالفعل، كان المنصور القاسم (1597-1620 م) مؤسس هذه السلالة من الأئمة الزيديين وحامل اسمها، وهو سليل الحسنى الشهير يحيى بن الحسين الرسّي (ت 911 م). وكان هذا الأخير قد أدخل المذهب الفقهي الزيدي إلى منطقة صعدة في نهاية القرن التاسع الميلادي، وهي المدة التي انتشر فيها هذا المذهب وترسخ في المرتفعات اليمنية. ففي نهاية القرن السادس عشر الميلادي تحدى المنصور العثمانيين، الذين كانوا قد استقروا في جنوب شبه الجزيرة العربية منذ عام 1538 م. وبعد صراع شرس استمر عشرين عامًا، استطاع، معتمدًا على القوة العسكرية للقبائل الزيدية، الاستيلاء على المرتفعات الشمالية الواقعة بين صنعاء وصعدة، واضعًا بذلك أسس دولة جديدة. وتولى ابنه وخليفته المؤيد محمد (1620-1644 م) القتال ضد ولاة الباب العالي عام 1626 م ونجح في وضع حد للوجود العثماني في اليمن.
وهكذا حقق القاسميون ما كان أسلافهم المباشرون من آل شرف الدين الأشراف في القرن السادس عشر قد حققوه بصورة مؤقتة: حملُ راية الإمام الزيدي إلى ما وراء المرتفعات الشمالية، وإلى الهضاب الجنوبية، وإلى مراكز إب وتعز والشريط الساحلي (تهامة)، وإلى زبيد وموانئ البحر الأحمر. وفي نهاية الفتح، كان الجزء الأكبر من سكان المناطق الواقعة تحت سيطرة القاسميين ينتمون إلى المذهب الشافعي الذي كان يشكل الأغلبية في المناطق الساحلية والجنوبية من اليمن. وقد خضع الخط الفاصل بين المنطقتين، الزيدية والشافعية، لآخر تغيير له؛ نتيجة للتوسع القاسمي تحديدًا حتى أعالي مدينة ذمار تقريبًا، وقد تم تحديده بعد تحول قبيلة الحداء إلى الزيدية عام 1636 (ابن الحسين، بهجة، مخطوطة(2) ؛ ابن الوزير، د.ت: 50).
وفي عهد الإمام القاسمي الثالث، المتوكل إسماعيل (1644 – 1676 م)، حدثت انتقالة ثالثة في السلطة الزيدية. فقد تم إخضاع منطقة أبين وعدن عام 1645م، ثم يافع عام 1654 م، وأخيراً حضرموت بين عامي 1659 و1660م(3) . ثم امتدت الأراضي الخاضعة للحكم القاسمي من عَدَن جنوباً إلى أبي عريش، وجيزان ونجران شمالاً، ومن المخاء غرباً إلى ظفار عمان شرقاً.
وقد أدى هذا التوسع الإقليمي، الذي تشبه أطرافه حدود اليمن الحديث، إلى أن يرى عدد من العلماء أن الإمام المتوكل هو موحد اليمن. ووفق هذه الرؤية، تم في عهد الدولة القاسمية التغلب على الخصومات الدينية والثقافية، العرضية أحيانًا، وأعيدت وحدة "اليمن" لأول مرة بشكل دائم(4) . ومع ذلك، فمن الإنصاف أن نتساءل عما إذا كانت هذه النظرة للتاريخ لا تنطوي على مفارقة تاريخية؛ لأنها تنطلق في الواقع من مسلمة الوحدة اليمنية "الطبيعية"، التي قد تستند – وربما أكثر – إلى "خريطة ذهنية" مستوحاة من رؤية معينة للمجال الثقافي القديم لجنوب الجزيرة العربية، وتعززها الخرائط الحديثة للعالم. لكن على أرض الواقع، لم تكن هذه الوحدة فعالة. فهناك القليل من الأدلة على أن وحدة "اليمن" القديم، التي تم تصورها كإقليم يشمل أراضي اليمن الحالية، فضلا عن المناطق الحدودية لها، ولا سيما عسير وظفار عمان، هي أكثر من مجرد صورة ذهنية معاصرة. وقد جاء توحيد المنطقة تحت سلطة واحدة في وقت متأخر، ويعود تاريخه إلى عهد شمر يهرعش في أوائل القرن الرابع الميلادي. أما في الألفية الأولى قبل الميلاد والقرون الثلاثة الأولى من العصر المسيحي، فقد كانت المنطقة مقسمة إلى ممالك مستقلة كثيرة يتشارك سكانها في اللغة والآلهة.
وخلال مدة ما قبل الإسلام، لا يوجد ذكر لمرجعية هوية تشير إلى جنوب الجزيرة العربية بأكملها (Beeston, 1996: 3). وعلى الرغم من ظهور مصطلح يمنات في القرن الرابع الميلادي، فإن معناه ما يزال غامضًا، ولا يبدو أنه يشير إلى اليمن الحالي. إذ يظهر المصطلح في ألقاب الحكام الحميريين في صيغة "ملك سبأ وذو ريدان وحضرموت ويمنات". وتشير يمنات، في هذه الصيغة، إلى منطقة من اليمن الحالي وليس إلى جنوب الجزيرة العربية كلها (5).
وينطبق الاعتراض نفسه على مصطلح اليمن في العصر الوسيط. إذ ما يزال هناك كثير من العمل الذي يجب القيام به لتحديد ما تعنيه كلمة اليمن في أوقات معينة، وفي مفردات مؤرخي السلالات التي تعاقبت وحكمت في جنوب الجزيرة العربية.
يسعى هذا المقال إلى الإجابة عن الأسئلة التالية: ما الذي يعنيه اليمن في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي؟ ما هو المدى الجغرافي لمصطلح اليمن في الأعمال التأريخية لتلك المدة؟ وبمجرد تحديد مصطلح اليمن، هل يمكننا تمييز الهوية اليمنية في ذلك الوقت من المصادر المتوفرة لدينا؟
تبدو دراسة المصنفات التأريخية واستخدامها في هذه الدراسة أكثر جدوى من دراسة مصنفات الجغرافيين؛ لأن المؤرخين أكثر تحرراً من الحقائق الجغرافية البحتة وغير ملزمين باتباع تقليد علمي قد تعتمد مصطلحاته على ترسيمات حدود وتخطيطات قامت بها السلطات السابقة.
ومن خلال دراسة الأعمال التأريخية نأمل في العثور على صورة ذهنية للمنطقة تستند، إلى حد كبير، على الهوية المحسوسة للمؤلفين، وبالتالي التعبير عن التقسيمات السياسية والثقافية القائمة في المنطقة قيد الدراسة.
تعكس أعمال المدة المعنية، التي يمكن دراستها حول هذه الأسئلة، التجزئة الدينية لمجتمعات جنوب شبه الجزيرة العربية. ويمكن تقسيمها إلى فئتين: الأولى تتناول الإنتاجات الأدبية الصادرة عن أقلام رجال أدب ينتمون إلى مدرسة فقهية سنية، والثانية أعمال علماء من أصول زيدية.
لنحاول أولاً تحديد الحدود الجغرافيّة المنسوبة إلى كلمة "اليمن"، ولنبدأ - من أجل جمع الإشارات الأوليّة - بمؤلّف "تاريخ الشحر واخبار القرن العاشر(6)" لمحمد بن عمر الطيّب بافقيه، وهو مؤرخ شافعيّ من أصل حضرميّ (1562 - بعد 1613؟) (7). يتعلّق العمل بشكل رئيس بتاريخ الشحر وحضرموت(8) ، ولكنّه يذكر أيضاً الأحداث التي وقعت في شبه الجزيرة الواقعة بين عدن ومكّة، وكذلك في مصر والهند في القرن السادس عشر الميلادي(9) . ومن خلال دراسة معاني كلمة "اليمن"، يمكن تحديد ثلاثة معانٍ مختلفة:
- المعنى الأول لليمن هو ببساطة "الجنوب". ويتوافق هذا المعنى مع المعنى الاشتقاقي المفترض للكلمة ويبدو أنه من الاستخدامات القديمة(10) .
- أما المعنى الثاني لليمن فيشير إلى المرتفعات الجنوبية، وهي المناطق الجنوبية التي تتبع اليمن الحالي من المخاء إلى عدن، وكذلك تهامة. ومن المثير للاهتمام ملاحظة أنه لا يبدو أن اليمن مسبقًا في هذا المصدر الحضرمي يشمل المرتفعات الشمالية (11).
- وأخيرًا، يشير اليمن في هذا المصدر أيضًا إلى منطقة جنوبية من اليمن لا يمكن تحديد حدودها على وجه اليقين، ولكن يبدو أنها تشمل المناطق المحيطة بإب وتعز والمنطقة المسماة مخلاف جعفر (12).
وما يلفت النظر هو أن هذا اليمن لا يشمل حضرموت، التي يتم التعامل على أنها إقليم منفصل حقًّا(13) . وقد ذُكر اليمن منذ عهد حضرموت في مستوى الحجاز والهند نفسه(14) .
ويُعدّ كتاب التاريخ "الإحسان في دخول مملكة اليمن تحت ظل عدالة آل عثمان" للقاضي شمس الدين عبد الصمد بن إسماعيل الموزعي (15)، أحد الحوليات القليلة التي ألفها علماء السنة من اليمن الأسفل باللغة العربية في القرن السابع عشر. وينحدر الموزعي الذي ولد في أواخر القرن السادس عشر الميلادي أو أوائل القرن السابع عشر الميلادي وتوفي بعد عام 1622، من قرية موزع. وقد أصبح مدرساً في مسجد المظفر والمدرسة الظاهرية في تعز، متبعاً المذهب الشافعي. وقد استعمل في عمله مصطلحي "ممالك اليمن" و"إقليم اليمن"، وهما يشملان المنطقة الواقعة بين صعدة وعدن(16) .
وليس من الممكن تحديد حدود أكثر دقة. وعلى أي حال، فإن حضرموت لا تقع في نطاق المناطق التي رويت أحداثها. ويستخدم الموزعيّ أيضًا التمييز بين المرتفعات "اليمن الأعلى" و"اليمن الأسفل"(17) . وقد استُخدم هذا التفريق منذ زمنٍ طويل في التأريخ ويمكن العثور عليه، على سبيل المثال، في كتاب "العقود اللؤلؤية" لمؤرخ الأسرة الرسولية علي بن الحسن الخزرجي (الخزرجي، 1906: 73)، وكذلك من قبل الجغرافيين القدماء (18).
دعونا نقارن هذه النتائج الأولية مع استخدام كلمة اليمن في المصادر الزيدية من المدة نفسها بعد التوسع القاسمي. نجد في هذه المصادر معاني متطابقة:
اليمن على أنها تشمل المناطق الجنوبية وكذلك اليمن الأعلى(19) . ويفهم اليمن بهذا المعنى الواسع أيضًا في التعبيرين المذكورين آنفًا "اليمن الأعلى" و"اليمن الأسفل". "اليمن الأعلى"، وهو المرتفعات الشمالية، و"اليمن الأسفل"، وهو الجبال الجنوبية والشريط الساحلي(20) .
و"اليمن"، أي المناطق الجنوبية، وهي الآن يمنية، ولاسيما منطقتي إب وتعز(21) .
دعونا نحاول أن نحدد بدقة أكبر الحدود الشرقية لليمن "الكبير"، التي تشمل المرتفعات والمناطق الجنوبية على حد سواء، كما صورتها المصادر الزيدية. تتشكل الحدود الشرقية على ما يبدو من يافع، التي يشار إلى قبائلها بأنها يمنية(22) ، ومنطقة البيضاء التي تعرف أيضاً باسم المشرق أو مشرق اليمن. وفي حين أن الحدود الشرقية لليمن القاسمي تبدو واضحة إلى حد ما، إلا أنه من الصعب التأكد من الحدود الشمالية التي يبدو أنها تقترب من مكة أو حتى تشملها: في الواقع تقول العبارة المشهورة: "اليمن من عدن إلى مكة"(23) .
وقد يكون هذا التعبير شاهدًا على المعطيات السياسية الجديدة بعد الفتوحات الزيدية التي امتد نفوذها بالفعل إلى جوار مكة: انظر نداءات الاستغاثة التي وجهها أشراف مكة مثل المحسن بن الحسين بن أبي نمي (ت. 1629م) أو أحمد بن مسعود الذي لجأ في صراعه مع أحمد بن عبد المطلب إلى الإمام المؤيد محمد (Wüstenfeld, 1885: 542, 555). ويشهد على ذلك أيضا أن الحراسة المسلحة من الزيدية التي رافقت الحج تحت قيادة والي أبي عريش وجيزان قد تقدمت حتى منطقة حلي جنوب القنفذة (يحيى بن الحسين، 1996: 47).
ومن ناحية أخرى، يمكن أن يكون أيضاً تذكيراً بالتعريفات الجغرافية القديمة التي لا يزال بعضها يضع مكة في تهامة اليمن(24) . كما تجدر الإشارة إلى أن هذا التعبير موجود في المؤلفات الزيدية القديمة، ولا سيما في أرجوزة للإمام عبد الله بن حمزة (ت. 1217 م) والتي، بحسب ابن دعثم(25) ، تعود إلى يوليو - أغسطس 1205 م، وهي مدة لا تعكس أي واقع سياسي على الأرض اليمنية (ابن دعثم، 1993، ج2: 703).
في الوقت الحالي، دعونا نلخص النتائج الأولية:
ما لا نجده في المصادر هو استعمال كلمة اليمن التي أشار إليها سرجنت: "والأصل أن الشام واليمن هما الشمال والجنوب حيثما كنت واقفاً" (Serjeant, 1990: 478, note 22). ويقال لمن يسافر من صنعاء إلى تعز إنه "نزل اليمن". ومن جهة أخرى، لا يستعمل هذا التعبير فيمن يسافر من إب أو زبيد إلى عدن. فالكلمة تدل أولاً على المعنى الإقليمي ثم على الاتجاه. وبالمثل، فإن تعبير الشام لا يعني ببساطة "الشمال"، بل يعني قبل كل شيء منطقة خولان صعدة.
وفي القرن السابع عشر الميلادي، ووفقاً للسجلات التاريخية الزيدية اليمنية وكذلك السجلات التاريخية الشافعية، لم تكن حضرموت تابعة لليمن. ويعود تاريخ هذا الارتباط، في حدود العصر الإسلامي، إلى عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم. وقد عيّن هو وخلفاؤه الأوائل والخلفاء الأمويون والعباسيون ولاة في صنعاء والجند وحضرموت حتى القرن التاسع. ونظراً إلى أن حاكم حضرموت كان تابعاً لحاكم صنعاء، فقد عُدت ولايته مع مرور الوقت مخلافاً تابعا لليمن (Smith, 2004: 337b).
إن من الصعب التعليق على العلاقة بين اليمن وحضرموت في الأوقات اللاحقة بين القرنين العاشر والخامس عشر الميلادي بسبب المعالجة المقتضبة لهذه المنطقة في كتب التاريخ اليمنية. ومع ذلك، قد نتساءل عما إذا كانت ندرة المعلومات في المصادر لا ترجع إلى حقيقة أن حضرموت لم تكن منطقة يمنية كما رأينا في عهد الأسرة القاسمية. كان هذا الوضع في القرن السابع عشر الميلادي نتيجة للاستقلال السياسي الذي تمتعت به حضرموت بعد صعود عائلة الكثيري، وهي مجموعة قبلية تعود أصولها إلى منطقة ظفار عمان. وكانت هذه المجموعة قد سيطرت بالفعل على بعض المناطق الحضرمية منذ النصف الثاني من القرن الخامس عشر الميلادي. ولم ينافسها سوى الفصائل القبلية من منطقة يافع التي تغلغلت هناك منذ النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي. كان الحكم القاسمي على حضرموت مدة فاصلة استمرت حوالي عشرين عاماً فقط، من عام 1660 م إلى حوالي عام 1682 م، عندما طردت منطقة يافع والمشرق بأكمله آخر الولاة الزيديين ورفضوا دفع الزكاة. واحتفظت حضرموت باستقلالها الخاص حتى القرن العشرين، إذ كانت تشكل جزءاً من محمية عدن الشرقية، وتم تقسيمها بين السلطنة الكثيرية والسلطنة القعيطية (Smith, 2004: 338b).
ومن المثير للاهتمام ملاحظة أن الاحتلال المؤقت لحضرموت من قبل الزيديين لم يؤدِّ إلى مزيد من التبادلات العميقة.
وفي كتاب "بهجة الزمن" الذي يغطي الأحداث في اليمن بين عامي 1639 م و1688 م، لم تُذكر المنطقة إلا فيما يتعلق أولاً بالحملة العسكرية بقيادة الإمام المتوكل ضد يافع، ثم بالحملة ضد حضرموت نفسها، وهي حملة حصلت في الواقع مصادفةً تماماً وأثارها صراع داخل الأسرة الكثيرية. وبعد ذلك، ما كانت حضرموت تُذكر إلا عند إرسال الولاة أو عزلهم. ومن الملاحظ عدم الاهتمام نفسه من جانب النخبة الزيدية بالمناطق اليمنية الجنوبية التي يقطنها الشافعية.
كانت هذه الظاهرة - فيما نعتقد - متبادلة. فمحمد بافقيه، على سبيل المثال، يبدي اهتماماً بالمناطق اليمنية الجنوبية فضلا عن تهامة فقط. أما الأحداث التي تجري في المرتفعات فلا يتم سردها إلا بشكل متقطع. وبالمثل، فإن مجال رؤية المؤلف لا يتعدى كثيراً شبكة محدودة من رجال العلم: فقهاء الشافعية وعلماء الصوفية. فهو يتجاهل تمامًا علماء الزيدية. وعلى غرار بافقيه، لم يُظهر الموزعي اهتمامًا كبيرًا بالمناطق الجنوبية. وهنا أيضًا، لا يتم التعامل مع المرتفعات إلا في سياق تعداد الحملات العسكرية العثمانية في الشمال أو في الحالات التي تهدد فيها التمردات اليمن الاسفل.
ونلاحظ أخيرًا أنه على الرغم من استخدام مصطلح "اليمن"، فإننا لا نرى في أي مكان مؤلِفًا يعد نفسه يمنيًا، مما كان سيفرض حدودًا على النطاق الجغرافي للأحداث التي تم سردها. وبالمثل، بعد فتح يافع وحضرموت وظفار، لم يعد القاسميون أنفسهم موحدي اليمن.
في ذلك الوقت، كان تفكير الكتّاب الذين ينتمون إلى الفئات الاجتماعية من القضاة وأحفاد النبي (السادة) موجّهًا وفقًا للجغرافيا الدينية. فبالنسبة لمؤلفي ذلك الوقت، كان ما يهمهم قبل كل شيء هو الانتماء الديني. وكان هذا هو الذي شكل الحدود. ولم تكن هويتهم تتحدد بالأرض التي يعيشون فيها، أو بالمجموعة العرقية التي ينتمون إليها بقدر ما كان انتماؤهم العقائدي وموقعهم في شبكة معينة من العلماء هو ما يحدد ذلك. ويتجلى التعبير عن هذا الشعور في حقيقة أنه حتى في الأعمال التأريخية، فإن السير الذاتية للعلماء هي التي تحتل مكان الصدارة. فالآخر، من وجهة النظر هذه، ليس هو الغريب، بل هو ذلك الذي يحيد عن الطريق الديني الصحيح.
الهوامش
(1) - Tomislav Klarić, « Le Yémen au xviie siècle : territoire et identités », Revue des mondes musulmans et de la Méditerranée [En ligne], 121-122 | 2008, mis en ligne le 16 décembre 2011, consulté le 03 septembre 2024. URL : http://journals.openedition.org/remmm/4813 ; DOI : https://doi.org/10.4000/remmm.4813
(2) - يحيى بن الحسين، بهجة الزمن في تاريخ حوادث اليمن، مخطوطة (2492)، المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء. وهذه المعلومة ليست في الطبعة التي صدرت بتحقيق عبد الحبشي عام 1996.
(3) - لمزيد من التفاصيل، انظر (Serjeant, 1989).
(4) - كما يشير - على سبيل المثال - عنوان عمل سلوى الغالبي، 1991، أو عنوان مقال (Blukacs, 1996)
(5) - تم اقتراح فرضيات مختلفة حول موقع يمنات التي تمتد من المنطقة الساحلية لحضرموت (Wissmann et Höfner, 1953: 334, note 5)، إلى شمال تهامة (Ryckmans, 1951: 190). أشكر جيريمي شيتيكات على ملاحظاته المتعلقة باليمن القديم.
(6) - بافقيه، 1999
(7) - لا يُعرف كثيرًا هذا المؤلف. انظر (بافقيه، 1990: 10) مقدمة المحقق. يرفض الحبشي تاريخ الوفاة المتفق عليه عمومًا، 1603، ويؤكد أن تاريخ وفاته لاحق بكثير. والسبب هو أن المؤلف بنى عمله على تاريخ النور السافر لعبد القادر بن عبد الله العيدروس، المتوفي سنة 1629.
(8) - في مصادر العصر الوسيط، تعد الشحر كيانًا سياسيًا في حد ذاته ولم تكن جزءًا من حضرموت. (Smith, 2004: 337b).
(9) - وحتى لو كانت هذه الأحداث تسبق المدة المدروسة، فإن ما يهم هنا هو أن تاريخ كتابة العمل كان في القرن السابع عشر الميلادي.
(10) - بافقيه، 1990: 37، 41، 48، 51، 72، 133. لمعنى هذه الكلمة انظر، (cf. Serjeant, 1990: 478, note 22 et Robin, 2001: 207-216)
(11) - بافقيه، 1999: 29، 32، 58، 65، 89، 106، 111، 112، 135، 146، 150، 176، 181، 182، 183، 187، 194، 266، 272، 280، 327، 338، 395، 406، 407، 409، 417، 447، 387. وهذا المعنى لليمن، الذي من الواضح أنه لا يشمل المرتفعات الشمالية، نجده في موضعين: لسنة 934 هـ / 1527 – 1528 م، نجد الإشارة إلى أن طاعونًا اجتاح صنعاء واليمن ("وقع في هذه السنة أيضًا طاعون بصنعاء واليمن وأفنى خلقًا كثيرًا")، ص 187. وقد ورد في رواية أحداث سنة 945 هـ/ 1538 – 1539م أن الإمام شرف الدين كان في اليمن ("وكان في هذه السنة باليمن الإمام شرف الدين")، ص 265، أي في المنطقة الجنوبية من اليمن الحالية.
(12)- بالنسبة لعام 947 هـ/1540-1541 م، يشير المؤلف إلى أنه "أضيفت ولاية عَدَن للباشا مصطفى صاحب زبيد واليمن"، ص 276. ويقول المؤلف عن عام 976 هـ/ 1568 – 1569 م: "زالت دولة الأروام من صعدة وصنعاء وتعز واليمن وعدن ومعاقل اليمن المنيعة كحب بعدان وصبر والتعكر وغير ذلك"، ص 388. فيما يتعلق بتسمية مخلاف جعفر، راجع (Goschenour, 1994: 18.).
(13) - بافقيه، 1999، 266. "عم القحط اليمن وحضرموت والشحر".
(14) - بافقيه، 1999: 395. بعد ذكر وفاة السلطان بدر بن عبد الله الكثيري سلطان حضرموت عام 977 هـ/1569-1570 م، يشير المؤلف إلى أنهم ("كاتبوا الملوك من جميع الجهات، الحجاز واليمن وملوك الهند ووزرائهم ").
(15) - Soudan, 1999، نص غير منشور
(16) - Soudan, 1999: 44، نص غير منشور
(17)- Soudan, 1999: 31, 32, 58، نص غير مننشور
(18) - على سبيل المثال، عند أبي عبد الله بن. محمد الدمشقي (ت 1327)، الذي يستخدم مصطلحي التهامية للأراضي المنخفضة والنجدية للمرتفعات. وكغيره من الجغرافيين الآخرين في العصور الوسطى، يميز هذا المؤلف بين اليمن وحضرموت. ففي القسم العاشر من الفصل السابع من كتابه الذي يتناول شبه الجزيرة العربية، يقسمها على خمسة أجزاء: الحجاز واليمن وحضرموت وعمان والبحرين. راجع (al-Dimašqī, 1923: 216, 214-228).
(19) - كما يشير عنوان عمل يحيى بن الحسين: "بهجة الزمن في تاريخ حوادث اليمن". راجع أيضا يحيى بن الحسين، 1996: 35.
(20) - يحيى بن الحسين، 1996: 36، 41 (اليمن الأسفل)، 242 (اليمن الأعلى).
(21) - يحيى ب. الحسين، 1996: 51 ("فيها أذن الإمام لأخيه إسماعيل بالطلوع من اليمن وبلاد تعز إلى جبل ضوران"). 28 (وفيها مات السيد الشريف عيسى بن لطف الله بن مطهر بن الإمام شرف الدين بصنعاء اليمن عقب دخوله إليها ورجوعه من جهة اليمن)، 39 (وفتح بابه للشكاة من اليمن). في جميع الحالات الثلاث المذكورة، تشير اليمن بوضوح إلى المنطقة الجنوبية من اليمن.
(22) - بعد هروب المتمرد القاسمي أحمد بن الحسن إلى قبائل منطقة يافع، طلب منهم الإمام إعادته. كتب يحيى بن الحسين عنهم: "غير أنهم منعوا عن رد أحمد بن الحسن ما دام عندهم حتى يريد الخروج بإرادته عنهم كما هي القاعدة في خيرة القبائل اليمنية فسكن كذلك في بلادهم". يحيى بن الحسين، بهجة، المخطوطة، – هذه المعلومة مفقودة في الطبعة التي حققها الحبشي.
(23) - حول أحمد بن سعد الدين المسورى، جاء في طبقات الزيدية الكبرى "أخذ عنه أكثر أهل اليمن من عدن إلى مكة". ابن القاسم، 2001، ج1: 126.
(24) - على سبيل المثال، ابن حوقل، 1964، ج1: 20
(25) - التهجة والنطق لابن دغثم، في (Goschenour, 1984: 335).
المصادر
بافقيه، محمد بن عمر الطيب، 1999، تاريخ الشحر وأخبار القرن العاشر، صنعاء، تحقيق عبد الله محمد الحبشي، مكتبة الإرشاد.
ابن دعثم، أبو فراس، 1993، السيرة المنصورية، بيروت، تحقيق عبد الغني محمود عبد العاطي، جزآن.
ابن الحسين، يحيى، 1996، يوميات صنعاء في القرن الحادي عشر، 1046-1099، أبو ظبي، تحقيق عبد الله محمد الحبشي، منشورات المجمع الثقافي.
ابن الحسين، يحيى، بهجة الزمن في تاريخ حوادث اليمن، مخطوطة (2492)، المكتبة الغربية بالجامع الكبير بصنعاء.
ابن القاسم، إبراهيم بن القاسم بن المؤيد محمد، 2001، طبقات الزيدية الكبرى (القاسم الثالث)، ويسمى بلوغ المراد إلى معرفة الإسناد، صنعاء، تحقيق عبد السلام بن عباس الوجيه، 3 أجزاء، مركز النهاري للطباعة.
ابن الوزير، عبدالله، تاريخ اليمن خلال القرن الحادي عشر الهجري – السابع عشر الميلادي 1045 – 1090 (1635-1680) المسمى تاريخ طبقات الحلوى وصحاف المن والسلوى، تحقيق محمد عبد الرحيم جازم، مركز الدراسات والبحوث اليمني.
Al-Dimašqī, 1923, Nukhbat al-dahr fî ‘ajâ’ib al-birr wa-’l-baḥr, Leipzig, Éd. A. Mehren.
Al-Khazrajī (‘Ali b. al-Ḥasan), 1906, al-‘Uqūd al-lu’lu’iyya fī tārīkh al-dawla al-rasūliyya, Londres, Éd. Muḥammad ‘Aṣal.
Ibn Hawqal, 1964, Configuration de la terre (Kitab surat al-ard), Introduction et traduction, avec index par J.H. Kramers et G. Wiet, 2 tomes, Beyrouth et Paris.
SOUDAN Frédérique, 1999, Le Yémen ottoman d’après la chronique d’al-Mawza‘î, Le Caire, IFAO.
المراجع
الغالبي سلوى سعد سليمان، الإمام المتوكل على الله إسماعيل بن القاسم ودوره في توحيد اليمن (1054 - 1087هـ / 1644 - 1676م).
— 1990, «Meccan Trade and the Rise of Islam: Misconceptions and Flawed Polemics» , Journal of the American Oriental Society 110 (1990) : 472-486.
— 2004. “Ḥaḍramawt - 2. In the Islamic Period “, EI², XII, Leyde : 337a-339a.
BEESTON Alfred F.L., 1996, “Towards a Periodisation Terminology for Ancient Yemen”, in Christian ROBIN & Iwona GAJDA (éds), Arabia Antiqua, Early Origins of South Arabian States, Proceedings of the First International Conference on the Conservation and Exploitation of the Archaeological Heritage of the Arabian Peninsula Held in the Palazzo Brancaccio, Rome, by IsMEO on 28th-30th May 1991., Rome, IsMEO : 3-5.
BLUKACZ François, 1996, « Le Yémen sous l´autorité des Imams zaydites au XVIIe siècle : une éphémère unité », in Michel TUCHSCHERER (dir.), Yémen, passé et présent de l´unité, REMMM 67, Edisud : 40-51.
BRICE W.C., 2002, « al-Yaman - 2. Geography », EI², XI, Leyde : 270b-271b.
GOSCHENOUR David Thomas, 1984, The Penetration of Zaydi Islam into Early Medieval Yemen, Cambridge, Massachusetts, Harvard University.
GROHMANN A., 2002, « al-Yaman - 1. Definition and General Introduction », EI², XI, Leiden: 269b-270b.
ROBIN Christian, 2001, « La caravane yéménite et syrienne dans une inscription de l´Arabie méridionale antique », in Floréal SANAGUSTIN (éd.), L´Orient au cœur en l´honneur d´André Miquel, Paris : 207-216.
RYCKMANS Jacques, 1951, L’institution monarchique en Arabie méridionale avant l´islam (Ma‘in et Saba’), Louvain.
SERJEANT Robert B., 1989, « Yafi‘, Zaydis, Al Bu Bakr b. Salim and others: Tribes and Sayyids ». In Ulla Ehrensvard & Christopher Toll (éds), On both sides of al-Mandab: Ethiopian, South-Arabic and Islamic Studies presented to Oscar Löfgren on his ninetienth birthday 13 May 1988 by his colleagues and friends, Stockholm, Swedish Research Institute in Istanbul, p. 83-105, consulté dans R. B. Serjeant, 1991. Customary and Shari´ah Law in Arabian Society, Variorum.
SMITH G.R., 2002, “al-Yaman - 3. History”, EI², XI, Leyde : 271b-274b.
WISSMANN Hermann von & HÖFNER Maria, 1952, Beiträge zur historischen Geographie des vorislamischen Südarabien, Wiesbaden.
WÜSTENFELD Ferdinand, 1885, Die Scherife von Mekka im XI. (XVIII.) Jahrhundert. Abhandlungen der Königlichen Gesellschaft der Wissenschaften zu Göttingen, Band 32, Abh. 5, Göttingen. Réimprimé dans Sezgin (éd.), 1986, Ferdinand Wüstenfeld, Schriften zur arabisch-islamischen Geschichte, tome II, Frankfort : 391-518.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.