النساء في اليمن

استخدام شكلي في دعاية السلام وتغييب للقضايا والأولويات

الإثنين, 12 أغسطس / آب 2024

رانيا عون

رانيا عون

المديرة التنفيذية لمركز خلاصات

في السياق اليمني وفي خضم الأزمات المتعددة التي تعصف باليمن والصراعات والتحديات الاقتصادية والسياسة والاجتماعية التي تسببت بها مختلف القوى السياسية في اليمن، وفي خضم مفاوضات السلام التي ينادي بها المبعوث الأممي للأمم المتحدة والتي تسعى لنجاحها جهود دولية و إقليمية ومحلية، تظهر المرأة واستخدامها الشكلي من مختلف القوى السياسية في اليمن مثال بارز على انتصار سياسات التهميش الصارخ، بالإضافة إلى غياب الإرادة السياسية الحقيقة في تمكين المرأة من الدور الفاعل في عملية السلام أو حتى في تضمين قضايا النساء وأولوياتهن في نقاشات السلام، ومع التزايد العالمي لقضايا المرأة إلا أنه اهتمام شكلي ودعائي أكثر من كونه اهتمام حقيقي ومؤثر في ظل استمرار التغييب المستمر للقضايا والأولويات الحقيقة المؤثرة على حياة النساء في اليمن.

نضال المرأة اليمنية قبل 2014

الإصلاح القانوني في مواجهة الاختلافات الدينية

وبالعودة إلى ما قبل النزاع الأخير في اليمن، فقد ناضلت المرأة على مدى أعوام طويلة في مواجهة مختلف الأنظمة السابقة لتمكينها سياسياً ولنيل حقوقها واستعادة ما انتزع منها. ويعد أبرز مثال لنضال المرأة في النضال المستمر لاستعادة المادة المحذوفة من الدستور اليمني القديم، وهي المادة 27 من الدستور اليمني لعام 1991، والتي نصت على: "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، ومتساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو اللون أو الأصل أو اللغة أو المهنة أو المركز الاجتماعي أو العقيدة"، وتم استبدال هذه المادة من الدستور اليمني القديم بنص المادة "41" لعام 1994، والتي نصت على: "النساء شقائق الرجال ولهن من الحقوق والواجبات ما تكفله وتوجبه الشريعة وينص عليه القانون". مثل هذه التغيير يعد انتكاسةً بالنسبة للمرأة؛ فقد أخضع النص -الذي تم استبداله- حقوق المرأة للتأطير الديني والمذهبي في تحديد حقوقها وواجبتها، وفي تحديد مكانتها الاجتماعية بالنسبة للرجل. وعلى الرغم من أن العبارة الأولى من المادة (النساء شقائق الرجال) مُجتزأة من حديث نبوي (وهو ما قد يتمسك به المشرع)، إلا انه اجتزاء خارج السياق، فهذا الحديث جاء رداً على سؤال يتعلق بالغسل، إلا أن المشرَّع الميني اختار أن يكون سياقه الحقوق والواجبات المدنية!

وفي نصوص قانونية أخرى اختار المشرع أن يتخذ من الدين شمَّاعة له في تحديد حقوق المرأة وواجباتها، منها على سبيل المثال: مادة 42 من قانون الجرائم والعقوبات التي حددت دية المرأة إلى نصف دية الرجل. وعلى الرغم من الخلاف الديني المستمر حتى اللحظة بين مختلف علماء الدين في تحديد دية المرأة مقارنة بالرجل، إلا أن المشرع اليمني لا يتوانى عن الأخذ بالرأي الأكثر إجحافاً لحقوق المرأة! وهو ما تكرر أيضاً بتعديل نص المادة 15 من القانون القديم والذي أشار إلى عدم صحة تزويج فتاة دون سن الـ 15، والذي تم تعديله لاحقاً بإلغاء التحديد العمري لسن الزواج، بذات الذريعة المستخدمة غالباً في قضايا النساء، بأن الشريعة الإسلامية لم تحدد سنًا للزواج! وعلى الرغم من وجود محاولات لاحقة لتحديد سن الزوج، منها إقرار البرلمان اليمني عام 2009 قانوناً ينص على أن العمر الأدنى للزواج هو 17 عاماً، إلا أن الضغوطات السياسية التي مارسها حزب الإصلاح "الإخوان" في اليمن وحزب المؤتمر الشعبي العام، والهجوم الذي طال مركز الأبحاث التطبيقية والدراسات النسوية بجامعة صنعاء والأكاديمية اليمنية رؤوفة حسن، انتهت بعدم مصادقة الرئيس علي عبدالله صالح على القانون، وهو ما يؤكد استخدام الأحزاب السياسية في اليمن للقضايا المتعلقة بالمرأة لإلهاء الشعب، مستخدمةً الخطاب الديني والطائفي في الصراع السياسي بين مختلف الأحزاب والقوى السياسية.

وفي الوقت الذي شهدت فيه قضايا المرأة إثارة للرأي العام فيما يتعلق بتحديد سن الزواج أو تحديد الدية المقررة لها قانوناً مقارنة بالرجل، شهدت قضايا المرأة صمتًا مرعباً من المشرع اليمني ومن الأحزاب السياسية في قضايا أخرى أكثر أهمية سكت القانون اليمني في النص عليها ضمن نصوصه القانونية! ونص في وقائع أخرى على ما لم تنص الشريعة الإسلامية بحد ذاتها، والتي لطالما اعتبرت الشماعة فيما يتعلق بقضايا المرأة؛ فقد سكت القانون اليمني عن تجريم "سفاح المحارم"، ويتم تكييفها غالباً كجريمة "زنا"، وبدلاً من أن تكون المرأة ضحية اغتصاب من أحد محارمها تصبح مدانةً بارتكاب جريمة الزنا!

وتنص المادة 232 من قانون الجرائم والعقوبات اليمني على فرض عقوبات "جرائم الشرف" والتي تسقط عقوبة القصاص عن الرجل اليمني الذي يقتل زوجته أو إحدى أصوله أو فروعه أو أخواته متلبسة بجريمة الزنا، وهو ما لم تنص عليه الشريعة الإسلامية التي جاءت بالملاعنة بين الزوجين في حال اتهام الزوج لزوجته بالزنا. واعتبرت هذه جزءًا من الأمثلة المتعلقة بقصور القانون اليمني في ضمان حقوق المرأة، بالإضافة إلى نصوص أخرى ما زالت تمثل فجوةً كبيرةً بين ما يجب أن يكفله ويضمنه القانون وبين ما يمثّل جُرماً بحق المرأة في شكل نصوص قانونية، على الرغم من مصادقة اليمن على اتفاقية "السيداو" التي تقتضي القضاء على التمييز ضد المرأة.

النضال السياسي

النساء في المفاوضات السياسية: وجودٌ شكلي وتأثيرٌ محدود

جاءت ثورات الربيع العربي لتضع المرأة اليمينة في مكان غير معهود، ففي عام 2011 تضمنت المبادرة الخليجية مشاركة النساء في الحوار الوطني وفي عملية السلام، وقد حددت اللجنة الفنية للحوار الوطني عددًا المشاركين بـ 565 مشاركاً، مع ضمان مشاركة 30% من النساء وفقاً لنظام كوتا، وعلى الرغم من الاختراق البسيط للإرادة السياسية الذكورية السائدة في اليمن في تعزيز نسبة النساء في مفاوضات السلام، أو حتى في مركز صنع القرار وفي البرلمان اليمني، و"رغم المشاركة المبكرة للمرأة منذ أول انتخابات برلمانية عام 1993، فإن عدد المرشحات من مختلف الأحزاب لم يتجاوز 42 مرشحةً، لم تفز منهن سوى مرشحتين! ثم تراجعت المرأة مرشحةً وعضوةً بالمجلس في آخر انتخابات برلمانية عام 2003، حيث لم تفز سوى واحدة من إجمالي 11 مرشحة، ولا يختلف الحال عن الانتخابات المحلية عام 2001، التي لم يتجاوز عدد الفائزات فيها 18 مرشحة من أصل 35 امرأة. لذلك جاءت المبادرة الخليجية كبادرة أمل للمرأة اليمينة في إمكانية فرض إرادة خارجية تتغلب على الإرادة السياسية الوطنية في تعزيز دور المرأة في عمليات السلام والمرحلة الانتقالية لليمن، وهو ما كان سيمثل انتقالةً نوعيةً وغير مسبوقة لمكانة المرأة في الفضاء السياسي اليمني.

وعلى الرغم من تلك المحاولات، إلا أنه "في مفاوضات فبراير 2014، رفضت جميع الأحزاب والمكونات المشاركة -باستثناء وزير مخرجات الحوار الوطني- القبول بمشاركة وتمثيل مكون المرأة في مؤتمر الحوار (أيضا مكون الشباب والمجتمع المدني)، وبعد ضغط من المكونات وبمساعدة المبعوث الأممي جمال بن عمر تم قبول عضوتين؛ واحدة من "الشمال" والأخرى من "الجنوب" كمراقبات وَلَسْنَ مشاركات لمكون النساء. كانت جميع الحجج التي طرحت أن النساء المستقلات لسن فعلاً مستقلات، بل يتبعن بعض المكونات السياسية، وسيؤثر هذا على التوازن".

هذه الحجج تثبت استخدام المرأة اليمينة كرمز دون جوهر، وتُظهر التناقض العجيب بين الخطاب والواقع، وتؤكد بأن قضايا المرأة ومشاركتها هي ما تتفق على مجابهته كلُ الأطراف والقوى السياسية في اليمن، ومما لا تختلف عليه الأطراف في ظل التعبئة الطائفية وانعدام العدالة الاجتماعية، وهو ما يؤكد على الاستخدام الشكلي للمرأة في مفوضات السلام كرموز لا تأثير حقيقي لها، ودون أي دور فعلي في صنع القرار. ومع ذلك، كان ظهور المرأة في قاعة المفاوضات ونضالها لنيل مقعد ضمن مقاعد صنع القرار الحقيقة خطوة حقيقة ومهمة لدور المرأة في السياسة وما كان لها الان إلا السعي نحو تحقيق المزيد على مختلف الأصعدة ولم يكن من المتوقع أن يتسبب النزاع في الرجوع إلى الوراء وظهور تغييب أخر لقضايا أخرى طالت النساء بعد النزاع.

السياق العام الحالي: النزاع وتأثيره على المرأة اليمنية

منذ بدء النزاع في اليمن عام 2014، شهدت المرأة اليمنية تصعيدات خطيرة طالت حقوقها وممارستها اليومية من مختلف أطراف النزاع في اليمن ومن المجتمع اليمني أيضاً. فمع تأثير النزاع على الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية كانت المرأة شماعة الأطراف وحتى المجتمع في إلقاء اللوم على ما يعايشه المجتمع اليوم؛ فمع سيطرة جماعة أنصار " الحوثيين" على العاصمة صنعاء، فرضت قيوداً غير قانونية طالت حرية النساء وممارستهن اليومية، منها: منع السفر بدون محرم، إغلاق "كافيهات" ومراكز رياضية نسائية، عرقلة الحصول على خدمة الصحة الإنجابية، محاولة التضييق على لباس المرأة، منع عمل المرأة، فرض فصل الطلاب عن الطالبات في الجامعات الحكومية، منع الاختلاط في الأماكن العامة، منع حفلات التخرج المختلطة، بالإضافة إلى تقييد حرية تنقل المرأة والسؤال عن المحرم في نقاط التفتيش، ومنع السفر عبر منافذ خاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دولياً أو قوات المجلس الانتقالي الجنوبي.

وعلى الرغم من أن دور المرأة اليمنية قد تعزز اقتصادياً بعد النزاع؛ فبعد أن كانت المرأة اليمنية الريفية تمثل 80% من اليد العاملة في الزراعة في الريف، تسبب النزاع في زيادة اليد العاملة للمرأة اليمنية في الحضر جراء الأزمات الاقتصادية وانقطاع الرواتب وانجرار الرجال لجبهات القتال، وأصبحت كثير من النساء عائلات لأسرهن، ووجود النساء في مجالات عمل لم يسبق لهن التواجد بها، إلا أن ذلك لم يساهم في خلق قوة حقيقة للمرأة في الحياة العامة كيد عاملة مؤثرة ومهمة، ولم يتح للمرأة التواجد في مراكز صنع القرار، فقد اتسعت مساحة تواجد النساء في الوظائف البسيطة التي قد تكفي أو لا تكفي في توفير سبل المعيشة؛ فقد أصبحنا نشهد تواجد النساء كسائقات بالأجرة، محلات صيانة الهواتف، بائعات متجولات.. واتسعت مساحة تواجد النساء في المجتمع المدني ومؤسساته وفي المنظمات الدولي والمحلية، إلا أنها لم تتمكن من تعزيز تواجدها في مراكز القوة، بل على العكس؛ عمدت أطراف النزاع إلى تغييبها عن مراكز القوة والمراكز المرموقة في الجهات الحكومية، ومنها منع جماعةُ أنصار الله (الحوثيين) في عام 2024، من انتساب الطالبات لمعهد القضاء.

ولتضليل الرأي العام فيما يخص قضايا المرأة، فقد تعمدت مختلف الأطراف في اتباع سياسات مختلفة عندما يتعلق الأمر بالمرأة، فما زالت تتعمد جماعة أنصار الله" الحوثيين" استخدام الدين والعادات والتقاليد كشماعة لكافة تصرفاتها وانتهاكاتها ضد المرأة أو شماعة "الحرب الناعمة" والتي تلقي عليها تصرفاتها غير القانونية في معظم القضايا المجتمعية.

أما الحكومة المعترف بها دولياً فقد اتبعت سابقاً سياسة أخرى توقعتْ أن تنال التصفيق عليها، وهي إيقاف بعض من تصرفاتها غير القانونية بتوجيهات أخرى لا مبرر لها ابتداءً، فقد كانت مصلحة الجوازات والهجرة تمنع المرأة اليمنية من استخراج جواز سفر دون وجود محرم، وهو أمر مخالف للقانون الذي لم ينص على هذا الشرط لاستخراج جواز سفر، وبعد حملة معارضة نسوية في محافظة عدن في مواجه هذ التقييد، أصدرت وزارة الداخلية لدى الحكومة المعترف بها دولياً في شهر مارس 2022، تعليمات بمنح جواز السفر للمرأة لليمنية دون أي اشتراطات لم ينص عليها القانون من المادة (6) من القانون رقم (7) لسنة ١٩٩٠م بشأن الجوزات، والمادة رقم (3) من القرار الجمهوري لسنة ١٩٩٤م بشأن اللائحة التنفيذية لقانون وثائق الجوزات. جاء هذا التعميم بعد 32 عاماً من صدور قانون لم ينص على اشتراط وجود المحرم، وهو الأمر الذي كان يستدعي المساءلة القانونية لمصلحة الجوازات والهجرة لممارسة هذا السلوك طيلة 32 عاماً، لا بإصدار تعميم بأمر يكفله القانون، ولا يمكن أن يكون التعميم أكثر قوةً ونفاذاً من القانون!

ومع تكرار الحوادث التي تتعرض لها النساء وبشكل يومي، كان من المؤسف أن يثبت الواقع بأن النزاع قد تسبب في ضعف العادات والتقاليد التي كانت تحمي المرأة وحياتها سابقاً. وأدى هذا الضعف والهشاشة لتعرض عدد أكبر من النساء للمضايقات والعنف وحتى حملات التشهير. ويمكن لحملة التشهير الأخيرة التي طالت عدد من الفتيات اليمنيات بعد انتشار فيديو لهن في سيارتهن الخاصة برفقة رجلان من أسرتهن وفي جو استمتاعهن بالغناء أن يثبت حد الهشاشة التي طالت عادات وتقاليد المجتمع اليمني، فقد تعرضن الفتيات لحملة تشهير بشعة وتحريض عليهن وإساءة لهن ولأخلاقهن، وهي الحملة التي لم تنتهِ بعد تأكيد علاقتهن الأسرية بمن كانوا معهن، بل استمرت في السب والشتم والاتهام بـ"الدياثة" وانعدام أخلاق الرجال لغنائهن في وجودهم! لطالما كانت العادات والتقاليد اليمنية تضع مكانة خاصة ومقدسة للمرأة اليمنية؛ تحميها من السب ومن كل ما قد يطال شرفها وعفتها، أما اليوم فنحن نشهد تصرفات لا تستهدف إلا شرفها وكرامتها وحياتها الخاصة، والتشهير المستمر في كل قضية تكون المرأة محورها.

ويكمن التناقض العجيب في أن تلك العادات والتقاليد يصيبها الشلل في القضايا التي تقع المرأة ضحية لها حين يكون الجاني رجلاً أو حتى سلطة؛ تصاب العادات والتقاليد اليمنية بالشلل عندما تتعرض الطالبات اليمنيات للاعتداء في جامعتهن دون مبرر! وتصاب العادات والتقاليد اليمنية بالشلل عند مشاهدة ممارسات التحرش اليومية في الشوارع اليمنية! وتصاب العادات والتقاليد بالشلل في مواجه سلطة تضع النساء في دائرة الاتهام الأخلاقي فقط لكونها إمراه!

ومما يجدر الإشارة إلية، أن خطابات الكراهية في مواجهه المرأة شهدت تصعيداً غير مسبوق منذ بدء النزاع في اليمن، عبر منابر الجوامع والخطابات الدينية، التشهير عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وحتى كتابة عبارات تحريضية على جدران الشوارع العامة، تكرار استخدام الخطاب الديني لفرض قيود أخرى على حرية النساء أو للتحريض عليهن.

وفي مأساة أخرى زاد تعرض النساء لها جراء النزاع الحالي والتي لا تنتج عن ممارسات للأطراف، بل عن انتهاكات داخل الأسرة، تتلخص في نتائج توصلت إليها دراسة ميدانية أجرتها منظمة مواطنة لحقوق الإنسان حول العنف الجنسي ضد النساء أثناء الحرب (2014-2021)، خلُصتْ نتائجُها إلى أنه "خـلال فتـرة النـزاع، ازداد العنـف ضـد النسـاء داخـل أسـرهن، وانتشرت أنمـاط العنـف الأسري ً التـي ألحقت أضرارًا جسيمة بالمـرأة؛ فقـد زادت وتيـرة العنـف الأسري بسـبب التغيـرات الاقتصادية والسياسـية والاجتماعية. ومـن خـلال تتبـع مسـار حيـاة الحالات التـي تمـت دراسـتها، كشـفت الدراسـة أن النسـاء يتعرضـن بشـكلٍ متزايـد للعنـف والاعتداء الجسـدي داخـل الأسرة، مصحوبـًا بضعـف الدعـم علـى المسـتوى المؤسسـي مـن الشـرطة والسـلطات القضائيـة". ووصفت الدراسة بأن العنف الأسري يتميز بـ "صمت يصم الآذان"، ولكن يبدو أن هذا الصمت يرتبط بكل ما يطال المرأة لا بتعنيفها أسرياً فقط.

تسبب النزاع في سقوط تاريخي لقضايا المرأة في اليمن ولنضالها في نيل حقوقها، وبدلاً من النضال لفرض حقوق أخرى وللقضاء على التمييز وفرض المساواة وتعزيز الحماية القانونية، تناضل المرأة اليمنية اليوم لفرض حقوق يكفلها القانون وتقوِّضها أطراف النزاع. تناضل اليوم بالتمسك بالقانون الذي طالما كان مجحفاً بحقها، لكنه يبدو اليوم أكثر حماية لها من ممارسات أطراف النزاع ومن مجتمعٍ وجد في قضايا المرأة مجالاً لتفريغ الغضب والضغوطات التي تسببت بها الحرب. تناضل المرأة اليمنية لتعود لتلك الحياة التي سبقت النزاع.

استراتيجيات تعزيز قضايا النساء والأولويات

في الوضع الحالي ومع عدم إمكانية تحقيق إصلاحات تشريعية نظراً لغياب السلطات المخولة قانوناً بإصدار تشريعات جديدة أو تعديل تشريعات سابقة، وفي ظل مرور اليمن بمرحلة انتقالية سيستمر معها تغييب القضايا والأولويات الحقيقة للنساء تحت مبرر "نحن في حرب، مش وقت النساء"، وفي ظل غياب الإرادة السياسية الحقيقة في تمكين المرأة، تكمن إستراتيجية تعزيز قضايا النساء في الإصلاحات المجتمعية التي قد تكون وسيلة ضغط ومناصرة لتحقيق إصلاحات قانونية وتشريعية لاحقة، نظراً لان معظم الاختلالات التشريعية والقانونية كانت نتاجاً لاختلالات مجتمعية وسياسية ساهمت في تشريع تلك النصوص أو إلغاء بعضها. ولا يمكن للإصلاحات المجتمعية أن تتم دون ضغط من صاحب المصلحة والمعنيّ الأول بالأمر؛ ألا وهي المرأة اليمنية.

إن ما تسبب به النزاع من إضعاف العادات والتقاليد المجتمعية الحامية للنساء والناتجة بشكل أساسي عن منهجية أطراف النزاع المتعمدة في تغييب قضايا المرأة يثبت بالضرورة أن العادات والتقاليد اليمنية ما هي إلا نتاج تغييرات مستحدثة؛ إرادة سياسية وهشاشة مجتمعية، لا نتاج الدين وتعليماته التي طالما استُخدمت كشماعة لتوجهات المجتمع في معظم قضايا النساء، وبذلك يمكن إحداث تغيير مجتمعي يبدأ من المجتمع المدني ومن المرأة اليمنية أولاً. وكما أن تفاعل المجتمع مع قضايا النساء ولصالحهن وصف بـ"صمت يصم الآذان"، لا بد أن يكون صوت المرأة في فرض حقوقها وانتزاعها من المجتمع جهيرًا يملأ الأفاق.

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.