في الرابع من فبراير 2007 عُقِدَتْ ندوةٌ في فندق «تاج سبأ» تحت عنوان «الاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات اليمنية - دراسة مقارنة».
وفي الندوة قَدَّمَ الدكتور محمد عبد الملك المتوكل دِراسةً أعدَّها بعنوان «الأعراف القانونية العالمية والقوانين اليمنية»، وقد تحولت إلى كتيب.
كان المُعقِّبون المحاميين: أحمد الوادعي، وجمال الجُعْبِي، والأساتذة: سِنان عبد المولى العجمي، ومحمد سيف عبد الله العديني، ومحمد يحيى عزان.
ثُمَّ عُقِدتْ ندوةٌ ثانية بعنوان «حقوق المرأة في الولاية، وحَقَّها في الدية»، في 27 مايو، 2007، وقد أقام الندوتين كُلٌّ مِنْ: «مؤسسة فريدريش ايبرت»، و«منتدى التنمية السياسية».
وبعد كلمات على سيف حسن- الرئيس التنفيذي لـ «منتدى التنمية السياسية»، وكلمة «مؤسسة فريدريش ايبرت»، للسيد فيلكس ايكتشبر. ج، وكلمة الدكتورة جميلة الراعي- عضو المنتدى- قدم الدكتور محمد عبد الملك ورقته مُشيرًا إلى ثلاثِ ملاحظات:
الأولى: إنَّ الورقة لم تتناول موقف الإسلام من القضية؛ وإنَّما المقارنة بين ما نَصَّتْ عليه مواد الدستور، والقوانين السارية في ج. ي، وبين ما نَصَّتْ عليه الإعلانات، والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان التي وقَّعَتْ وصَادقتْ عليها اليمن، ولم تَقمْ الورقة بأيِّ ترجيح لهذه أو تلك.
الثانية: بعض الدول العربية والإسلامية التي كان لها تَحَفُّظ على بعض مواد الإعلانات والاتفاقيات الدولية سَجَّلتْ تحفظها، وبررت ذلك؛ ومنها المملكة العربية السعودية، وذلك ما لمْ تعملهُ اليمن.
ويشير إلى البند الخاص بالتحكيم في «اتفاقية السيداو»، ويرى أنَّ (المادة السادسة) من دستور اليمن نَصَّت على تأكيدِ العمل به، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وأنَّ التوقيع والمصادقة والتأكيد الدستوري مع عدم التحفظ قد أعطى انطباعًا أنَّ ما تَمَّ التوقيع والمصادقة عليه لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية التي هي مصدر جميع التشريعات بنص المادة الـ (3) من الدستور.
الثالثة: إنَّ التشريعات اليمنية تتناقض مع عدد من القضايا التي تَمَّ التوقيع والمصادقة عليها، وأكَدَّ الدستور العمل بها.
ويتساءل الدكتور: لماذا هذا التناقض المعيب؟! لماذا وقَّعنَا وصادقنا ولم نتحفظ؟! هل غفلة؟ أم سياسة انتهازية بهدف المزايدة مع عدم الالتزام؟
ويطلب الإجابة من الحكومة، ويرى أنَّهُ قد يتطلب الوقوف أمام قضايا فقهية تتطلب الاجتهاد، وقد نجد في الدين فسحةً تُخَفِّف من هذا التناقض، وأنَّ الندوة قد تُحرِّك المياهَ الراكدة؛ فحيث تكون المصلحة، فَثمَّ شرعُ الله.
ويتناول الدكتور المساواة بين المسلم، وغير المسلم، ويورد المواد (41)، و(43)، التي تنصُّ على المساواة في الحقوق والواجبات، والحق في الانتخاب والترشح، والمواد الأخرى المناقضة: المادة (107) التي تشترط لمن يترشح لرئاسة الجمهورية أن يكون محافظًا على الشعائر الإسلامية؛ فَيحْرِم غيرَ المسلم من التَّرشُح.
ويشترط في المُرشَّح للنواب أن يكون مؤديًا للفرائض الدينية، وتنص (المادة الثانية) أنَّ الإسلام والشريعة الإسلامية مصدر جميع التشريعات.
ويمتد إلى حرمان غير المسلم وغير المتدين من المناصب العُليَا. ويرى -مُحِقًّا- أنَّ تلك الاشتراطات تخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ويتعارض أيضًا مع الحقوق المدنية والسياسية، والمؤكد عليها في الدستور في (المادة السادسة) منه.
المساواة بين الذكور والإناث
يتناول «دستور دولة الوحدة»، لعام 1990؛ المادة (27)، التي تنص على أنَّ المواطنين أمام القانون سواء. وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس، أو اللون، أو الأصل، أو الأمة، أو المهنة، أو المركز الاجتماعي، أو العقيدة.
وبعد حرب 1994 يشير إلى تعديل الدستور (المادة 67)، وحذف ما يتعلق برفض التمييز، وأنَّ الحذف مقصود. ويؤكد ذلك ما جاء في المادة (31) من تقييد لحق النساء بما تكفله الشريعة. طبعًا بحسب فَهْم المُشرِّع.
ويورد النص المُتَضَمِّن في المادة: "النساء شقائق الرجال. لهنَّ ما لهم، وعليهنَّ ما عليهم". مشيرًا إلى الفصل بين حقوق الرجل، وحقوق المرأة بإحالة قضايا المرأة إلى الشريعة؛ أي اجتهاد المشرع وفهمه، ويعني هيمنة القوى التقليدية الدينية والقبلية على السلطة التشريعية.
ويشير إلى التراجع في قوانين الأحوال الشخصية، والاعتماد على رُؤَى دينية وقبلية متشددة، وتَمَّ إغفال الاجتهادات الدينية المستنيرة.
ويتناول الدكتور أبرز الجوانب التمييزية بالنسبة للمرأة في نصوص القوانين النافذة:
- قانون الجرائم والعقوبات رقم (12)، عام 1994. فالمادة (12) تَنُصُّ على أنَّ دِيَة المرأة نصف دية الرجل. ويناقش باستفاضة تفاصيل أرش المرأة في الأعضاء؛ فهي نصف أرش الرجل. فعين المرأة نصف عين الرجل، وكذلك بقية الأعضاء.
- المادة (232) خَفَّضَتْ العقوبة على الرجل الذي يقتل زوجته أو أيًّا من نسائه إذا وجدها في حالة زِنَى.
- قانون الأحوال الشخصية رقم (20)، عام 1992؛ المادة (15) يَنُصُّ على صِحْةِ زواجِ الصغيرة دون سن 15 سنة؛ وهو ما يتعارض مع نصوص المادة (16) مِنْ اتفاقية حقوق الطفل الموقع والمصادق عليها. [الكاتب].
- المادة (12) تُجِيز للرجل تَعَدُد الزوجات إلى أربع، مع تحقيق القدرة على العدل. ولم يُرَاعِ المُشرِّع حقوق الزوجة الأولى في الميراث، الذي لا تأخذ منه إلا ما تأخذه الزوجة الجديدة؛ وبذلك يكون الزوج قد ظلمَ الأولى حيًّا وميتا، وكلتاهما تأخذ نصف ما يأخذه الرجل لو ماتت إحداهُنَّ.
- عد القانون المرأة إنسانًا ناقص الأهلية؛ فحرمها - كما ورد في المواد: (16)، و(17) حقَّها في إبرام عقد الزواج مباشرةً، ووكلَّ مهمةَ إبرام العقد إلى أحد أولياء المرأة؛ وهو ما يتعارض مع نص المادة (16) من «اتفاقية السيداو»؛ التي تنص على أنْ يكون للمرأة والرجل الحق نفسه في عقد الزواج. ويضيف: "ولا شكَّ أنَّ قرار حلِّ عقد الزواج لا يقلُّ أهميةً عن عَقْدِه؛ إنْ لم يكنْ أهم؛ لأنه قرار سوف ينسحب أثرهُ على الأولاد.
- المادة (29) تُحرِّمُ على المسلمة الزواج بغير المسلم. وتتيح المادة (20) للرجل الزواج من كتابية. وهذا تمييز من ناحية، ومخالف للمادة (16) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يبيح للمرأة البالغة سِنَّ الزواج حق التزوج، وتأسيس أسرة دون أي قيدٍ بسبب الجنس، أو الدين، ولها حقوق متساوية عند الزواج، وعند انحلاله.
- قانون الجنسية رقم (6)، عام 1990. حَرَمَتْ المادة (3) من قانون الجنسية أبناءَ اليمنية المتزوجة من أجنبي جنسيةَ أُمِّهِم، ومنحت هذا الحقَّ لأولادِ الرجل المتزوج من أجنبية. وفي هذا تعارض مع المادة (16) مِنْ «اتفاقية السيداو» التي تكفل للمرأة الحقوق نفسها.
- قانون الإثبات لعام 1996 يُميِّزُ بين الرجل والمرأة في عددٍ من الموضوعات المتعلقة بالشهادة، وهو تعبير عن الدونية في النظرة، وتشكيك في عقلها وحواسها، وذمَّتِها وأمانِتها.
ويناقش الدكتور تفريق المشرع بين شهادة الرجل والمرأة في الحُجِّية في ثلاثة مستويات:
الأول: لا يثق القانون في شهادة المرأة نهائيًا، ولا يقبل غير شهادة الرجل فقط في القضايا المتعلقة بالحدود: القتل، والزنى، والقذف، والسرقة، واللواط، وشرب الخمر، وجريمة الحرابة؛ مما يعني انعدام المساواة، والتمييز بسبب الجنس. فلو شَهِدَتْ كُلّ نساء اليمن بما فِيهنَّ مدرسات الجامعات، ووزيرات حقوق الإنسان، والشؤون الاجتماعية بأنَّ فرَّاشًا سَرقَ ريالاً، فإنَّ شهادتهنَّ غير مقبولة؛ ولو شهِدَ عليهنَّ بسرقة الريال، فإنَّ شهادته مقبولة وأكثر حجية.
الثاني: يقبل القضاء جزئيًّا شهادةَ المرأة إذا عضدتها شهادة الرجل فقط، ولا تقبل شهادتها بمفردها، حتى لو تأكدت بشهادة رجل، وإنَّما تُقبل إذا شهد مع الرجل امرأتان.
وقد حصر القانون شهادة الرجل، وتقبل إذا شهدت مع الرجل امرأتان، وقد حصر القانون شهادة الرجل بامرأتين في القضايا المتصلة بالأموال، والحقوق. ومِنْ المفارقات المثيرة للعجب أنُّهُ لو شَهِدَتْ امرأتان ورجلٌ على سرقة شخص لريال، فإنَّ ذلك لا يكفي دليلاً للحكم على اللص بعقوبة السرقة؛ لأن الدليل هنا أفسدته امرأتان. يقصد الدكتور أنَّ المرأتين غير مقبول شهادتهما في الحدود.
الثالث: يقبل القانون شهادةَ المرأة بمفردها إذا كانت الوقائع مِمَّا لا يطلع عليه الرجال. والنص يقول: بأنَّه: "يجوز قبول شهادة غير الرجل وامرأتين فيما اسْتُثِنىَ بنصٍ، كشهادة المرأة فيما لا يطلع عليه الرجال. لقد ارتكزَ «قانون الإثبات» على عقيدة أنَّ قامة المرأة مهما استطالت على الرجل عِلمًا وأخلاقًا ووعيًا؛ فإنَّها لا تطاول الرجل في مجال الإثبات. ومهما تدنت قامة الرجل في هذه القيم، فإنَّ مقامه في مجال الإثبات يظلُّ أعلى منها.
يتناول الدكتور في مبحثه المهم الحقوق السياسية والمدنية، وقانون الجمعيات والمؤسسات الأهلية؛ وهي لا صلةَ لها بقضايا المرأة.
وقد قصرتُ التناولَ في هذه الورقة على ما يخصُّ التمييز ضد المرأة، كما أقصرُ التناولَ على تعقيب المحامي أحمد الوادعي.
تعقيب المحامي أحمد الوادعي على ورقة أ. د محمد عبد الملك المتوكل
يُشيدُ المحامي الوادعي بالورقة وكاتبها الذي بَذلَ أقصى ما لديه، وعلى الرغم من قصرها، فقد ألمَّتْ بأطراف الموضوع؛ مُثنيًا على المنهج النقدي الذي اتبعه.
ويشير إلى التجسيد الأبرز للازدواجية الواقعة في التشريعات اليمنية المكرَّسَة لحقوق الإنسان:
• حُرِّية العقيدة.
• المُسَاواة
• الحقوق السياسية والمدنية.
ويشير إلى أنَّ الازدواجية التي يقصدها تتمثل في أنَّ التشريعات اليمنية تعالج حقوق الإنسان باحتفاء، وبصورة متطورة نسبيًّا، لكن في النصوص فقط، وأنَّها في الواقع حبرٌ على ورق، وأنَّ الورقة كلها مَسُوقَة لإثبات «العطالة» التي عليها التشريعات، وأنَّ نصوصها ميتة لا تلامس الواقع. مؤكدًا على مدى اطلاع الدكتور على القوانين؛ على الرغم من أنَّ تخصصه العملي هو السياسة والإعلام، وأنَّهُ يمتاز على أمثاله الناشطين السياسيين الذين يظهرون عُزوفًا غيرَ مُستحب عن القانون بما في ذلك القانون الدستوري.
ويوجز المُعَقِّب ملاحظاته على الورقة في النقاط الآتية:
الأولى: يقول الباحث في مُفْتَتَح الورقة أنَّ مصادقة الحكومة اليمنية على الإعلانات العالمية، والاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان، وكذلك على العمل بميثاق الأمم المتحدة، والإعلان العالمي لحقوق الإنسان- كُلُّ ذلك معناه أنَّ هذهِ الإعلانات والاتفاقيات لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
ويقول المُعقِّب: إنهُ يصعب الموافقة على ماورد في الورقة بخصوص هذا الاستنتاج لسببٍ بسيط، ومِنْ المؤكد أنَّهُ لا يفوت على الباحث؛ وهو أنَّ التعارض بين الشريعة الإسلامية، والإعلانات العالمية بحقوق الإنسان يظل قائمًا وحقيقيًّا. وهذا التعارض يمثل واحدًا من أهم إشكاليات الشريعة مع تلك الإعلانات؛ وهو إشكالٌ لا يمكن حلَّه بهذه الطريقة. وخير مثالٍ على هذا التعارض الإشكالي يأتي من صلب الورقة نفسها، الذي يتصل بحرية العقيدة المنصوص عليها في الإعلان العالمي، وعقوبة الردَّة المقررة التي هي أصل من أصول الشريعة الإسلامية. فالإعلان العالمي لحقوق الإنسان يُطلق حق الإنسان في حرية العقيدة، ويشمل ذلك حقه في تغيير عقيدته الدينية متى يشاء، وبالمدى الذي تقوده إليه اجتهاداته بما في ذلك عدم اعتناق أي عقيدة دينية، ولزوم اللادينية. والشريعة الإسلامية تتيح للإنسان تغيير عقيدته باستثناء العقيدة الإسلامية؛ فمن اعتنقها لا يملك الرجوع عن ذلك تحت أي ظرف، والرجوع عنها جريمة جنائية عقوبتها الإعدام لأنه يعد مرتداً.
ويرى المُعَقِّب أنَّ تعارض الشريعة الإسلامية مع الإعلانات العالمية التي صادقت عليها اليمن لا يقف عند هذا الحد؛ بل يقع في أكثر من موضوع؛ مثل: مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الإرث، وفي الحقوق الزوجية المتبادلة، وفي اختيار الزوج، وغير ذلك.
إنَّ مواءمة الشريعة الإسلامية مع الإعلانات العالمية أمرٌ لا مندوحةَ عنه؛ لاسيما بعد أنْ صارتْ هذه شِرعةً عالمية تتجاوز كل الثقافات. وكل الدلائل تشير إلى أنَّ صيرورتها كذلك باتَ نهائيًا ومؤيدًا، وأي ثقافة أو منظومة عقائدية أو فكرية تقي نفسها من مستلزمات هذه الشِّرْعَة العالمية يصبح من السهل وصْمَهَا بالعنصرية؛ فضلاً عن التخلف، وافتقارها إلى قيم الحضارة المعاصرة؛ ولاسيما المساواة والعدالة.
وأعتقد أنَّ أستاذنا الدكتور محمد عبد الملك يوافقني الرأي بأنَّ الإشكال السابق يقع عبء حَلِّهِ على المسلمين؛ ولاسيما على مدارسهم الدينية، وعلماء الإسلام ومفكريه، والنخبة المثقفة فيه، وأنَّ الجهد في ذلك يجب أن ينصبَّ في مواءمة القانون الإسلامي، أو بالأصح الشريعة الإسلامية مع الشِّرعة الدولية، وليس العكس؛ إذ لا خيارَ لأحد في هذا الكوكب تجاه ذلك. وإذا كانت اليمن في دستورها وفي تعهداتها قد التزمت بتلك
الإعلانات وبسهولة؛ فقد قدَّمتْ الورقة تفسيرًا صحيحًا لهذا المسلك؛ وهو أنَّ ذلك ليسَ حرصًا ولا اقتناعًا بأحكام هذه الإعلانات؛ وإنَّما لدافع آخرَ يصعبُ وصفه بأنه أخلاقي، وهو أنْ تَظهرَ دوليًّا بمظهر الدولة الحفيَّة بحقوق الإنسان وبالشِّرعة الدولية؛ ما دامتا هما الموضة السائدة. ولذلك لم تجد اليمن حرجًا يُذكَر في أنْ تَسنَّ قوانين تعاقب اليمني إذا مارس حقه في حرية العقيدة؛ ناقضةً بذلك التزامها بالإعلان العالمي، وأنْ تُهدِر في قوانينها مبدأ المساواة، وتتضمن نصوصًا تُعد في نظر الشرعة الدولية عُنْصُريِّة صِرْفَة، على نحو ما فصلت الورقة.
ويضيف المُعَقِّب: "ولم يكن التحاق اليمن بالشِّرعة الدولية الخاصة بحقوق الإنسان مجرد تقليعة، وهو في الحقيقة نفاقٌ غير مُوارَب للمجتمع الدولي؛ لما احتلَّتْ المرأة منصِب الوزارة، والسفارة، والقضاء؛ وهي في الوقت نفسه تُوجِب عليها طاعة زوجها، ولا تخرج من المنزل إلا بإذنه، ولا تقبل شهادتُها أمام القضاء اليمني، ولو كانت القاضي امرأة في السرقة، والقتل، والزنا، وشرب الخمر. ومبالغة في المفارقة فإنَّ هذه البلاد تقبل أنْ تتولى المرأة الوزيرة إبرام اتفاقية مع دولة أجنبية تَتحمَّل اليمن فيها التزامات مالية وأدبية باهظة، ولكنها تمنع عليها إبرام عقد زواجها بنفسها؛ وإنَّمَا يتولاها ولي الأمر.
ويشير المُعَقِّب: إنَّ المنطق السليم يُحتِّم على اليمن بعد الالتزام بالإعلانات الدولية، وصارت بذلك قانونًا داخليًّا- أن تلتفتَ إلى نُخبِهَا؛ ليوائموا بين الشريعة الإسلامية، والشِّرعة التي التزمتها اليمن، ولو عملت ذلك؛ لاجترحت عملاً تاريخيًّا غير مسبوق على مستوى العالم العربي والإسلامي. وأشار إلى أنَّ ذلك غيرُ ممكن؛ لأنَّ بنيتها غير سليمة، وباعدت بينها وبين ذلك أقدارٌ صنعتها قيادتها.
ويختتم المُعَقِّب اقتراح ما فاتَ الورقة الأولى ملاحظته على الرغم من أهميته؛ وهو أنَّ إصلاح الراهن لحقوق المرأة في القوانين السارية لا يكفي فيه إصلاح هذه القوانين وتعديلها؛ بل يقتضي إدخال تعديل في الدستور نفسه؛ فقد لاحظت الورقة أنَّه تَمَّ تعديل الدستور بعد حرب 1994، وشمل التعديل إلغاء حظر التمييز بسبب الجنس؛ الذي تضمنه دستور دولة الوحدة المُسْتَفْتَى عليه. [الكاتب].
وفضلاً عن ذلك أُلغيَ حظر التمييز في الحقوق بسبب العقيدة، أو اللغة، أو الأصل، أو الدين؛ وهو ما فتح الباب واسعًا للتمييز ضد المرأة. والدستور بحاجة إلى تعديل عددٍ كبيرٍ مِنْ موادِّه؛ لإزالة العبث الذي تعرَّضَ له خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وإعادة تأهيله بما يوائم نظام ديمقراطي كافل لتداول حقيقي للسلطة، وبما يحقق الحكم الصالح، ولكن نقترح هذه التعديلات التي لها صلةٌ بحقوق المرأة؛ وهي محور هذه الورقة، وهي كالآتي:
أولاً: إلغاء المادة (31)، واستبدالها بالمادة (41) بعد تعديلها بإعادة تثبيت ما ألغته؛ منها التعديلات الدستورية التي تَمَّتْ عقب حرب 1994.
ثانيًا: تعديل المادة (6) الخاصَّة بالعمل بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ لأنَّ النصَّ ليس صريحًا في الالتزام بالإعلان المذكور؛ فهو يقول: تؤكد الدولة العمل بالإعلان... (هكذا في النص).
ويضيف المُعَقِّب: ويبقى التعديل بما يجعل الإعلان المذكور، والعهدين الدوليين لحقوق الإنسان، وسائر الإعلانات والاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان- مُلْزِمةً للقضاء اليمني، وشِرْعة داخلية لليمن.
كُلٌّ من ورقة الدكتور محمد عبد الملك المتوكل، وتعقيب المحامي أحمد الوادعي قراءةٌ دقيقة لواقع التشريع، وغياب حقوق الإنسان (المرأة).
والواقع أنَّ الأستاذين يدركان أنَّ المصدر الأساس للمشرع اليمني هو الفقه؛ وهو إرثٌ واجتهاد بشري لأمكنة وأزمنة متغيرة وشديدة التبدل. وما نلوكه ونكرره ليست أحكام القرآن المحددة، ولا الأحاديث قطعية الدلالة، ولا هي أيضًا آراء الأئمة المجتهدين الذين كانت آراؤهم في زمن فات وانتهى.
إن توظيف الماضي لحكم الحاضر والمستقبل شيمة الاستبداد والمستبدين. "فالميت يمسك بتلابيب الحي"؛ بحسب مقولة ماركس.
مشرعونا تلاميذ بُلَدَاء لفقهاء عصر غير عصرهم؛ مقلدو «وُعَّاظ السلاطين»، كتسمية على الوردي.
ومعروفٌ أنَّ الحكم في اليمن تقليدي ومحافظ، والتشريع فيه مستند إلى الفقه، والقيم والتقاليد والأعراف القبلية المتوارثة، وصلته بالعصر والتطور والحداثة محدودة وعِدائية في جوانب معينة، ولاسيما ما يتعلق بالحرية والمساواة.
وينظر الحاكم المستبد إلى المشرع والقاضي أنه موظف يتوجب عليه السمع والطاعة. فالدين خادم للسياسة؛ كقراءة عدو الاستبداد: عبد الرحمن الكواكبي.
التشريع في اليمن إصلاحاته محدودة، وانفتاحه على العصر حَذِرٌ وشديدُ الضيق؛ ويمتح من بئر الماضي.
يحرص الاستبداد على خداع الداخل، وتزويق الصورة أمام الخارج. ويتكاذب مع الخارج الحريص على مصالحه على حساب القضايا التي يُعْلِن الدفاع عنها.
الخطيئة دمج أبواب الفقه والمعاملات مع المعتقد؛ لإعطاء الفقه، وهو إرثٌ واجتهادات أئمة أجلاء طالما كرروا أنَّ ما ألفوه مجرد آراء لا قدسيةَ لها، ولا قطعَ فيها.
آيات الأحكام في القرآن بضع آيات، والأحاديث المتواترة محدودة، ولكن أتباعهم المقلدون في عصور الانحطاط عكفوا على التوسع في المتون والشروح والحواشي، والتعليق على الحواشي وحواشي الحواشي.
الإمام الغزالي والأصولي صاحب «المستصفى» في أصول الفقه، و«إحياء علوم الدين»، وصاحب القول الغريب: إذا اغتصب الرجل امرأةً؛ وجبَ عليه أنْ يأمرها بستر ِوجهها؛ حتى لا ترى المُنكَر!
هذا العالم المتعدد المواهب والقدرات يرى أنَّ الفقهاء مجردون عن القداسة، وأنَّ عِلمَ الفقه من العلوم الدنيوية، ويربط بين الفقهاء وخدمة السلطان كقراءة عالم الاجتماع على الوردي.
يتكلم الغزالي عن خبرة ومعاناة؛ فهو من رموز المدرسة المستنصرية وأعلامها في بغداد التي كانت تدرس المذاهب الأربعة (431هـ)، وقد ألَّفَ للسلطان المستنصر بالله العباسي كتاب «فضائح الباطنية» ردًا على الإسماعيلية.
أسس الإمام الشافعي مذهبه في بغداد كتابه «الحجة»، وعند إقامته بمصر- البلدة الأكثر تفتحًا وتطورًا اجتماعيًّا، أسس مذهبه الجديد، وعبر عنه في كتاب «الأم».
فالمذاهب الفقهية آراء واجتهادات تتغير بتغير الزمان والمكان؛ فهي تشريع و«قوننة» لحياة الناس، وأحوالهم؛ سريعة التبدل والتغير؛ وهي ميدان واسع وفسيح للاتفاق والاختلاف والتغيير.
يقول أئمة الفقه الزيدي في قواعدهم: "لا نكيرَ في مختلفٍ فيه". وقد أدرك حكيم العرب أبو العلاء المعري وظيفة الفقهاء وكتبهم:
لولا التنافسُ فـي الدنيا لَمَا وُضِعَتْ كتبُ القناطرِ لا «المُغْنِي»، ولا «العُمَدُ»
قـــد بالغوا في كلامٍ بانَ زُخْرفُــــهُ يُوهـــي العيــونَ، ولــــم يثبتْ لـَهُ عَمـــَدُ
ومـــا يزالون في شــامٍ وفي يمــنٍ يستنبطـــــــونَ قِيَاسًا مـــا لَــــهُ أَمـــــــَدُ
فَذرْهُمُ ودَنَاياهُـــم فَقَدْ شُغِلــــوا بِهَا ويكفيــــكَ منهـــــــا القــَادرُ الصَّمــــــــَدُ
طغاتنا الصغار، ومشرعونا يمتحون من الآبار الآسنة؛ ليحكموا قبضتهم على رقاب شعوبهم؛ وليحكموا الحاضر والمستقبل بالماضي.
المراجع:
1- كتاب دوري، أوراق بيضاء، صادر عن «مؤسسة فريد ريش ايبرت»، و«منتدى النخبة السياسية».
2- الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان والتشريعات اليمنية: دراسة مقارنة.
3- حقوق المرأة في الولاية، وحقّها في الدية، 27 مايو 2007.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.