"الترند" في اليمن..

التأثير المتصاعد والتلاشي السريع

السبت, 14 سبتمبر / أيلول 2024

وئام الأكحلي

وئام الأكحلي

هل وجدت نفسك مهتماً فجأة بمناظرة ما؟ ربما لم تكن لتشغلك لو لم يكن الجميع قد كتبوا عنها في مواقع التواصل الإجتماعي، وربما أيضاً لم تكن لتعلم أصلاً عن وجودها لولا هذه المواقع!

وماذا عن " كلمات" أو"عبارات" كتبها أو تحدث فيها " سين من الناس"؟! والسين هنا ربما كان مشهوراً في مواقع التواصل، أو من أجلها سيصبح كذلك فيما بعد؟!

هل تجد نفسك مضطراً للدلو بما تجود به نفسك؟ سواءً كمعارض، أو مؤيد، أو مؤيد للمعارض، ومعارض للمؤيد بموضوع قد لايكون هاماً وربما هو كذلك أحياناً؟!

هذا ماتفعله "مواضيع الساعة" وأحيانًا "الدقيقة"، وهذه -بالمناسبة- التسمية القديمة لما بات يعرف حالياً بـ "الترند"؛ ففي كل مرة ينفتح عبر مواقع التواصل الاجتماعي نقاش محموم ينشأ منه ما يسمى "الترند"، ويأخذ وقته حتى ينتهي بموضوع آخر؛ يسرق ويكرر نفس النقاش والاهتمام وهكذا… الترند أشبه بفقاعة تتكون بسرعة، لكنها بنفس السرعة تتلاشى.

وعلى عكس الدول الأخرى التي يكون الترند فيها أكثر شيوعاً في منصة إكس (تويتر سابقًا)، ينشط الترند اليمني في منصة فيسبوك، والسبب لأن هذه المنصة هي الأكثر شعبية في اليمن.

أغلبية اليمنيين يعتمدون على مواقع التواصل كمصدر رئيس في أغلب الأحيان للأخبار والمعلومات، فيما يتصدر الفيسبوك المرتبة الأولى بالنسبة لاهتمامات اليمنيين واستخدامهم، يليه واتساب ثم موقع إكس.

لكن بالرغم من ذلك، فقد نجحت مواقع التواصل الإجتماعي في توضيح كيف يفكر المواطن اليمني بعيداً عن أي ضغوطات، أكانت سياسية أم اجتماعية أم فكرية، بل وشكلت أدوات ضغط فاعلة لإيصال قضايا وأفكار كان يمكن أن تضيع ويتم نسيانها لأسباب عديدة، منها السياسية أو الاجتماعية أو حتى الاقتصادية.

وشكلت متنفسا مهمًا يستطيعُ أيٌ من مستخدميها أن يضع آرائه وأفكاره وأحياناً مشاعره في مساحة يختارها هو ويحدد شكلها، سواءً بالعبارات أو الصور أو الفيديوهات، والكثير من طرق التعبير التي أصبحت متاحة بها.

كما بنت مواقع التواصل الإجتماعي جسراً كان غير متواجد قبل ظهورها بين المواطنين اليمنيين وصناع القرار (وصناع القرار هنا ليسوا السياسين فقط) بل المعنيين بمختلف مواقعهم، وهذا ماحدث جلياً قبل وقت قصير من الزمن، حين استطاع بعض من جمهور مواقع التواصل التآثير بقرار (ابراهيم البكري)، الذي عفا عن قاتل ابنته (حسين هرهرة) المحكوم عليه بالإعدام لقتله طفلته "حنين" عقب شجار اندلع بينهما بسبب حادث مروري في مديرية المنصورة بمحافظة عدن.

كان إبراهيم البكري متمسكاً وحتى اللحظات الأخيرة بقرار القصاص، لكن كان لبعض مرتادي مواقع التواصل رأي آخر، مادفعهم للضغط الكبير على والد الطفلة "حنين"، بل وأيضاً نجحوا في تغيير رأيه -وإن كان في اللحظات الأخيرة- وجعله يعفو عن قاتل طفلته! وهنا بالذات ندرك مدى قوة مواقع تأثير مواقع التواصل الاجتماعي في اليمن.

"في الوقت الذي راحت فيه كل عقائدنا القديمة تتهاوَي، وأخذت الأعمدة القديمة تتساقط واحدًا بعد الآخر، نجد أن (نضال الجماهير) هو القوة الوحيدة التي لا يستطيع أن يهدّدها أي شيء. إن العصر الذي ندخل فيه الآن هو بالفعل (عصر الجماهير)؛ فلم تعد مقادير الأمم تُحسم في مجالس الحكّام، وإنما في روح الجماهير".

هذا الكلام كان جزءًا مما دونه المفكّر الفرنسي الشهير، غوستاف لوبون، في كتابه الشهير "سيكولوجية الجماهير"، وهو أيضا قبل سنوات طويلة من دخول مواقع التواصل الإجتماعي على الخط، والذي قام بتفعيل هذه القوة الكبيرة والمخيفة لما بات يعرف بـ"جمهور مواقع التواصل".

فكيف إذًا سيكون الحال الآن -وربما فيما بعد- عندما تتغلغل هذه المواقع أكثر وأكثر في المجتمع اليمني؟! حسناً، سأترك لك المجال الآن لتتخيل.

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.