المقدمة:
يُعد مفهوم "النوع الاجتماعي" أحد أكثر الموضوعات حساسيةً وإثارة للجدل في المجتمعات العربية في ظل تداخل التقاليد الاجتماعية مع التحولات المعاصرة.
ففي اليمن الذي يتمتع ببيئة ثقافية واجتماعية محافظة، حيث تَحكم الأعراف الثقافية والدينية قبضتها على تفاصيل الحياة اليومية، يظل مفهوم النوع الاجتماعي محاطًا بكثير من الغموض والخلط بينه وبين المفاهيم المختلفة. فغالباً ما يفهم النوع الاجتماعي على أنه مسألة بيولوجية تتعلق بالفروق بين الرجل والمرأة مما يؤدي إلى اختزال الدور الاجتماعي لكل منهما في أطر ضيقة تسهم في تعزيز الصور النمطية، وتُعمق التفاوت بين الجنسين.
وفي الواقع، يعد مفهوم النوع الاجتماعي قضية مهمة تعيد صياغة أدوار الأفراد في المجتمع؛ نظراً إلى أنه يعكس أدواراً اجتماعية وثقافية يتم تحديدها بناء على المعايير والتوقعات المجتمعية.
هذه المفاهيم المغلوطة لا تقتصر آثارها على التفسير الخاطئ للنوع الاجتماعي، بل تتعداها لتؤثر في السياسات العامة والممارسات الاجتماعية التي تحد من تمكين المرأة، وتُعرقل مساعي تكافؤ الفرص بين الجنسين. وفي مجتمع مثل اليمن، الذي تسود فيه الأفكار والعادات المتطرفة في التربية والتعليم والعمل، تصبح الحاجة إلى إعادة النظر في فهم النوع الاجتماعي ضرورة ملحة. إذ لا يتعلق الأمر فقط بالمساواة الحقوقية بين الجنسين، بل يتعلق أيضًا بفرص التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تُحدِثها إعادة التفكير في الأدوار الاجتماعية.
إن تناول مفاهيم النوع الاجتماعي في سياق المجتمع اليمني يفتح الباب لأسئلة جوهرية، مثل:
كيف يمكن للمجتمع أن يعيد بناء تصوراته عن الرجل والمرأة؟
كيف يمكن تفعيل السياسات التي تحقق تكافؤ الفرص بعيدًا عن الفهم القاصر الذي يقيد الحريات الفردية ويُبقي على التمييز الاجتماعي؟
ما الذي تعنيه المساواة بين الجنسين في سياق ثقافة مُحافظة؟
كيف يمكننا تجاوز المفاهيم المغلوطة لتعزيز الوعي حول أحقية وضرورة تكافؤ الفرص في المجتمع؟
هذه الأسئلة تُشكل محور نقاش يستحق التعمق فيه في الوقت الراهن، لا سيما في بيئة مثل اليمن حيث ما زالت التحديات المرتبطة بالنوع الاجتماعي تُواجه بعقبات سياسية وثقافية واجتماعية معقدة.
وبناءً على ذلك، يثير هذا المقال نقاشاً هاماً حول أهمية إعادة النظر في كيفية فهم مفهوم النوع الاجتماعي وجوهره، ليس فقط بوصفه مسألة مرتبطة بالحقوق الفردية، بل بوصفه قضية تتعلق ببناء مجتمع أكثر توازنًا وعدلاً وفاعلية.
كما يركز المقال بشكل رئيس على المفاهيم المغلوطة حول النوع الاجتماعي التي قد تسهم إلى حد كبير في تعزيز النظرة النقدية الرافضة لمفهوم النوع الاجتماعي وتعمل أيضاً على تعزيز التمييز بين الجنسين.
النوع الاجتماعي والخلط بينه وبين الجنس البيولوجي
يعبر النوع الاجتماعي عن مجموعة الأدوار الاجتماعية والسلوكية، والتوقعات الثقافية والممارسات التي يحددها المجتمع للأفراد بناء على هويتهم البيولوجية كرجل أو امرأة. في حين يعبر الجنس البيولوجي عن الخصائص البيولوجية والفيزيائية التي تميز بين الذكر والأنثى.
ويختلف النوع الاجتماعي عن الجنس البيولوجي في كونه ليس محكومًا بالعوامل البيولوجية فقط، بل هو بناء اجتماعي يتشكل من خلال التفاعلات الثقافية، والاقتصادية، والسياسية، التي تحدد كيف يجب أن يتصرف الأفراد في المجتمع استنادًا إلى نوعهم البيولوجي.
إن النوع الاجتماعي يتجاوز مجرد الهوية الشخصية ليشمل أنماط الحياة، والقيم، والأدوار التي تُفرض أو تتوقع من الأفراد، ويعتمد على القيم الثقافية والمجتمعية، مما يجعله مفهومًا ديناميكيًا يختلف من مجتمع إلى آخر، بل ومن مدة زمنية إلى أخرى.
ومن أولى وأبرز المفاهيم المغلوطة التي تنتشر ضمن السياق اليمني هو الخلط بين "النوع الاجتماعي" و"الجنس البيولوجي". ففي مجتمع تقليدي مثل اليمن، ينظر للنوع الاجتماعي بوصفه أمراً بيولوجياً محضاً يعتمد على الاختلافات الجسدية بين الذكور والإناث.
إن هذا الفهم الضيق يؤدي إلى إعادة إنتاج الصور النمطية التي تحدد أدوار الجنسين وفقًا لهويتهم البيولوجية، وتُكرس هذه الفكرة في الأدوار التقليدية الاجتماعية الثابتة التي يُتوقع من الرجل أن يؤديها كونه الرجل، مثل كونه رب الأسرة وعليه تقع مسئولية توفير القوت للأسرة والقيام بالأنشطة العامة في المجتمع، في حين يحصر دور المرأة في الأعمال المنزلية وتربية الأطفال.
هذه النظرة المحدودة للنوع الاجتماعي يعزز من القيود المفروضة على المرأة ويزيد من إقصائها من المشاركة الفاعلة في المجالات الحيوية مثل الاقتصاد والتنمية والسياسة وصناعة القرار وغيرها من المجالات العامة.
وفضلا عن ذلك، فإن هذا الفهم غير الصحيح يعمل على إعاقة تحقيق العدالة الاجتماعية، ويزيد من حدة الفجوة بين الجنسين. وإصلاحه يتطلب تفهمًا وإدراكاً أوسع للأدوار الاجتماعية بوصفها قابلة للتغيير حسب السياقات الثقافية والاجتماعية، ويتطلب أيضاً تعزيز الوعي بأن الحقوق والواجبات لا ينبغي أن تكون مقتصرة على جنس الفرد، بل يجب أن تستند إلى الإمكانيات الإنسانية والمساواة بين الجنسين. وأن النساء والرجال يمتلكون القدرة على الأسهام في المجتمع خارج الأطر التقليدية.
الاعتقاد بأن "النوع الاجتماعي" هو قضية المرأة فقط
ثمة اعتقاد مغلوط آخر لدى غالبية المجتمع اليمني وهو الاعتقاد بأن النوع الاجتماعي يهتم فقط بقضايا المرأة. إذ يُعتقد أن النوع الاجتماعي يعني بالضرورة التركيز فقط على تحسين أوضاع المرأة، وتوفير الفرص المتساوية لها. لكن في الواقع، يشمل النوع الاجتماعي تحليل أدوار كل من الرجل والمرأة في المجتمع، وكيفية تأثير المفاهيم الثقافية والاجتماعية على هذه الأدوار.
فعلى سبيل المثال يُتوقع من الرجل في المجتمع اليمني أن يكون قويًا، وصلباً، وقادرًا على تحمّل مسئوليات الأسرة الخارجية، في حين يُحرم من التعبير عن مشاعره أو ضعفه. هذه التوقعات الاجتماعية تخلق ضغوطًا نفسية وعاطفية تؤثر سلبًا على صحة الرجل النفسية والعاطفية، مما قد يؤدي إلى مشكلات مثل الاكتئاب أو القلق.
وفي المقابل، يتم النظر إلى المرأة على أنها المسؤولة الحصرية عن الأعمال الداخلية الأسرية دون إعطائها الفرصة لتطوير مهاراتها خارج المنزل، وهو ما قد يؤدي أيضاً إلى مشكلات اجتماعية ونفسية في أحيان كثيرة.
هذا الاعتقاد المغلوط لا يعزز المساواة بين الجنسين فقط، بل يضعف صحة الرجال النفسية ويقلل من فرص النساء في تحقيق إمكاناتهن وتطوير أدوارهن. فضلاً عن ذلك، فإن هذا الاعتقاد يُضعف من أهمية تحليل العلاقات بين الجنسين بشكل عام. إذ إن الاهتمام بمسائل النوع الاجتماعي لا يعني فقط تحسين وضع المرأة ومنحها الفرص المتساوية في المجالات المختلفة. لكنه في الواقع، يشمل تحليل دور كل من الرجل والمرأة في المجتمع على حد سواء.
إن إعادة التفكير بالنوع الاجتماعي بوصفه قضية تخص الجنسين معًا، يضمن تمكين الرجال والنساء من تحطيم القيود المفروضة عليهم بناءً على معايير اجتماعية قديمة، ومن ثَمّ يتاح لكل فرد الفرصة للتحرر من الأدوار الاجتماعية الصارمة والتمتع بحقوق وواجبات متساوية.
الاعتقاد بأن النوع الاجتماعي يشجع الانحلال الأخلاقي للمرأة وعصيانها للمجتمع
يعد الاعتقاد القائل بأن "النوع الاجتماعي" يدعو إلى الانحلال الأخلاقي ويشجع المرأة على التمرد وعصيان المجتمع التقليدي واحداً من أكثر المفاهيم المغلوطة انتشارًا في المجتمع اليمني.
ويتجسد هذا الاعتقاد في تفكير ضيق حول أن الدعوات لتكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين والتحرر من الأدوار التقليدية التي فرضتها الثقافة الاجتماعية على المرأة ستعمل على تشجيعها على رفض القيم والأعراف الثقافية والمجتمعية السائدة. ويُنظر إلى هذه الدعوات في كثير من الأحيان على أنها بمثابة تهديد للقيم الأخلاقية وللثقافة المجتمعية الراسخة، وقد يراها بعضهم أحيانًا دعوة لتجاوز الحدود الأخلاقية التي كانت تميز الأدوار التقليدية لكل من الرجل والمرأة. ويُروج لهذا الرأي على أنه تهديد للنظام الاجتماعي، وتهديدًا للتماسك الأسري القائم. وبذلك يُصور ضرورة التوازن بين الجنسين بأنه مؤامرة لتفكيك الهوية الاجتماعية التقليدية.
إن هذا الاعتقاد ليس إلا نتاجًا لفهم مشوه وغير دقيق لطبيعة مفهوم النوع الاجتماعي، الذي لا يعني تحطيم القيم الأخلاقية أو الاجتماعية، بل هو دعوة لإعادة تعريف الأدوار الاجتماعية بناءً على مبادئ العدالة وتكافؤ الفرص بين الجنسين.
فالواقع يتجاوز هذه المخاوف المبالغ فيها، ويظهر أن دعوات تكافؤ الفرص والمساواة لا تتناقض مع القيم الاجتماعية، بل تسعى إلى تحقيق توازن جديد يمكن أن يعزز الاستقرار الاجتماعي من خلال تمكين المرأة، ومنحها الحق في اختيار أدوارها في الحياة العامة والخاصة بعيدًا عن قيود الأعراف والتقاليد الصارمة.
ومن جهة أخرى فمفهوم النوع الاجتماعي لا يدعو إلى التنصل من الالتزامات الأسرية أو التمرد على المجتمع وأعرافه، بل هو دعوة إلى تكريس مبدأ العدالة في توزيع الأدوار والفرص دون النظر إلى النوع البيولوجي. ويمكن للمرأة أن تسهم في المجتمع في المجالات المختلفة مثل العمل، السياسة، والتعليم، مع الحفاظ على الاحترام الكامل للتقاليد الأسرية، وبذلك يمكن للمرأة أن تكون نشطة في المجتمع دون أن تضطر إلى التخلي عن هويتها الاجتماعية.
وفضلا عن ذلك، فإن الاعتقاد بأن النوع يعبر عن الدعوة للانحلال الأخلاقي يعكس بشكل غير مباشر القلق من التغيير، ويقلل من دور المرأة في مشاركتها الفاعلة داخل الأسرة، ويتناسى دور المرأة التاريخي في المشاركة الفاعلة في الحياة العامة في عدد من الحضارات، عندما كانت المرأة تسهم في الحياة السياسية والاقتصادية مع الحفاظ على احترام القيم المجتمعية.
وعندما نُعيد النظر في فهم النوع الاجتماعي بعيدًا عن هذه الاعتقادات السلبية، نجد أنه يمثل فرصة لإحداث تغيير إيجابي داخل المجتمع يرتبط بنقل الأدوار التقليدية إلى أدوار أكثر مساواة ومتوازنة، ويعزز القيم الأخلاقية التي تقوم على العدالة والاحترام المتبادل، ويُسهم في إعادة النظر في مفهوم القوة داخل العلاقات الاجتماعية، ويتيح للمرأة المشاركة في المجال العام دون أن يُنظر إليها بوصفها تهديداً للنظام التقليدي.
فضلا عن أنه يُسهم في بناء مجتمع أكثر توازنًا واستدامة يعكس روح تكافؤ الفرص بين الجنسين، بحيث يسمح لكل فرد في المجتمع، بغض النظر عن جنسه، بالاستفادة من الفرص المتاحة والمشاركة الفعالة في الحياة العامة، مع الحفاظ على قيم الاحترام المتبادل والتعاون في إطار الأسرة.
مفهوم أن "النوع الاجتماعي" يشمل فقط المرأة النشطة في الحياة العامة
أحد المفاهيم المغلوطة الأخرى هو تركيز نقاش النوع الاجتماعي على المرأة الناشطة في الحياة العامة مثل السياسة والاقتصاد والمجالات العامة الأخرى والتغاضي عن المرأة وأدوارها في المنزل. فيُنظر إلى المشاركة في هذه المجالات أحيانًا على أنها المقياس الوحيد للمساواة بين الجنسين، مما يؤدي إلى تجاهل جوانب أخرى من الحياة وإغفالها، وهي تحمل أهمية مساوية ويجب أن تحظى بالتركيز نفسه.
وفي الواقع، لا ينبغي أن تقتصر المساواة بين الجنسين على حضور المرأة في المجال العام، بل يجب أن تمتد لتشمل الأبعاد الأكثر خصوصية وداخلية مثل الأسرة، التي تعد حجر الزاوية في بناء المجتمع.
ففي المجتمع اليمني، تُعد الأسرة الإطار الاجتماعي الأكثر تأثيرًا. لذا فإن تعزيز أدوار المرأة في اتخاذ القرارات الأسرية ضمن بيئة آمنة يمثل خطوة مهمة نحو دعم أدوارها المتوازنة داخل الأسرة سواء على مستوى التربية أم المسؤوليات المنزلية أم الإدارة الاقتصادية للأسرة.
إن تحقيق توازن الأدوار بين الجنسين يتطلب رؤية شاملة لا تقتصر على تحفيز المرأة للانخراط في المجالات العامة فحسب، بل تشمل أيضًا إيجاد توازن حقيقي بين الحياة الخاصة والعامة، بحيث تُحترم مشاركة المرأة في جوانب حياتها كافة. وهذا يشمل ليس فقط تعزيز مشاركتها في المجالات الاقتصادية والسياسية، بل وأيضًا ضمان مشاركتها الفاعلة داخل الأسرة كونها مقدمة لتحقيق استقرار اجتماعي يعكس العدالة والتكافؤ بين الجنسين في كل مجالات الحياة.
الاعتقاد المغلوط بأن تطبيق نهج النوع الاجتماعي يعد تقليدًا للأيديولوجيات الغربية
من الاعتقادات المغلوطة الشائعة في اليمن أن تطبيق نهج النوع الاجتماعي هو مجرد تقليدًا للأيديولوجيات الغربية. وهذا الاعتقاد في كثير من الأحيان يؤدي إلى رفض الدعوات لتحقيق تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين بوصفها "ممارسات مستوردة غربية" تُفرض على المجتمعات العربية. وهذا الفهم يعكس خلطًا بين المفاهيم الثقافية وبين المبادئ والقيم الإنسانية.
إن تكافؤ الفرص والمساواة بين الجنسين ليست محاكاة لنمط الحياة الغربية، بل هي حق إنساني أساس ومطلب ينبع من الحاجة لتحقيق العدالة الاجتماعية ويضمن الفرص المتساوية للجميع بغض النظر عن جنسهم.
ومن الضرورة إدراك أن المساواة بين الجنسين يمكن أن تُطبق في إطار قيم المجتمعات المحلية والخصوصية الثقافية للمجتمعات دون المساس بالهوية، بل على العكس مع تعزيز قيم الاحترام المتبادل والمساواة في الحقوق.
الآثار السلبية للمفاهيم المغلوطة حول النوع الاجتماعي ضمن السياق اليمني
إن استمرار المفاهيم المغلوطة حول النوع الاجتماعي في المجتمع اليمني يسهم بشكل كبير في تعزيز الأنماط التقليدية التي تُهمش النساء، وتحد من مشاركتهن الفاعلة في مجالات الحياة المختلفة.
فمن الجانب الاجتماعي يترتب على ذلك وجود بيئة اجتماعية غير متوازنة، إذ يتم تحديد الأدوار الاجتماعية بناءً على الجنس البيولوجي بدلا عن القدرات الفردية. وهو ما يؤدي إلى جعل المرأة عرضة للإقصاء من الفرص الاقتصادية والسياسية والتعليمية، مما يخلق بيئة اجتماعية غير عادلة، وإلى تعزيز التفاوت بين الجنسين، وتكرس التمييز في توزيع الموارد والفرص.
ومن الجانب النفسي تتعرض المرأة لضغوط نفسية هائلة، إذ تفرض الأدوار التقليدية قيودًا صارمة على طموحاتها، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى الشعور بالعجز عن تحقيق تطلعاتها الشخصية والمهنية. كما تسهم هذه القيود في تدني مستوى تقدير الذات، والشعور بالضغط المستمر بسبب الإحساس بأنها تحولت إلى صورة نمطية مقيدة.
ومن جهة أخرى، لا تقتصر الضغوط الناجمة عن المفاهيم المغلوطة على النساء فحسب، بل يمتد أثرها إلى الرجال أيضاً. فالتوقعات المجتمعية تفرض على الرجل عادة أن يكون قويا وقادراً على السيطرة طوال الوقت، وهو ما يضعه تحت ضغط اجتماعي مستمر لتلبية معايير الرجولة التقليدية تجعله يواجه ما يُعرف بـ "توترات الرجولة". إذ يُجبر الرجل على محاكاة صورة نمطية قد لا تتوافق مع شخصيته أو تطلعاته الحقيقية، مما يسهم في تفاقم مشاعر الاغتراب الداخلي والضغط النفسي.
أما من الجانب الاقتصادي، تسهم المفاهيم المغلوطة حول النوع الاجتماعي في فرض العوائق، وتقليص فرص التنمية في اليمن. فالتمييز ضد النساء في المجالات العامة يؤدي إلى خفض مشاركتهن الفاعلة في السوق الاقتصادية، وبالتالي يحد من استفادة المجتمع من كامل إمكانياته البشرية.
إن الاستثمار في تمكين المرأة من خلال تحسين فرصها في التعليم وإدماجها في سوق العمل يعزز بشكل مباشر في رفع مستويات الإنتاجية وتحسين جودة الحياة على الصعيدين الفردي والمجتمعي، وبالتالي تعزيز النمو الاقتصادي الوطني بشكل عام.
وأخيـراً... إن إعادة التفكير في مفاهيم النوع الاجتماعي في المجتمع اليمني هو أمر بالغ الأهمية لتجاوز عدد من القيود الاجتماعية والثقافية التي تحول دون تحقيق العدالة، ومبدأ تكافؤ الفرص. فمعالجة مفاهيم النوع الاجتماعي ضمن السياق اليمني ليست مجرد مسألة تتعلق بالحقوق الفردية، بل هي قضية جوهرية تمس توازن المجتمع ككل وتطويره. إذ لا يمكن التغاضي عن الآثار السلبية التي تترتب على استمرار المفاهيم المغلوطة حول النوع الاجتماعي، التي تؤدي إلى تعزيز التفاوت بين الجنسين، وتقييد طموحات الأفراد سواء من النساء أم من الرجال، وتقليص الفرص الاقتصادية والاجتماعية التي يمكن أن تسهم في دفع المجتمع نحو التقدم والازدهار.
إن الفهم المغلوط الذي يربط بين النوع الاجتماعي والجنس البيولوجي، فضلا عن المفاهيم المغلوطة التي تحصر قضايا النوع الاجتماعي في نطاق المرأة فقط وليس في الرجل أيضا، أو تصورها كمؤامرة لتهديد القيم الاجتماعية، يعد من أبرز التحديات التي تعيق التقدم الاجتماعي والاقتصادي في اليمن. لذا فإن تفعيل سياسات تُمكن المرأة وتفتح أمامها فرص التعليم والعمل والمشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية، مع تمكين الرجل من التفاعل مع مشاعره بحرية بعيدًا عن الضغوط النمطية، سيؤدي حتمًا إلى مجتمع أكثر عدلاً وتوازناً.
وفي نهاية المطاف، يعد فهم النوع الاجتماعي بوصفه قضية جماعية تهم الجميع مفتاحًا لخلق بيئة اجتماعية صحية. ويضمن لكل فرد، بغض النظر عن جنسه، الحق في التعبير عن نفسه والمشاركة الفاعلة في مجالات الحياة كافة. وفي ظل التحديات الراهنة في اليمن، يصبح من الضروري أن يكون هناك وعي جماعي لتحقيق هذه المبادئ، بما يضمن مستقبلًا أفضل وأكثر فاعلية للجميع.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.