بعد أشهر من نجاح الجهود الدولية، بإنقاذ البحر الأحمر من الكارثة البيئية التي كانت وشيكة بسبب الناقلة صافر، والتي كانت جانحة على امتداد سنوات الحرب العشر، قبالة ساحل اليمن الغربي المشاطيء لمدينة الحديدة، شنت مقاتلات إسرائيلية، ست هجمات مزدوجة، على ميناء الحُديدة، عند الساعة 5:50 مساءً، من يوم السبت، الموافق 20 يوليو/تموز 2024، وتسببت بتلوث بيئي واسع النطاق، بعد أن دمرت نحو 43 من خزانات وصهاريج المشتقات النفطية، كانت تحتوي على 40 ألف طن من مادة البترول، وعلى 40 ألف طن ديزل، و10 ألف طن مازوت، وأدت إلى إختراق كميات كبيرة منها، وتسرب كميات كبيرة أخرى منها، وغيرها من المواد الكيميائية، إلى البحر الأحمر، كما استهدفت محطة الكهرباء المركزية في منطقة الكثيب بمديرية الصليف، ودمرت ثلاثة من خزانات الوقود التابعة لها، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل كامل عن مدينة الحديدة، شمال غرب اليمن، وأدت إلى اندلاع حرائق ضخمة، بالإضافة إلى الآثار البيئية الواسعة الناجمة عن تصاعد أعمدة الدخان الكثيف، المُنبعثة من الحرائق الهائلة التي بقيت مُشتعلة على امتداد أربعة أيام، وغيرها من الإنبعاثات الخطرة والضارة الأخرى.
وطبقاً لبيان مواطنة لحقوق الإنسان، فقد استهدفت الهجمات الإسرائيلية، منشآت بنية تحتية مدنيِّة ساهمتْ وكالاتُ ومؤسسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والدول المانحة في إعادة إعمارها وتعزيز قُدراتها وتشغيلها، والتي كانت تُمثل شريانَ الحياة بالنسبة لملايين السكان؛ حيث يستقبل اليمن عبر ميناء الحديدة ما يزيد عن 80% من المساعدات الإنسانية والسلع الأساسية والوقود، والتي يعتمد عليها ما يزيد عن 28 مليون يمني للبقاء على قيد الحياة، والتي كانت على امتداد زهاء عشر سنوات من الصراع تصل إلى ميناء الحديدة، بعد أن تمر بعمليات تفتيش ورقابة دقيقة وشاملة، عبر آلية الأمم المتحدة للرقابة والتفتيش.
وأكدت مواطنة، أن فريقها تحقق، من خلال زياراته للمستشفيات والمرافق الطبية، من مقتل تسعة من عمال الميناء وإصابة أكثر من ثمانين شخصًا، جراء ست هجمات جوية مزدوجة، شنتها المقاتلات الحربية الإسرائيلية، على المنشآت النفطية وخزانات الوقود في ميناء الحديدة، وأن فرقها الميدانية في مدينة الحديدة، عثرت على أجزاء من بقايا أسلحة أمريكية استُخدمت في الهجمات الإسرائيلية على ميناء الحديدة، كما تم العثور عليها في مواقع العديد من الهجمات غير القانونية السابقة في اليمن.
وقال مرصد الصراع والبيئة (CEOBS)، وهي منظمة خيرية بريطانية تراقب التأثير البيئي للصراع: "إن الحريق والانسكابات المرتبطة به ستولد انبعاثات خطرة في الهواء وتلوثًا كبيرًا للأرض مع احتمال تلوث البيئة البحرية".
وقال ويم زوينينبورج من منظمة بناء السلام الهولندية "باكس"، لوكالة فرانس برس: "إن عشرات الآلاف من اللترات من النفط على الأقل احترقت في أعقاب الهجوم، محذرا من أن "الأبخرة الضارة" تشكل مخاطر صحية خطيرة"، وأضاف زوينينبورغ: "في مواجهة تأثيرات الصراع وأزمة المناخ، يتحمل المدنيون والبيئة في اليمن العبء الأكبر من الأعمال العدائية المستمرة".
وأشار تحليل صور الأقمار الصناعية الأخيرة التي التقطها جهاز "سنتينيل 2" التابع لوكالة الفضاء الأوروبية، إلى أن الضربات الإسرائيلية تسببت في "انسكابات محلية في البيئة البحرية للميناء وفي المبنى" ودمرت معظم قدرة تخزين النفط في الميناء.
وقالت فرح الحطاب من منظمة غرينبيس الشرق الأوسط إن التلوث الساحلي الناجم عن الضربات على ميناء الحديدة "يؤثر بشكل محتمل على ملايين الأشخاص الذين يعتمدون في عيشهم على الصيد"، وأضافت لوكالة فرانس برس أن "الصيد كان ثاني أكبر صادرات اليمن ويستمر في توفير مصدر للدخل والأمن الغذائي".
وأدت الهجمات الإسرائيلية، على خزانات الوقود في ميناء الحديدة، إلى تفاقم التلوث البيئي الناجم عن سلسلة من الهجمات بطائرات بدون طيار والصواريخ التي نفذها الحوثيون على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن منذ نوفمبر/تشرين الثاني، والمرتبطة بحرب غزة، والتي أدت إلى تحويل مياه اليمن إلى بؤرة ساخنة للتلوث.
وفي الأسبوع الماضي، بدا أن ناقلة نفط تحمل علم ليبيريا تتسرب منها الوقود في البحر الأحمر بعد أن أصابتها غارة حوثية على بعد 97 ميلا بحريا شمال غرب الحديدة، وفقا لمنظمات غير حكومية ووكالات الأمن البحري.
وتم رصد بقعة نفط كبيرة، يبلغ طولها في البداية 220 كيلومترًا (135 ميلًا)، بالقرب من موقع الضربة، مما يهدد محمية فرسان البحرية قبالة سواحل اليمن والمملكة العربية السعودية، وفقًا لشركة CEOBS، وقدرت الجمعية الخيرية حجم التسرب بما لا يقل عن 500 برميل (79 ألف لتر)، وقالت شركة سي إي أو بي إس يوم الاثنين إن البقعة ظلت مرئية بعد ستة أيام من الهجوم، مضيفة أن "استمرارها يشير إلى مخاطر بيئية على الشعاب المرجانية والنظم البيئية البحرية".
وجاءت ضربة السفينة بعد أشهر من غرق سفينة أخرى هاجمها الحوثيون وعلى متنها 21 ألف طن من سماد كبريتات فوسفات الأمونيوم بعد أن تركت بالفعل بقعة من الوقود المتسرب بينما كانت لا تزال طافية.
وسبق أن أثار غرق سفينة الشحن "روبيمار" التي تحمل علم بليز ويديرها لبنان في شهر مارس/آذار الماضي، مخاوف من تسرب الوقود والمواد الملوثة الكيميائية إلى البحر الأحمر وإلحاق الضرر بالشعاب المرجانية والحياة البحرية.
وحذر تقرير أصدره مكتب الهجرة التابع للأمم المتحدة في مارس/آذار من أن اليمن يعاني بالفعل من تلوث خطير للهواء والمياه، وذلك بعد ما يقرب من عقد من الحرب بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المعترف بها دوليا والمدعومة من المملكة العربية السعودية.
وتعد المياه البحرية في اليمن موطنا لنظام بيئي بحري غني، بما في ذلك الشعاب المرجانية، في حين تعتمد العديد من المجتمعات الساحلية في أفقر دولة في شبه الجزيرة العربية على صيد الأسماك.
وفي العام الماضي، قالت الأمم المتحدة إنها استكملت بنجاح نقل النفط من ناقلة النفط العملاقة صافر قبالة ساحل اليمن على البحر الأحمر، مما منع التهديد الفوري بحدوث تسرب هائل.
وكانت السفينة صافر، التي يبلغ عمرها 48 عامًا وبدنها المتآكل، تُوصف لسنوات بأنها "قنبلة موقوتة". وكانت السفينة، المستخدمة لتخزين وتصدير النفط، قد توقفت عن الخدمة بسبب الحرب في اليمن، وكانت هناك مخاوف من أن تسربًا أو انفجارًا على متنها قد يؤدي إلى إطلاق حمولتها التي تزيد عن مليون برميل من النفط الخام في البحر الأحمر.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.