مؤخراً، أضافت أطراف الحرب، في اليمن، ملفاً جديداً، يضاف إلى قائمة طويلة من الملفات التي فاقمتها، على امتداد سنوات الصراع العشر، عنوانه: شركة الخطوط الجوية اليمنية(اليمنية)، الناقل الوطني، للجمهورية اليمنية، الكيان المُنبثق عن اندماج شركتي طيران الشطر الشمالي (الجمهورية العربية اليمنية)، والشطر الجنوبي (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية)، من اليمن، في 15مايو/آيار 1996، بطريقة هي أقرب للإستحواذ والتصفية، منها إلى الدمج، تمت على قدمٍ وساق، عقب حرب صيف 1994، التي اندلعت بين شريكي الوحدة، بعد أربع سنوات فقط، من إعلان الوحدة بين الشطرين، وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو/آيار 1990.
في هذه التناولة، يصطحبكم مركز خلاصات، في رحلة مع جُملة من الحقائق، للوقوف على حالة الناقل الوطني: شركة الخطوط الجوية (اليمنية)، والكثير من المسائل الأُخرى ذات الصِلة بها.
خطوط طيران اليمن
في الشطر الشمالي من اليمن، قامت حكومة المملكة المتوكلية اليمنية، في صنعاء، عام 1949، بشراء طائرتين من طراز «داكوتا دي سي 3»، وقد استخدمت الطائرتين في نقل قادة الحكم الإمامي، ونقل البريد، وأحياناً كانت تستخدم لنقل رجال الأعمال بين المدن الهامة في الشطر الشمالي من اليمن، وكانت تعتبر آنذاك ملكاً للإمام أحمد حميد الدين، وفي 4 أغسطس/آب 1961، آخر سنوات الحكم الإمامي، أنشأت (خطوط طيران اليمن)، والتي بدأت نشاطها عقب ثورة 26 سبتمبر/أيلول 1962 مع إعلان قيام الجمهورية العربية اليمنية، في الشطر الشمالي من اليمن، ومُنحت رخصة طيران جديدة في 4 أغسطس/آب، والتي لا تزال سارية حتى اليوم، وبذلك أصبحت الناقل الرسمي للبلاد، وقامت الشركة في العام 1965، بشراء أربع طائرات أخرى من نوع «داكوتا»، وبدأت بتسيير رحلات إلى تعز والحديدة وبعض المحطات الإقليمية مثل جيبوتي وأسمرة، ثم أضافت رحلات داخلية جديدة إلى كل من البيضاء، مأرب وكمران.
وفي عام 1967، دخلت (طيران اليمن)، في تعاون مع شركة الخطوط الجوية العربية المتحدة، والذي استمر حتى عام 1972، وخلال تلك الفترة، عُرفت بإسم الخطوط الجوية العربية اليمنية، وقد تمت إعادة هيكلة الشركة، بعد تغير إسمها إلى «الخطوط الجوية اليمنية»، في العام 1972.
وفي مارس/آذار 1975، كان أسطول الخطوط الجوية اليمنية، يتألف من أربع طائرات دوغلاس دي سي 6 (Douglas DC-6) وأربعة طائرات دوغلاس دي سي 3 (Douglas DC-3)، وكانت الشركة تُسير رحلات لوجهات محلية، وإلى محطات دولية تضم أسمرة والقاهرة وجيبوتي والظهران وجدة والكويت، ثم قامت الشركة، بموجب عقد إيجار من شركة الخطوط الجوية العالمية، بتشغيل زوج من طائرات بوينغ 737-200، لمدة عامين ونصف، حتى قامت بشراء طائرة بوينغ 737-200، منتصف العام 1976، وفي أبريل/نيسان 1978، تم توقيع اتفاقية مع شركة الخطوط الجوية البريطانية (ميدلاند (BMA))، لتوفير طائرتين من طراز بوينغ 707-320 سي إس، وشملت توريد أطقم الطائرات والدعم الهندسي.
في 1 يوليو/تموز 1978، أُعيد تشكيل شركة (الخطوط الجوية اليمنية)، حيث استحوذت الحكومة السعودية على 49٪ من حصة الشركة، فيما احتفظت حكومة الجمهورية العربية اليمنية على 51٪ من حصتها.
طيران(اليمدا)
في الشطر الجنوبي من اليمن، تم تأسيس شركة طيران اليمن الديمقراطي( اليمدا)، كناقل وطني لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، بعد تأميم شركة خدمات الأخوة الجوية (باسكو)، والتي كانت شركة خاصة مملوكة للأخوين باهارون، بعد أربع سنوات من الإستقلال وجلاء آخر جندي بريطاني من عدن، وجنوب اليمن، في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1967، وأخذت طيران (اليمدا) إسمها من الأحرف الأولى للدولة، والتي بدأت باستخدام طائرات Douglas DC-6 وde Havilland Canada Dash 7، وبوينج 707، وفي العام 1994، كانت أغلب طائرات أسطول (اليمدا)، من طراز ايرباص ايه 303، ومن مركزها الرئيسي في قاعدة خور مكسر الجوية السابقة، في مطار عدن الدولي، كانت (اليمدا)، تدير شبكة من خطوط الطيران في جميع أنحاء إفريقيا والشرق الأوسط، وكانت (اليمدا)، مملوكة بالكامل لحكومة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية السابقة، وكانت الشركة تمتلك مخزوناً كبيراً من قطاع غيار الطائرات ومحركات احتياطية، كما كانت تمتلك مولدات كهربائية ورافعات وعدد من الباصات والسيارات الخاصة.
قرار الدمج والتجريف
في 15مايو/آيار 1996، وعقب حرب صيف 1994، بين شريكي الوحدة، التي اندلعت بعد أربع سنوات، من إعلان الوحدة بين الشطرين، وقيام الجمهورية اليمنية في 22 مايو/آيار 1990، قرر نظام الرئيس السابق لليمن (علي عبدالله صالح)، المنتصر في تلك الحرب الأهلية، دمج شركتي الطيران، لتتعرض أصول (اليمدا)، بعد الدمج، لعملية أقرب للإستباحة والتجريف والتصفية والتبديد.
وعقب الدمج، قال رئيس مجلس إدارة الخطوط الجوية اليمنية، وقتذاك، حسن صبحي: إن الخطوط الجوية السعودية قد احتفظت بـ 49٪ من حصة الشركة الجديدة، فيما تحتفظ حكومة الجمهورية اليمنية بـ 51٪ من حصتها، وأكد: أن الشركة الجديدة، ستقوم بتشغيل 12 طائرة، بما في ذلك طائرتان من طراز إيرباص A310-300، كان من المقرر تسلمهما عام 1997.
ورغم أن ملكية نحو نصف رأس مال شركة الخطوط الجوية اليمنية، تعود لحكومة المملكة العربية السعودية، الدولة الثرية، إلا أن نمو وازدهار وتوسع الشركة، ظل رهن التجميد والتعطيل، بالتظافر مع سوء الإدارة والفساد والمحسوبية، بالرُغم من كل ما كانت تمتلكه الشركة من كوادر وفُرص واعدة، ومن محطات ومطارات، في موقع استراتيجي، والذي حُرمت (اليمنية) و (اليمن)، من منافعه العديدة، لصالح شركات طيران أُخرى في المنطقة.
طيران السعيدة
وفي يناير/كانون الثاني 2008، أنشأت الخطوط الجوية اليمنية، بالاشتراك مع المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص، التابعة للبنك الإسلامي للتنمية، شركة طيران السعيدة، برأسمال بلغ 80 مليون دولار، تملك المؤسسة الإسلامية نسبة 75% منه، وتملك الخطوط اليمنية، الحصة الباقية من أسهم الشركة.
شركة الخدمات الأرضية
في 15يناير/كانون الثاني 2009، أقر مجلس إدارة شركة الخطوط الجوية اليمنية, إنشاء شركة (الخدمات الأرضية)، بهدف إحداث نقلة نوعية لخدمات الطيران، في كافة مطارات الجمهورية، في إطار محاولات تفادي آثار الأزمة المالية العالمية، بالتزامن مع مُباحثات بين الجانبين اليمني والسعودي, حول إمكانية إنشاء شركة صيانة تابعة للخطوط الجوية اليمنية، إلى جانب مناقشة خطط العمل لتطوير آداء الشركة، في ضوء المستجدات العالمية المتعلقة بالأزمة المالية وأثرها على شركات الطيران حول العالم، ومنها (اليمنية)، وكيفية تجاوزها.
حادث سقوط طائرة
ووقع أسوأ حادث للشركة، عندما تحطمت طائرة الخطوط الجوية اليمنية، من طراز إيرباص إيه 310، الرحلة 626، في 30 يونيو/حُزيران2009، والتي كانت متوجهة من صنعاء إلى موروني، وجزر القمر، وكان على متنها 153 شخصاً، توفوا جميعاً، فيما نجت فتاة صغيرة فقط.
اليمنية وأسطول طائراتها ما قبل الحرب
وقبيل اندلاع الحرب الراهنة، كانت شركة الخطوط الجوية اليمنية، تمتلك ست طائرات، خمس منها إيرباص إيه 320، من طراز 7O-AFA ،7O-AFB، 7O-AFC، 7O-AFD، و 7O-AFF، وطائرة واحدة إيرباص إيه 330، من طراز 7O-AFE، وكانت تُسير عشرات الرحلات المحلية، للعديد من المطارات الداخلية بين المُدن اليمنية، وعشرات الرحلات الخارجية، الإقليمية والدولية، للعديد من المطارات الدولية حول العالم.
في ظل النزاع الراهن
إبان سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بالقوة المُسلحة، على العاصمة اليمنية صنعاء، في 21 سبتنبر/أيلول 2014، وإعلان عمليات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في 26 مارس/آذار 2015، وعلى امتداد زهاء عقد كامل من النزاع، لم تكن شركة الخطوط الجوية اليمنية، بمنأىً عن نيران المتحاربين وصراعاتهم ومقامراتهم، حيث أدى النزاع إلى تدمير البنية التحتية، للمطارات اليمنية، وعلى رأسها مطاري صنعاء وعدن، وعلى المنشآت التابعة لليمنية، مما أثر بشكل بالغ، على عمليات الطيران المحلية والإقليمية والدولية، وشهدت الشركة انخفاضاً حاداً في عدد الرحلات والوجهات، مما أثر على المسافرين وقطاع النقل الجوي الداخلي والخارجي، وعلى شركات ومكاتب السفريات، وعلى السياحة في اليمن، وتدهور الوضع المالي للشركة، حيثُ تكبدت خسائر كبيرة، تضاعفت مع انخفاض الطلب وارتفاع تكاليف التشغيل والتأمين، بالرغم من كل محاولات التكيف والبحث عن طرق لتحسين خدماتها واستعادة ثقة المسافرين بها.
فرض حظر على مطارات اليمن
في 9 أغسطس/ آب 2016، قام التحالف بقيادة السعودية، بإغلاق مطار صنعاء الدولي؛ أمام الرحلات التجارية، ما أدى إلى حرمان المدنيات والمدنيين، من حقهم في التنقل، وخاصة المرضى اللذين كانوا في حاجة ماسة لتلقي الرعاية الطبية خارج اليمن، ومن يرغبون في مواصلة دراستهم في الخارج، إلى جانب عرقلة دخول السلع التجارية والمساعدات الإنسانية، وقرر التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في 6 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، “الإغلاق المؤقت لكافة المنافذ اليمنية الجوية والبحرية والبرية"، والذي شمل بالإضافة إلى مطار صنعاء الدولي، مطاري عدن وسيئون، حيث كانا مفتوحين أمام الرحلات التجارية، وذلك عقب الهجوم الصاروخي الذي شنته جماعة أنصار الله (الحوثيون)، مساء السبت 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، واعترضته السعودية بالقرب من مطار الملك خالد الدولي في الرياض.
وأدى إغلاق مطار صنعاء الدولي، إلى وفاة عددٍ كبيرٍ من اليمنيات واليمنيين المصابين بأمراض خطيرة، وفي مقدمتهم مرضى السرطان والكبد والكلى والثلاسيميا، كما عرض آلاف المسافرين، المُضطرين للسفر إلى الخارج، عبر مطاري عدن أو سيئون، حيث يتطلب من المسافرين أولاً السفر براً عبر حافلات لمدة تتراوح بين 9 – 22 ساعة، بسبب نقاط التفتيش التي لا تحصى لأطراف النزاع، وبسبب إضطرار حافلات النقل للمرور عبر طرق غير معتادة وغير مُعبدة، لتفادي خطوط التماس والمناطق المغلقة عسكرياً.
قال وليد المليكي، مدير سلامة التشغيل في الخطوط الجوية اليمنية – الخدمات الأرضية لمطار صنعاء الدولي، في مقابلة مع منظمة مواطنة: “لم يتبقى سوى ثلاث طائرات من أسطول الخطوط الجوية اليمنية تحت الخدمة، لا يسمح التحالف بقيادة السعودية لهذه الطائرات بالهبوط والإقلاع فيما عدا ساعتين إلى أربع ساعات يومياً، مما يقلل من عدد الرحلات اليومية ويؤخر الحجز للرحلات التالية تباعاً”.
كما أثر قرار التحالف يإغلاق المطارات، على وصول المساعدات الإنسانية إلى اليمن، بسبب وقف الرحلات الإنسانية، وقد ذكرت منظمة أطباء بلا حدود في بيان نشرته في 8 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، بأن التحالف العربي بقيادة السعودية، منع طائراتها من الوصول إلى اليمن، منذ إعلان التحالف إغلاق المنافذ، “مما أعاق بشكل مباشر قدرة المنظمة على توفير المساعدة الطبية والإنسانية المنقذة للحياة للسكان الذين هم في أمس الحاجة إليها”.
فيما ظل مطار صنعاء مُغلق كلياً لنحو ست سنوات، حتى فُتح جزئياً أمام رحلات محدودة، لوجهة واحدة، في إطار الهدنة الموقعة بين الأطراف في 2 إبريل/نيسان 2022، كذلك، ظلت مطارات اليمن الواقعة تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دولياً، ومنها مطاري عدن وسيؤون، رهن الحظر أمام شركات الطيران التجاري، وفُتحت جُزئياً، إلى وجهات محدودة، أمام عدد محدود من رحلات طيران اليمنية، والتي لم تكن تتجاوز حينئذ، عدد أصابع اليد الواحدة، ولم تلبي ولو الحد الأدنى من حق ما يزيد عن ثلاثين مليون يمنية ويمني، في التنقل من وإلى اليمن، بصورة فاقمت معاناة المدنيات والمدنيين، حتى مع سريان الهدنة، وتوقف العمليات العسكرية وخفض التصعيد.
استفحال الفساد وسوء الإدارة والتقادم
ومما فاقم معاناة اليمنيين في قطاع النقل الجوي، بالإضافة إلى الحرب وتداعياتها، وإلى القيود التي تفرضها الأطراف على حرية التنقل، طالت مختلف الفئات، وبوجه خاص، كانت النساء على امتداد سنوات الحرب، هدفاً دائماً، للقيود الرامية إلى حرمانهن من حقهن في التنقل، داخل الأراضي اليمنية، ومن وإلى اليمن، عبر مطاراتها المفتوحة جزئياً، بالإضافة إلى الثقوب السوداء التي جعلت من المسافرات والمسافرين، عُرضة للإبتزاز المالي، في ظل احتكار السوق السوداء، لمنافذ حجز المقاعد، المحدودة للغاية، والمضاربة بالتذاكر، والتلاعب بالمسافرين، في ظل تقادم وبدائية وسائل وآليات العرض والحجز والدفع، في ظل حالة استعصاء واستحكام الفساد والإستغلال وسوء الإدارة، وغياب الرقابة والضبط والمحاسبة.
قرارات البنك المركزي في عدن
بعد أن كان اليمن قاب قوسين أو أدنى من توقيع الأطراف على خارطة طريق لإرساء السلام، عقب إعلان مبعوث الامين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، في 25 ديسمبر/ كانون الأول 2023، عن توصل أطراف النزاع في اليمن إلى اتفاق يقضي بالالتزام بمجموعة من التدابير التي تشمل تنفيذ وقف إطلاق نار، يشمل عموم اليمن، والمُضي بإجراءات لتحسين الظروف المعيشية، ودفع جميع رواتب الموظفين في القطاع العام، واستئناف صادرات النفط، وفتح الطرقات في تعز وأجزاء أخرى من اليمن، ومواصلة تخفيف القيود المفروضة على مطار صنعاء وميناء الحديدة، بالإضافة إلى حُزمة من تدابير وإجراءات بناء الثقة، تمهيدًا لاستئناف عملية سياسية جامعة تحت رعاية الأمم المتحدة، من شأنها التأسيس لسلامٍ دائم في اليمن، بعد توقف العمليات العسكرية وعلى رأسها الهجمات الجوية للتحالف بقيادة السعودية والإمارات، خلال فترة الهدنة الموقعة بين الأطراف، في 2 أبريل/نيسان 2022، برعاية الأمم المتحدة، كأهم اتفاق، بعد نحو عقد كامل من الحرب التي اندلعت مع سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين) على العاصمة اليمنية صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وتصاعدت مع إعلان عمليات التحالف بقيادة السعودية والإمارات، في 26 مارس/آذار 2015، إلا أن اليمن دُفعت مُجدداً، إلى حافة جولة خطيرة من التصعيد، عبر بوابة الإقتصاد، والتي تفاقمت على امتداد النصف الأول من العام 2024.
في ظل جُملة من التفاعلات والتطورات الإقليمية والدولية التي أعقبت هجوم الفصائل الفلسطينية على المستوطنات الإسرائيلية في منطقة غلاف غزة، في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مروراً بالحرب الإسرائيلية التي استهدفت قطاع غزة، وصولاً إلى سلسلة الهجمات التي تشنها من اليمن، جماعة أنصار الله (الحوثيين)، المتحالفة مع إيران، والفصائل الفلسطينية، على سُفن الملاحة المُتجهة من وإلى إسرائيل، عبر مضيق باب المندب والبحر الأحمر، منذً 19 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، وإلى سلسلة هجمات عملية (حارس الإزدهار)، التي يشنها التحالف الأمريكي البريطاني، مُنذُ 11 يناير/ كانون الثاني 2024، على عشرات المواقعَ في صنعاء والحديدة والبيضاء وتعز، وغيرها من المناطق اليمنية، الواقعة تحت سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، وإعلان إعادة إدراج جماعة أنصار الله على لائحة الإرهاب الأمريكية، وفرض العقوبات، وغيرها من الضغوط الدبلوماسية، بهدف وضع حد للهجمات الحوثية في البحر الأحمر، أفصحت إدارة "بايدن"، عبر سفيرها في اليمن، عن مناهضتها لمسار السلام، الذي سبق وأعلن المبعوث الأممي عن إطاره، طبقاً للمقاربة السعودية الجديدة للوضع في اليمن، والتي جنحت معها المملكة إلى السياسة والمفاوضات وخفض التصعيد، خلافاً لإدارة بايدن، التي عَمِدتْ إلى المجازفة بالتضحية بنتائج التقدم المهم، المُحرز في جهود السلام، منذُ هُدنة إبريل/ نيسان 2022، وما تلاها من تفاهمات خفض التصعيد ووقف العمليات العسكرية المباشرة، مع بَذْل إدارة بايدن، لِجهودٍ مُتصاعدة للدفع بالأوضاع في اليمن إلى جولة جديدة من التصعيد غير المدروس، والذي يفتقر إلى الحد الأدنى من مُتطلبات أي منظور استراتيجي متوسط وبعيد المدى.
من جانبها، رأت الأطراف اليمنية المناوئة للحوثيين، المنضوية في إطار مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دولياً، في المتغير التكتيكي الطارئ على المزاج والخطاب الأمريكي بشأن اليمن، فرصةً غير مسبوقة لتحقيق أكبر قدر من المكاسب منه. يتصدر مكاسبها المأمولة مساعيها لتعديل موازين القوى المُختل على أرض الواقع، عسكرياً وأمنياً وسياسياً، تبعاً لذلك المتغير الذي طرأ تحت عنوان مواجهة التصعيد الحوثي في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، حيثُ لم تكتفِ الأطراف اليمنية المناوئة لجماعة الحوثيين بالدعوة إلى حشد أكبر دعم لها ولتعزيز قدراتها الدفاعية والهجومية والمالية والاقتصادية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، بمبادرتها إلى تقديم عروضٍ سخية -منفردةً ومجتمعة- لتمكينها من التصدي للتهديد الذي شكلته هجمات جماعة الحوثيين على الملاحة الدولية، ولإسقاط الجماعة التي يتصاعد نفوذها عسكرياً وسياسياً ومالياً واقتصادياً، حيث أصدر محافظ البنك المركزي، في عدن، أحمد غالب المعبقي، جملة من القرارات الخاصة بقطاع البنوك والمصارف، الرامية من ظاهرها إلى استكمال تنفيذ عملية نقل مركز القرارات المالية والاقتصادية إلى عدن، والتي ما كان لها أن ترى النور في هذا التوقيت الحرج والحساس، لولا رفع "الڤيتو" الأمريكي الذي كان نافذاً ومتكفلاً بتجميدها منذ إعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي، المُعترف به دولياً، في 18 سبتمبر/ أيلول 2016، قرار نقل البنك المركزي اليمني من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن المُعلنة كعاصمة مؤقتة للحكومة المعترف بها دولياً، (رغم كل ما ترتب على ذلك القرار من انقسام للقطاع المصرفي وللعملة الوطنية، ومن توقفٍ لدفع مرتبات مئات الآلاف من الموظفين الحكوميين)، إلاّ أنَّ "الڤيتو" الأمريكي تكفَّل -عبر المؤسسات المالية- بتأمين قنوات اتصال وتنسيق ظلَّتْ مفتوحةً بين بنكي صنعاء وعدن حتى وقت قريب، ونظراً للأثر البالغ المترتب على تنفيذ تلك القرارات، على المركز المالي لسلطات جماعة أنصار الله (الحوثيين)، فقد بلغ التصعيد ذروته، مع اتخاذ جماعة أنصار الله (الحوثيين)، خطوات تصعيد، من خلال التحريك المفاجئ لملف المُحتجزين من موظفي السفارة الأمريكية، والذي كان هو الآخر مُجمداً منذ سنوات، ككرت ضغطٍ ومناورة، لتعزز موقفها التفاوضي، مع شن الجماعة حملة اعتقالات واسعة، طالت ما يزيد عن 35 موظفة وموظفة في المؤسسات الدولية والمحلية والبعثات الدبلوماسية.
كما اتخذت الحكومة المعترف بها دولياً، من عاصمتها المؤقتة، عدن، قراراً بإيقاف حجز تذاكر طيران اليمنية، عبر مكاتبها ووكلاءها في العاصمة صنعاء وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في إطار الصراع المُحتدم بين الطرفين، على الإيرادات والعائدات، وعلى الإدارة والتشغيل.
احتجاز الحوثيين أربع طائرات
ورداً على قرار الحكومة المعترف بها دولياً، والبنك المركزي، في عدن، بإيقاف حجز تذاكر طيران اليمنية، عبر مكاتبها ووكلاءها في العاصمة صنعاء، وبقية المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، احتجزت جماعة أنصار الله (الحوثيين)، في 25 يونيو/حزيران 2024، أربع طائرات، تابعة للخطوط الجوية اليمنية، مع طواقمها، في مطار صنعاء الدولي، الخاضع لسيطرتها، أثناء الإستعداد لإعادة الحجاج إلى اليمن، بعد أداء مناسك الحج، وكانت الخطوط اليمنية قد أعلنت تفويج أكثر من 8 آلاف حاج عبر مطار صنعاء إلى مدينة جدة السعودية، في إطار اتفاقية وقعتها أواخر مايو/أيار 2024، مع وزارة الأوقاف والإرشاد بالحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، وتقضي بتفويج أكثر من 12 ألف حاج للمشاعر المقدسة عبر 5 مطارات يمنية، بينها مطار صنعاء الدولي.
منحة كويتية لتعزيز اليمنية*
وفي ذروة أزمة طيران اليمنية، الذي أغلق عملياً الفتح الجزئي والمحدود لمطار صنعاء الدولي، أعلنت دولة الكويت، في 30 يونيو/حزيران 2024، تعزيز الخطوط الجوية اليمنية، بثلاث طائرات، ومُحركين، كمبادرة للتخفيف عن عشرات الآلاف من المسافرات والمسافرين اليمنيين، في ظل تفاقم الإشكالات المُتعلقة بإدارة وتشغيل طيران اليمنية، الناقل الوطني، والوحيد، (بين صنعاء وعدن)، بما في ذلك احتجاز أربع طائرات في مطار صنعاء، وإغلاق الفنح الجُزئي لمطار صنعاء، في ظل استمرار الحظر المفروض على جميع المطارات اليمنية الموصدة في وجه رحلات الشركات التجارية.
انفراجة مفاجئة بقرار سعودي
يوم الإثنين 22 يوليو/تموز، أعلن المبعوث الأممي الخاص، إلى اليمن، هانس غروندبرغ، تسلمه اتفاقاً مكتوباً، بين الحكومة اليمنية المُعترف بها دولياً، وجماعة أنصار الله (الحوثيين)، تضمن عدة تدابير لخفض التصعيد، في القطاع المصرفي، والخطوط الجوية اليمنية، منها: استئناف رحلات طيران اليمنية، بين صنعاء والأردن، وزيادة عدد رحلاتها إلى ثلاث يوميا، وتسيير رحلات جديدة إلى القاهرة والهند، وأكد الإتفاق على ضرورة عقد اجتماعات بين الجانبين من أجل معالجة التحديات الإدارية والفنية والمالية، التي تواجهها الشركة.
وأنهى الإتفاق الذي تسلمه المبعوث الأممي، إبان التهديدات التي أطلقها الحوثيون، باستهداف مطارات وبنوك السعودية، والذي يُرجح أن السعودية، قد فرضت على حلفائها في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة المعترف بها دولياً، القبول به، جولة خطيرة من التصعيد، كادت تدفع باليمن، مُجدداً، إلى جولة جديدة من الحرب، وخلق فرصة جديدة، لمواصلة المُضي في مسار جهود وقف الحرب، من خلال البناء على التقدم المُحرز فيه، والحفاظ على ما أُنجز على طريقه من خطوات، والبناء على ما ترسخ منها، مع مواصلة العمل في سبيل إنجاز المزيد من الخطوات الإضافية، لتحقيق مكاسب إضافية لصالح عموم اليمنيات واليمنيين، على طريق غايته النهائية بناء سلام شامل وعادل ومستدام.
الإستخلاصات
إجمالاً، فإن شركة الخطوط الجوية، بكل الإشكالات البنيوية والهيكلية والعملياتية والمالية والإداراية والخدمية، سواءً تلك الإشكالات المُزمنة التي استوطنت (اليمنية)، منذ لحظات التأسيس وعلى امتداد عقود من عُمر الشركة، أم كل ما خلقته عشرية الحرب الراهنة، من اعتلالات إضافية، في هياكلها وبُناها وعملياتها وأصولها، ووصولاً إلى أزمة طيران اليمنية، التي تصدرت المشهد اليمني، منتصف العام الجاري، فإنها تُمثل بمُجملها أُنموذجاً حياً، لما تفعله بالمجتمعات والكيانات والمؤسسات، أم المُشكلات، متمثلة بغياب المشروع الوطني، في إطار الدولة الوطنية، وما تفعله دورات الصراع والحروب، بالتظافر مع استحكام سوء الإدارة وتسيد الفساد وتقادم الآليات وهشاشة وركاكة الهياكل والبُنى والآليات والعمليات، وانعدام الشفافية والرقابة والمحاسبة، وارتهان القوى والنُخب لهيمنة ونفوذ التدخلات الإقليمية والدولية، وهي إشكالات يتوجب التوقف عندها كثيراً، وإشباعها بالدراسة والتحليل، تمهيداً لإنتشال طيران (اليمنية)، وإعادة بناء الناقل الوطني للجمهورية اليمنية، طبقاً لأسس علمية حديثة، تجعل من (اليمنية)، شركة رائدة في تقديم خدماتها، ومنافسة في مجال النقل الجوي.
كما تعكس حالة (اليمنية)، قصور وعبثية وركاكة، رؤى وتصورات الأطراف النافذة في الساحة الوطنية، في مقاربتها لمسائل مؤسسات النفع العام، التي تواصل تقويضها بمقامرات غير مدروسة، وبسوء الإدارة والفساد والمحسوبية، وتردي الخدمات، على حساب كرامة ورفاه ملايين اليمنيات واليمنيين، وحقهم الأصيل في العيش الكريم، حيث تتبارى في مُفاقمة معاناتهم، وتعمد إلى إهدار وتبديد كافة الفُرص المتاحة أمامها، لتقديم أُنموذج ُمغاير، من خلال إدارتها لما تحت سلطتها وسيطرتها من مؤسسات وبُنى ومُتاحات، طبقاً لقواعد الحوكمة، والإدارة الجيدة، والنزيهة، والحديثة، في سبيل تقديم خدمات عالية الجودة، لعموم اليمنيات واليمنيين، في إطار دولة المواطنة، وسيادة القانون، والعدال، وحقوق الإنسان، والحرية.
ومع كل تقييم، وكل مُقاربة، لآداء السلطات وإدارتها لمؤسسات وبُنى ومُتاحات وُفرص النفع العام، ستظل تلك المحددات التي صارت في حكم البديهيات، في عالم اليوم، تمثل أنابيب اختبار بالغة الدقة، لتوجه بوصلة عموم الناس، اللذين لا يهتمون كثيراً من سيحكمهم، بل كيف يحكمهم، من خلال مدى جودة المؤسسات والبنى، من أصغر وحدة قياس، في إدارة، أو وحدة، أو قسم، إلى المؤسسات والأجهزة والدوائرات والوزارات، وصولاً الحكومة والسلطة والدولة، فبإصلاح البُنى الأصغر فالأكبر، وتقديم نماذج حية، بآداءات حديثة، مُغايرة، ومُتعافية من عِلل وآفات النكوص، تتأسس مداميك نهضة الشعوب والمجتمعات والمؤسسات والسلطات والدول والأمم، في أسوأ الظروف وأحسنها. .
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.