ما يزال من المُبكر الجزم بمآلات الجولة الحالية من الصراع، على جانبي الخط الأزرق، من الحدود اللبنانية الإسرائيلية، لجهة دقة تحديد كل أبعادها وأطرافها وارتباطاتها المُتشعبة ونتائجها النهائية، منذُ بدء الهجمات المُتبادلة بين حزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة ثانية، في الثامن من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث شن حزب الله، هجمات صاروخية على نطاق واسع شمال إسرائيل، تضامنًا مع الشعب الفلسطيني، في محاولة لإبقاء بعض القوة النارية الإسرائيلية - على الأقل - محصورة على حدودها الشمالية، التي كانت كافيةً لإجلاء إسرائيل للمجتمعات القريبة من حدودها مع لبنان، وأرغم ذلك نحو ستين ألف إسرائيلي على ترك منازلهم، الأمر الذي حوّل الحدود إلى منطقة حرب نشطة مع حزب الله، إذ تصاعدت الهجمات المتبادلة، على امتداد الجبهة الشمالية، منذ يوليو/تموز 2024، في ظل إصرار حزب الله على الاستمرار في ضرب إسرائيل طالما استمرت الحرب في القطاع الفلسطيني، على الرغم من الضربات القاصمة التي تلقاها الحزب، بدءًا من سلسلة عمليات الاغتيال التي نفذتها إسرائيل، التي طالت عددًا من قيادات الصف الأول في حزب الله، بينهم قيادات فلسطينية.
وقد شن حزب الله سلسلة من الهجمات استهدفت المستوطنات الإسرائيلية الشمالية، مستخدمًا الحد الأدنى من الأسلحة، كمًا ونوعًا، تحت سقف قواعد الاشتباك؛ لممارسة الضغط على الآلة الحربية الإسرائيلية التي استفردت بالشعب الفلسطيني، على امتداد عام كامل، ارتكبت خلاله فظاعات وجرائم حرب مروعة، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم تجويع مئات الآلاف من المدنيين، وسط تورط وتواطؤ دولي واسع، فضلا عن جرائم الاحتلال والاستيطان والتهجير القسري، والفصل العنصري، وهي جذور دورات الدم، ومُحرك الإرهاب، ووقود الحروب، وهو ما يتم تجاهله، وصرف الأنظار عنه عمدًا، بذرائع واهية، منها مواجهة إيران ومحورها في المنطقة.
إن الجولة الحالية للمواجهات بين حزب الله من جهة، وإسرائيل من جهة أُخرى، ليست الأولى، ولا الأكبر، فعلى امتداد زُهاء أربعة عقود، اندلعت جولات عدة من الصراع، استنزف حزب الله اللبناني فيها موارد إسرائيل، وقدرتها على التحمل في مستنقع احتلالها لجنوب لبنان الذي دام ثمانية عشر عامًا، مما أجبر إسرائيل في نهاية المطاف على الانسحاب من الجنوب اللبناني، في 24 مايو/آيار 2000، وفي 12 يوليو/تموز 2006، شن مقاتلو الحزب هجومًا عبر الحدود، قتلوا فيه 8 جنود إسرائيليين (بينهم 5 أثناء عملية إنقاذ إسرائيلية فاشلة)، وأسروا جنديين، وردت إسرائيل بحرب شاملة ومفتوحة، بدأت بحصار بحري وعمليات قصف جوي مكثف ثم توغل بري، واستمرت المعارك لمدة 33 يوما، وبمعايير الأهداف التكتيكية لتلك الحرب، حقق حزب الله انتصارا عسكريا ومعنويًا غير مسبوق، ولم تُحقق إسرائيل - التي فوجئت تماما بالقدرات العسكرية والتنظيمية المتطورة التي يمتلكها الحزب - أي من الأهداف التي أعلنتها.
لقد صنفت الاستخبارات الإسرائيلية - لمدة تقرب من عقد من الزمان - حزب الله "جيشًا إرهابيًا"، وليس جماعة إرهابية "مثل أسامة بن لادن في كهف"، وكان هذا تحولًا مفاهيميًا أجبر إسرائيل على دراسة حزب الله عن كثب وعلى نطاق واسع كما فعلت مع الجيش السوري، على سبيل المثال.
وتقول ميري إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة إن الاستخبارات الإسرائيلية وسعت نطاق رؤيتها لحزب الله بأكمله، فنظرت إلى ما هو أبعد من جناحه العسكري إلى طموحاته السياسية وارتباطاته المتنامية بالحرس الثوري الإيراني، وعلاقة نصر الله بالرئيس السوري بشار الأسد.
وعلى مدى العقدين التاليين لعام 2006، قامت وحدة الاستخبارات الإشارية المتطورة 8200 في إسرائيل، ومديرية الاستخبارات العسكرية، المسماة أمان، باستخراج كميات هائلة من البيانات لرسم خريطة للميليشيات سريعة النمو في "الساحة الشمالية" لإسرائيل.
وفي اختراق بالغ الخطورة، نفذ جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد" والجيش الإسرائيلي، يوم الثلاثاء 17 سبتمبر/أيلول 2024، عملية استهدفت شبكة الاتصالات التابعة لحزب الله اللبناني. فجرت الآلاف من أجهزة الاتصال في وقت واحد، مما خلّف آلاف الجرحى في جميع أنحاء لبنان، في أخطر هجوم تشنه إسرائيل على حزب الله، وعملية ثانية نُفذت في اليوم التالي، الأربعاء 18 سبتمبر/أيلول 2024، فجرت فيها إسرائيل أيضًا آلاف الأجهزة، من نوع آخر، في إطار شبكات اتصالات حزب الله، ضمن سلسلة من عمليات الاستهداف الإسرائيلية تطال قيادات الحزب وبنائه وهياكله، بسبب هجماته ضد إسرائيلي، وقد أسفر أكبر هجوم جوي تشنه إسرائيل على لبنان منذ عقود، يوم الإثنين 23 سبتمبر/أيلول 2024، عن مقتل أكثر من 500 شخص.
اغتيال نصر الله
ولم تتوقف الآلة الحربية للكلب الإسرائيلي المسعور، عند تلك العمليات النوعية، وذهبت إلى المدى الأبعد، ونفذت عمليتها الأكبر والأخطر، التي طالت مساء الجمعة 27 سبتمبر/أيلول 2024، حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني، العدو اللدود لإسرائيل، على امتداد زهاء ثلاثة عقود، وطالت معه عددًا كبيرًا من قيادات الحزب، إذ ألقت مقاتلات إسرائيلية من طراز إف-15 آي، نحو ثمانين قُنبلة موجهة، مُخصصة لاختراق التحصينات، زنة كل قنبلة طن، سوت أربعة مبان على الأقل بالأرض، بعد أن كانت قد نجحت باغتيال فؤاد شكر، أحد الأذرع اليمنى لنصر الله، في الثلاثين من يوليو/تموز 2024، وهي نقطة تحول جيوسياسية، وتصعيد دراماتيكي يدفع الشرق الأوسط إلى الاقتراب من الحرب الشاملة متعددة الجبهات.
وقد نجحت إسرائيل باغتيال نصر الله، بعد أن حددت الاستخبارات الإسرائيلية أنه متوجه إلى ما أسماه جيش الدفاع الإسرائيلي "مخبأ القيادة والسيطرة"، لحضور اجتماع ضم عددًا من كبار قادة حزب الله، وقائد إيراني كبير لعمليات الحرس الثوري.
وكانت إسرائيل قد أخفقت في ثلاث محاولات اغتيال لحسن نصر الله، خلال حربها مع حزب الله عام 2006، إذ أخطأت إحدى الغارات الجوية هدفها - بعد أن غادر زعيم حزب الله المكان في وقت سابق- وفشلت الغارتان الأخريان في اختراق التعزيزات الخرسانية المخبأة تحت الأرض.
ورغم الضربات النوعية وغير المسبوقة التي طالت قيادات الحزب وبنيته، فإن تسلسل القيادة المرن إلى جانب شبكة الأنفاق الواسعة والترسانة الضخمة من الصواريخ والأسلحة التي عززها على مدى عقود، عززت قدرة الحزب على امتصاص تلك الضربات، ومنحته القدرة على الصمود في وجه عمليات الاستهداف الإسرائيلية القاصمة وغير المسبوقة، التي قوضت جزءًا من قوة حزب الله، التي قدر تقرير للكونغرس الأميركي، يوم الجمعة 20 سبتمبر/أيلول 2024 عدد مقاتلي الحزب بما يتراوح بين 40 و50 ألف مقاتل، وهو نصف العدد الذي سبق أن قال نصر الله إن قوام مقاتلي الحزب يبلغ 100 ألف مقاتل.
وقال أندرياس كريج المحاضر الكبير في كلية الدراسات الأمنية في كينغز كوليدج لندن إنه رغم ارتباك عمليات حزب الله بسبب الهجمات التي طالته، فإن الهيكل التنظيمي المتماسك للحزب يساعد في جعله قادرا على الصمود إلى أقصى درجة، وأضاف "هذا هو العدو الأكثر قوة الذي واجهته إسرائيل على الإطلاق في ساحة المعركة، ليس بسبب الأعداد والتقنيات ولكن بسبب القدرة على الصمود".
بوابة الثغرات القاتلة
كثيرا ما تفاخر حزب الله بقدراته العالية ضد العمليات إسرائيلية الاستخباراتية في لبنان، غير أن ما طال قيادات الحزب وبُنيته، منذ يوليو/تموز 2024، كشف عن وجود ثغرات خطيرة، مكنت إسرائيل من استهداف قوة الحزب، من المستوى الأدنى إلى المتوسط، وصولًا إلى القيادة الأعلى للحزب، فكيف وأين ومتى حدث ذلك؟
مع نمو قوة حزب الله، واستقرار هيمنته المُطلقة في المشهد اللبناني، أرسل الحزب عام 2012، تشكيلات من قواته إلى سوريا لمساندة الرئيس السوري بشار الأسد ونظامه الديكتاتوري في قمع انتفاضة اندلعت ضده مع موجة ثورات الربيع العربي، إذ انخرط مقاتلو حزب الله في القتال في الحرب الدموية الدائرة في سوريا، ولمواكبة تطورات الصراع الطويل، عمد الحزب إلى تجنيد المزيد من المقاتلين، الأمر الذي فتح أمام إسرائيل بوابة لم تكُن تحلم بها، لاختراق الحزب، في ظل ضعف آليات الرقابة الداخلية، إذ اضطرت قوات الحزب إلى البقاء على اتصال وتبادل المعلومات مع جهاز الاستخبارات السوري الفاسد سيئ السمعة، أو مع أجهزة الاستخبارات الروسية، التي كانت تخضع لمراقبة منتظمة من قبل الأميركيين.
وقد فتحت مشاركة قوات حزب الله في حرب سوريا نافورة أمام أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية وخوارزمياتها، من معلومات ملصقات قتلى الحزب، بما في ذلك البلدة التي ينتمي إليها المقاتل، والمكان الذي قُتل فيه، ودائرة أصدقائه الذين ينشرون الأخبار على وسائل التواصل الاجتماعي، إلى جنازات التشييع، حيث كان يُشارك فيها أحيانا كبار القادة من الظل، ولو لفترة وجيزة.
وفي مرحلة ما، راقبت إسرائيل جداول مواعيد القادة الأفراد لمعرفة ما إذا كان قد تم استدعاؤهم فجأة تحسبا لأي هجوم، كما قال أحد المسؤولين.
النتيجة كانت "صورة استخباراتية" كثيفة - من كان مسؤولًا عن عمليات حزب الله، ومن كان يحصل على ترقية، ومن كان فاسدًا، ومن عاد للتو من رحلة غير مفسرة.
كان التركيز الإسرائيلي الموسع على حزب الله، اعتمادًا على ميزة تقنية متنامية، مثل الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار المتطورة، وقدرات القرصنة الإلكترونية التي تحول الهواتف المحمولة إلى أجهزة استماع. أو من كاميرا مراقبة مخترقة يمر بها، وحتى من الصوت الملتقط على ميكروفون جهاز التحكم عن بعد في التلفزيون الحديث، وأنشأت إسرائيل مجموعة مخصصة، تُعرف بالوحدة 9900، التي بنت خوارزميات تفحص تيرابايتات من الصور المرئية للعثور على أدنى التغييرات، على أمل تحديد جهاز متفجر على جانب الطريق، أو فتحة تهوية فوق نفق أو الإضافة المفاجئة لتعزيزات خرسانية، مما يشير إلى وجود مخبأ، بمجرد تحديد هوية أحد عناصر حزب الله، يتم إدخال أنماط تحركاته اليومية في قاعدة بيانات ضخمة من المعلومات، التي يتم سحبها من أجهزة يمكن أن تشمل الهاتف المحمول لزوجته، أو عداد المسافات في سيارته الذكية، أو موقعه.
وتمكنت المخابرات الإسرائيلية على مدى سنوات من جمع كثير من البيانات والمعلومات حول حزب الله، وملء بنك أهداف ضخم، وقال مسؤول سابق: "كانت لدى إسرائيل كثير من القدرات، وكثير من المعلومات الاستخباراتية المخزنة في انتظار استخدامها، كان بوسعنا أن نستخدم هذه القدرات منذ مدة أطول خلال هذه الحرب، لكننا لم نفعل"، ويبدو أن تلك الاستراتيجية الإسرائيلية قد خدعت نصر الله وقيادات الحزب، وخلقت تقديرًا بأن المواجهات ستبقى تحت سقف قواعد الاشتباك المعهود، على حافة الهاوية، مع بقاء خطوط حمراء واضحة المعالم يمكن إدارتها حتى توافق إسرائيل على وقف إطلاق النار في غزة مع حماس، مما يسمح لحزب الله بـ "مخرج" يسمح له بالموافقة على وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
وبفضل الكم المهول من المعلومات والأهداف التي راكمتها مخابراتها، تمكنت إسرائيل في الأيام الثلاثة الأولى من حملتها الجوية ضد حزب الله، من خلال طائراتها الحربية، من تدمير ما لا يقل عن ثلاثة آلاف هدف لحزب الله، وفقا لتصريحات صادرة عن جيش الدفاع الإسرائيلي.
ولا يزال من المرجح، أن ترسل إسرائيل قوات برية للتوغل في جنوب لبنان، حيثُ لا يزال كثير من قدرات حزب الله الصاروخية سليمة بهدف تقويض قدرات حزب الله المُسلحة، وخلق منطقة عازلة شمال حدودها، قالت إيسين، ضابطة الاستخبارات السابقة: "لم يختفِ حزب الله خلال الأيام العشرة الماضية، لقد ألحقنا به الضرر وأضعفناه، وهو الآن في مرحلة من الفوضى والحداد، ولكن لا يزال لديه كثير من القدرات التي تشكل تهديدًا كبيرًا".
ولا جدال في أن حزب الله قد تكبد خلال أسابيع قليلة، خسائر غير مسبوقة، على أكثر من مستوى، وبالمثل حركة حماس والفصائل الفلسطينية الأخرى، وأن إسرائيل ممثلة بالجيش والاستخبارات، نجحت أخيرًا في استعادة ماء وجهها الذي فقدته في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهو أسوأ فشل عسكري لإسرائيل في تاريخها، واستطاعت أن تُظهر مدى تفوقها العسكري والاستخباراتي، من خلال سلسلة من العمليات النوعية، طالت أعدائها في غير خط من خطوط التماس في المنطقة، وعلى الرغم من ذلك فإنه لا يزال من غير الممكن المجازفة بالقول إن حزب الله قد هُزم، وإن إسرائيل قد انتصرت وحيدت التهديد المُتربص بها عند خاصرتها الشمالية، كما يصعب الجزم بأن عشرات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين سيعودون فورًا للعيش في المناطق نفسها بأمان كما كان الحال قبل العام 2024.
والثابت من خلال الحقائق والوقائع والأحداث منذ هجمات السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن ما تحققه إسرائيل، من أهداف حربية، تكتيكية واستراتيجية، لا تُحققه بقدراتها الذاتية، بل هو حصاد عمل تحالف حربي واسع، يُسخر إمكاناته وقدراته العسكرية والأمنية والاستخباراتية والسياسية والمالية كافة لإنجاح عمليات كلب الاستعمار المسعور، في الشرق الأوسط، وقد تابع العالم منظومات الدِفاع الجوي مُتعددة الجنسيات، وهي تتولى مهمة اعتراض الهجوم الإيراني الضعيف والمحدود والمُنسق واليتيم على إسرائيل، يوم 13 إبريل/نيسان 2024، فضلا عن رحلات الفرقاطات والبارجات الحربية الأمريكية والغربية إلى المنطقة، لحماية ظهر إسرائيل وحروبها، تحت عنوان منع نشوب حرب إقليمية شاملة، فضلا عن قوافل الدعم العسكري الأمريكي والغربي.
وقد قدمت الولايات المتحدة لحكومة نتنياهو أكثر من 12.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، وفي أغسطس/آب 2024، وافقت إدارة بايدن على صفقة أسلحة بقيمة 20 مليار دولار مع إسرائيل، تشمل 50 مقاتلة جديدة من طراز F-15IA، في سبيل ضمان تفوقها العسكري النوعي، وقالت يوم الإثنين 30 سبتمبر/أيلول 2023، إنها تنشر قوات إضافية في المنطقة للدفاع عن إسرائيل، جزء من الحشد البحري الأمريكي الضخم في المنطقة، مُسخر لحماية إسرائيل وحروبها، وفي البحر أيضًا، يخوض التحالف الأمريكي البريطاني، حربًا متواصلة ضد جماعة أنصار الله (الحوثيين)، من أجل وقف هجماتها ضد الملاحة المتجهة من وإلى إسرائيل، عبر مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
ووسط ذلك الدعم الدولي المُطلق، حققت إسرائيل سلسلة من الانتصارات على الفلسطينيين، وعلى غير طرف في المنطقة، على مدى ما يزيد عن خمسة وسبعين عامًا، لكن لم يُحقق أي من تلك الانتصارات الأمن لإسرائيل، ولا أدل على ذلك مما حدث في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، من قبل مجموعات مُحاصرة من قِبل إسرائيل، التي تُصنف استخباراتها وقواتها المُسلحة وأجهزتها الأمنية بأنها من بين الأكثر قدرةً وتطورًا على مستوى العالم، كما لم تستأصل حركات المقاومة المناهضة لها داخل فلسطين وخارجها، بل على العكس فإنها قد تعمقت وتوسعت وأصبحت أكثر قوة.
ومثلما لا يمكن التقليل من الكلفة الباهظة التي تكبدها الشعب الفلسطيني، التي تكبدتها التشكيلات المُعادية لإسرائيل، وعلى رأسها حركة حماس والفصائل الفلسطينية، وحزب الله، على امتداد عام كامل من جولة الصراع الحالية، لا يمكن التقليل أيضًا من التكاليف الباهظة التي تتكبدها إسرائيل ومن خلفها داعميها، ففضلا عن كثير من الخسائر المُباشرة، على أكثر من صعيد، فإن إسرائيل باتت تواجه عاصفة من الإدانة الدولية بسبب الفظاعات والجرائم التي ارتكبتها ضد الفلسطينيين، وأنها حتى لو انتصرت في نهاية المطاف في هذه الجولة من الصراع، فإنها ستدفع مُستقبلًا ثمنًا باهظًا.
وخلافاً لموجهات مقولات الدعاية الإسرائيلية والأمريكية، وعدد من الملتحقين بها من الناطقين بالعربية، يتوجب علينا أن نتذكر، وأن نُذكِر، بأن جِذر جولة الصراع الحالية، وجولات الصراع السابقة، وجولات الصراع المستقبلية، يتمثل بإهدار حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وعلى رأسها حقه في إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة كاملة على كامل ترابها الوطني، وبالانتهاكات والجرائم التي تطاله منذُ زهاء 75 عاماً من عمر الصراع، منها جرائم الاحتلال والاستيطان والتهجير القسري، والفصل العنصري، وبالانتهاكات والجرائم التي تطاله على امتداد عام كامل، من فظاعات مروعة، وجرائم حرب، وجرائم إبادة جماعية، وجرائم ضد الإنسانية، وجرائم تجويع مئات الآلاف من المدنيين، وسط تورط وتواطؤ دولي واسع، مع مقاومة مقولات الدعاية الموجهة، التي تسعى إلى حرف القضية بعيداً عن جذورها، وعن مضامينها، تحت عنوان مواجهة إيران وتمددها في المنطقة، مع مساعٍ لإذكاء الصراعات الطائفية والسياسية، باستخدام الأدوار التخريبة للنظام الإيراني، والأنظمة المناوئة له، في غير مكان في المنطقة.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.