ترئيس (هادي) كبذرة أولى
عقب الانتفاضة الشعبية في العام 2011، ضد الرئيس علي عبد الله صالح، في إطار ما يسمى بثورات الربيع العربي، تكشفت تباعاً الكثير من التصدعات في بُنية النظام الحاكم. ومع تفاقم الأزمة، بذلت المملكة العربية السعودية من خلال مجلس التعاون الخليجي وبدعم من الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، جهوداً حثيثة للحيلولة دون انزلاق اليمن إلى أتون حرب أهلية. وعلى امتداد شهور عام 2011، يسرت المملكة جولات عدة من المشاورات، برز خلالها اسم (عبد ربه منصور هادي)، نائب الرئيس صالح، كمرشح لخلافة صالح في رئاسة اليمن لمرحلةٍ انتقالية مُقترحة، قبل أن يحظى بإجماع نادر من قبل فرقاء الأزمة اليمنية، رهاناً على سمات الضعف والهشاشة والانعدام المُتأصلة في شخصية الرجل، كمميزات ومعايير للترئيس، وصولاً إلى لحظة توقيع الأطراف السياسية اليمنية، في 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2011، في قصر اليمامة بالرياض، المبادرة الخليجية (السعودية) وآليتها التنفيذية المُزمنة، الموقعة بين حزب المؤتمر الشعبي العام (الحاكم) وحلفائه من جهة، وتكتل اللقاء المشترك (المُعارض) وشركائه من جهة أخرى، تحت رعاية الملك عبد الله بن عبدالعزيز، ملك السعودية، والتي هدفت إلى إنجاز تسوية سياسية تضمن طبقاً لديباجتها وبنودها ومضامينها: الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره، وتلبية طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح، وضمان انتقال السلطة بطريقة سلسة وآمنة، تُجنِّب اليمن الانزلاق إلى الفوضى والعنف في إطار توافق وطني.
في 21 فبراير/شباط 2012، وعقب انتخابات صورية كان المُرشح الوحيد فيها، نُصِّب رسمياً ( عبد ربه منصور هادي)، المولود في 1 سبتمبر/أيلول 1945، في محافظة أبين، جنوب اليمن، والنائب الضعيف لرئيس الجمهورية اليمنية (صالح)، منذُ 3 أكتوبر/تشرين الأول 1994، بعد حسم حرب صيف 1994، حتى 25 فبراير/شباط 2012، رئيساً للجمهورية اليمنية، خلفاً للرئيس السابق لليمن علي عبد الله صالح، بعد 33 عاماً من حكم اليمن، حيثُ شهدت اليمن، عملية انتقال سياسي، بين عامي 2012 و2014، بعد تشكيل حكومة الوفاق الوطني بالمناصفة بين الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة، برئاسة محمد سالم باسندوة، في إطار تنفيذ المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة، بقيادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، وبدعم من الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، والمجتمع الدولي.
وعلى مدى أشهر، من عمر المرحلة الانتقالية في اليمن، في إطار المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية، وخلافاً للدعم المحلي والإقليمي والدولي، وفي ظل الشغور غير المسبوق، الذي هيمن على قُمرة القيادة العليا لليمن، خلال عامين فقط من رئاسة هادي، وحكومة الوفاق الوطني، برئاسة باسندوة، دُفعت اليمن إلى مسارات طريق كان مهندَسًا بعناية، لتحقيق جُملة من الأهداف الجيوسياسية غير المُعلنة، والتي يمكن قراءتها الآن بتجميع أجزاء صورة المشهد وأحداثه ونتائجه، بعد اكتمالها، ولو نسبيًّا، على امتداد زهاء عشر سنوات من عمر الصراع، والتي يمكن بتتبعها وتحليلها بناء خُلاصات متماسكة حول جانب من وقائع وحقائق تفخيخ وتفجير الوضع في اليمن، والذي تمثلت أول بذرة من بذور الإشكالات العنقودية، بترئيس (عبد ربه منصور هادي)، وتوزير صنوه (محمد ناصر أحمد)، وزير دفاعه.
وفي ظل المناخ الخصب الذي تكفَّل بتخليقه الرئيس (هادي) ووزير دفاعه، تعاظمت بسرعة فائقة قوة جماعة أنصار الله (الحوثيين)، التي تحوّلت من جماعة صغيرة تتمركز في بعض مديريات ريف محافظة صعدة (شمال اليمن)، إلى تشكيل مسلّح، سيطر على العاصمة اليمنية صنعاء بالقوة المسلحة، في 21 سبتمبر 2014، بعد أن عُطّلت كل الموانع الكفيلة بوقف تقدمها المُسلح، منذُ أول خطواتها خارج معقلها في جبال صعدة، مروراً بإسقاط محافظة عمران، وتوسع سيطرتها إلى محافظة الجوف، في ظل تواطؤ إقليمي ودولي، فُسّر حينئذٍ، بأنه إحدى هدايا التفاهمات الأمريكية-الإيرانية الجانبية والمجانية، تبعًا للاتفاق النووي.
ولم تقتصر أدوار (هادي) و(ناصر) على عدم القيام بأي من مسؤوليات ومهام وواجبات رئيس ووزير دفاع أي دولة، في الظروف الطبيعية والاعتيادية، أو على عدم القيام بأي من مسؤوليات ومهام وواجبات رئيس ووزير دفاع أي دولة تشهد عملية انتقال في ظروف بالغة الحساسية، أو على عدم القيام بأي من متطلبات ومستلزمات الطموح الغرائزي للبقاء أطول وقت على رأس سلطة ورأس وزارة دفاع إحدى دول العالم الثالث، مع أن الرجلين لم يكونا زاهدين في السلطة، بل على العكس من ذلك تماماً، بل والأدهى من كل ذلك، أن (هادي) و(ناصر) خصصا جُل طاقتهما الضئيلة في لحظات إفاقتهما النادرة للغاية من غيبوبتهما شبه الدائمة في سراديب قصية، في سبيل تكريس وتعزيز وتقعييد كل ما يُناقض تلك المسؤوليات والمهام والواجبات والمتطلبات والمستلزمات، في جميع الحالات والظروف والاحتمالات والسيناريوهات؛ فقدما معاً أنموذجاً حياً لما يفعله الطموح بلا كفاءة، وبلا رؤية، وبلا خطط، وبلا قيادة، وبلا إدارة فاعلة.
وفي حين عمد الرئيس هادي إلى الاستفراد بإدارة دفة المرحلة الانتقالية ومساعي التمديد على رأس السلطة، معتمداً بدرجة رئيسية على وزير دفاعه، محمد ناصر أحمد، والمبعوث الأممي إلى اليمن، جمال بنعمر، حامل عصى مجلس الأمن وعقوباته، بالإضافة إلى دائرة صغيرة من التقنيين المُلحقين بمكتبه، بعد أن ذهب إلى التجميد الفعلي لأعمال (اللجنة العسكرية العليا)، رغم نجاحاتها، ثم العمل على أن يكون مؤتمر الحوار الوطني، شكلي الانعقاد والنتائج، وصولاً إلى سلق عملية عبثية، بكل مقدماتها ونتائجها، تكفلت بتفكيك وتقويض ما هو قائم من بُنى وهياكل للجيش، تحت عنوان هيكلة القوات المسلحة، والتي كان من أبرز رعاتها السفيران الأمريكي والبريطاني لدى اليمن، والتي لم تكن في حقيقتها أكثر من عملية تحريك شكلية وسطحية لألوية ووحدات القوات المسلحة، بناءً على تصورات نظرية، تفتقر إلى العلمية والمنهجية، والتي لم تشخِّص واقع المؤسسة العسكرية، ولم تقارب أيًا من إشكالاتها، والتي هدفت إلى حرق المراحل، من أجل فرض الذهاب في اتجاه إجباري يقود في نهاية المطاف إلى تمديد فترة رئاسة هادي، خلافاً للاتفاق الموقع بين الأطراف السياسية في إطار المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المُزمنة، والتي حددت سقف المرحلة الانتقالية بإجراء انتخابات رئاسية يوم 21 فبراير/شباط 2014.
الأسباب والعوامل الرئيسية والثانوية
ورغم النتائج الكارثية الناجزة على أكثر من صعيد، والتي لم تتحقق بسبب فاعلية وكفاءة الأدوار السلبية لـ (هادي) ووزير دِفاعه، الذاتية، في أحسن السيناريوهات المُفترضة للدوافع الموجهة لأدوار الرجلين وأسوأها، ولا بفعل شِراك مؤامرات حاكها بمكر خصوم حكم (هادي) المُفترضين، بل إن أسوأ الأوضاع التي علقت فيها سلطة (هادي)، كانت صنيعة (هادي) وشركاء وحلفاء حُكمه، والتي كانت مُضادة كلياً لما ظهر من أمنيات وطموحات جوقة إدارة المرحلة الانتقالية، التي كانت تعمل بصورة كارثية تحت عنوان سلطة الرئيس (هادي)، محدود القدرات والمعارف والمهارات والتصورات، والذي تظافرت جهوده وجهود وزير دفاعه الكارثية، مع حالة الصراع المُحتدم داخل أروقة بُنى وهياكل الجهاز الإداري والمالي للدولة، مع التصدعات العميقة في التحالفات السياسية والاجتماعية والعسكرية والأمنية والقبلية والجهوية، حيث تحركت وتفاعلت وتفاقمت تلك الأدوار (الكارثية)، في بيئة مثالية، أدت في نهاية المطاف إلى جُملة من التطورات والمآلات الدراماتيكية المتسارعة في المشهد اليمني، وصولاً إلى حالة الحرب.
لقد تأسس التصور القاصر لدى (هادي)، لمصالحه وطموحاته بالبقاء في السلطة، على فرضيات عدة، كموجهات لسياسات سُلطة (هادي) الداخلية والخارجية، تتمثل أهمها في غاية تعطيل إنجاز مهام عمليات المرحلة الانتقالية، وإفراغها من مضامينها، وفي غاية تعزيز كل ما يضعف الأطراف السياسية النافذة في الساحة، وعلى رأسها حزب الإصلاح وشبكة تحالفاته القبلية والعسكرية والإيدلوجية والمذهبية، وحزب المؤتمر وجناح الرئيس السابق (صالح) وشبكة تحالفاته، مع غاية ضمان تفاقم الوضع في الجنوب كورقة ضغط، وورقة قضية حروب صعدة والحوثيين في الشمال، بالإضافة إلى غاية تحفيز الضغائن الكامنة لدى القوى السياسية الأصغر والأقل وزناً مثل: الحزب الاشتراكي ،والتنظيم الناصري، وحزب الحق، واتحاد القوى الشعبية، وحزب البعث، وغيرها من القوى.
وعلى سوء وكارثية كل تطورات الوضع، وكل مآلات المشهد اليمني بكل محطاته الرئيسية والثانوية، وبتعدد الفاعليين المحليين والإقليميين والدوليين المنخرطين فيه، فإنها لم تكن تحمل أي قدر من المفاجأة، بل إنها كانت على الدوام، نتائج طبيعية لمقدمات لا يمكن لها أن تؤدي إلى أي مآلات مغايرة تحت أي ظرف، وستظل الوقائع والحقائق تُثبت ذلك أمام أي مُقاربة مُتجردة، رغم كل المحاولات الرامية إلى تقديم سرديات تضع جُملة من الفبركات والتأويلات والتخمينات والأساطير التي قدمتها وسائل الدعاية حول مؤامرات إفشال (هادي) وإدارة المرحلة الانتقالية، كمحض تزوير بالغ الركاكة، في إطار محاولات فرض كل ما كان ثانوياً وهامشياً ومُختلقاً ومُفبركاً من الوقائع والحقائق والأسباب التي دفعت بالوضع في اليمن إلى الانهيار الكلي، بهدف حرف الأنظار عن الوقائع والحقائق والأسباب الحقيقية والفِعلية، وهو ما قاد بالضرورة إلى تحليلات واستنتاجات وتدخلات خاطئة ضمنت استمرار تفاقم الإشكالات والأوضاع، وقادت البلد من سيءٍ إلى أسوأ، في مختلف جوانب المشهد اليمني؛ ففي (هادي) ووزير دفاعه وحلفائه في إدارة المرحلة الانتقالية، تكُمن كل الأسباب والعوامل الأساسية لكل الكوارث العنقودية في اليمن، وكُل ما سواها هي أسباب ثانوية، حتى وإن تحولت لاحقاً إلى أسباب وعوامل (أساسية).
(هادي) صديق الميليشيات وراعيها
في خضم احتجاجات ما سمي بالربيع العربي، ومع تراخي قبضة الحكومة، سيطر مسلحو تنظيم أنصار الشريعة، في 27 مارس/آذار 2011، على مدينة جعار، ثم في يوم 29 مايو/آيار 2011، على مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، والتي تبعد عن مدينة عدن نحو 50 كم إلى الشرق، وأعلنوها "إمارة إسلامية"، وغيروا اسمها إلى "وقار" وأعلنوا تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي قالوا إنها كانت معطلة؛ حيث اضطر عشرات الآلاف من السكان إلى الفرار إلى خيام تحت الأشجار في المناطق الريفية خارج المدينة، واحتشد عشرات آلافٍ آخرون في عدن في مدارس وبيوت مهجورة.
وخلال النصف الثاني من العام 2011، تسلم عبد ربه منصور هادي، نائب الرئيس صالح، مهام رئيس الجمهورية، عقب نقل الرئيس صالح للعلاج في أحد مستشفيات المملكة العربية السعودية، إثر إصابته في الانفجار الذي استهدف الرئيس (صالح) ومعه معظم قيادات الصف الأول في نظام حُكمه، يوم الجمعة 3 يونيو/حزيران 2011، خلال تواجدهم في جامع النهدين بدار الرئاسة، في العاصمة اليمنية صنعاء، في ذروة الأزمة السياسية التي أعقبت اندلاع الاحتجاجات الشعبية مطلع العام 2011، حيث بدأ (هادي) ووزير الدفاع، في مسقط رأسه (أبين)، دعم وتمويل تشكيل مجاميع مسلحة غير نظامية تحت مُسمى (اللجان الشعبية)، بالتوازي مع حجب كافة أشكال الدعم عن ألوية القوات المسلحة النظامية والأجهزة الأمنية الحكومية.
وبعد ما يزيد عن عام من سيطرة التنظيم على أبين، شن الطيران اليمني سلسلة من الهجمات الجوية، بالتوازي مع سلسلة من هجمات الطائرات بدون طيار (الأمريكية)، ضد مواقع جماعة أنصار الشريعة في مدينة زنجبار (عاصمة محافظة أبين)، ومدينة جعار، وعلى قطاعات واسعة من محافظتي أبين وشبوة. سقط إثر الهجمات الجوية والأرضية عشرات الضحايا المدنيين، والتي شُنت عقب موجة من العمليات الانتحارية والهجمات بالسيارات المُفخخة والاغتيالات، التي شنتها جماعة أنصار الشريعة، بالإضافة إلى عمليات احتجاز أفراد الأمن والجنود.
وبعد أسابيع فقط من تسلم (هادي) رسمياً رئاسة اليمن، أعلنت وزارة الدفاع اليمنية، في 12 مايو/آيار 2012، بدء تنفيذ عملية عسكرية واسعة لطرد مسلحي التنظيم من محافظة أبين، أُطلق عليها "السيوف الذهبية"، بقيادة اللواء الركن سالم علي قطن، قائد المنطقة الجنوبية في الجيش اليمني، شارك فيها 25 ألف جندي، وأعلنت يوم الثلاثاء 12 يونيو/حزيران2012، استعاد الجيش اليمني السيطرة على زنجبار عاصمة محافظة أبين الجنوبية، وعلى مدينة جعار المجاورة، بعد يومٍ واحد من سيطرة القوات اليمنية على مدينة شقرة الإستراتيجية، والتي كانت بمثابة مركز إمداد وتموين لعناصر القاعدة في جعار، حيث تولت وحدات الجيش تمشيط المدينتين والمناطق الأخرى للتخلص من جيوب التنظيم وإزالة الألغام والعبوات الناسفة، قبل أن تنجح (القاعدة) بتوجيه ضربة موجعة للجيش اليمني باغتيال اللواء قطن، في 18 يونيو/حزيران 2012، قائد الانتصار على التنظيم، بعد نحو شهرين فقط من تعيينه في أبريل/نيسان 2012، قائداً للمنطقة العسكرية الجنوبية خلفًا للواء مهدي مقولة، الحليف السابق للرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، والذي أقيل بعد تزايد الاتهامات له بالتواطؤ في تمكين القاعدة من السيطرة على محافظة أبين.
ورغم النجاحات التي حققتها قوات الجيش اليمني ضد جماعة أنصار الشريعة في أبين، إلا أن الرئيس (هادي) ووزير الدفاع (محمد ناصر أحمد)، استخدموا صلاحياتهم لفرض إحلال ميليشيات (اللجان الشعبية)، محل قوات الجيش النظامية وكافة الأجهزة الأمنية الحكومية، وكافة مؤسسات وأجهزة (الحكومة)، وسلمت سلطات (هادي) مليارات الريالات كميزانيات مُخصصة للجان الشعبية التي كان يقودها (عبد اللطيف السيد)، القيادي السابق في تنظيم أنصار الشريعة، كسلطة أمر واقع تحكم محافظة أبين، منذ تحريرها من سيطرة تنظيم أنصار الشريعة.
ومع بداية العام الثاني لرئاسة هادي، شهدت اليمن حالة من فوضى التحاصص، من خلال عمليات الإنزال المظلي على الوظائف العسكرية والأمنية والمدنية. وبالتحالف مع حزب الإصلاح والأحزاب والقوى الأخرى بدأ الرئيس هادي عملية تقليم الأظافر، طالت عدداً من أفراد أسرة سلفه صالح، شملت كذلك تعيين محافظين في الجوف وعمران وحجة، فحفز بذلك دورات الصراع بين حزب الإصلاح وشبكة تحالفاته العسكرية والقبلية والأيديولوجية من جهة، وجماعة الحوثيين، في ظل نقمة صالح ومن تبقى في مركبه في المرحلة الأخيرة من رحلته، في ظل الكثير من هواجس وضغائن وتحفظات حلفاء حزب الإصلاح في تكتل المشترك وفي الثورة ضد صالح.
مسارات وطرق الكوارث
شهدت اليمن سلسلة من الأحداث الخطيرة، ابتداءً من استهداف سلاح الجو، سواءً بالتفجيرات أو عمليات الاغتيال أو حوادث سقوط العديد من الطائرات الحربية، مروراً باستهداف ضباط الأمن السياسي بعمليات الاغتيال، وعمليات استهداف قيادات عسكرية، وموجة من عمليات الاغتيالات السياسية والهجمات الإرهابية مثل الهجوم على مجمع وزارة الدفاع. وعلى الأهمية القصوى للمرحلة الانتقالية، فقد شهدت حالة فراغ خطيرة في القيادة، ومن مُفارقاتها أن رئيس الجمهورية الجديد، لم يُداوم يوماً واحداً في مكتبه بدار الرئاسة أو القصر الجُمهوري، وقد تزامن الضعف في الرئاسة مع الضعف في الحكومة بصورة غير مسبوقة، وهي مساحة لعب فيها وزير الدفاع محمد ناصر أحمد أدواراً خطيرة، برزت بصورة جلية عقب الإطاحة بالرئيس المصري محمد مرسي ومعه حُكم الإخوان في مصر بمساعدة إمارتية وخليجية في يوليو/حزيران 2013، حيث بدأت عملية تفكيك ما هو قائم من بُنى وهياكل للقوات المُسلحة والأجهزة والمؤسسات الأمنية ولمؤسسات الدولة الأخرى، حيث أصدر الرئيس (هادي) في 6 أغسطس/آب 2012، قرارًا بنقل سبعة ألوية تابعة للحرس الجمهوري لتصبح تحت إشرافه المباشر، كما أصدر قراراً بتشكيل قوات حماية رئاسية من عدة ألوية من كل من: ألوية الحرس الجمهوري، وألوية الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها اللواء علي محسن الأحمر، بينما ألحقت قرارات (هادي) عدة ألوية من الجانبين بالمناطق العسكرية المختلفة، ثم أصدر مساء يوم الأربعاء، 19 ديسمبر/كانون الأول 2012، قرارات قضت بإعادة هيكلة الجيش اليمني وحل قوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة.
ومن حرب دماج في صعدة، وسلسلة من الحروب شمال الشمال في الجوف وحجة وعمران، في ظل تواطؤ وتلاعب الرئيس (هادي) ووزير دفاعه، اللَّذَين عملا على إذكاء الصراع بين تشكلات حزب الإصلاح والسلفيين والمجاميع القبلية المُتصارعة مع تشكيلات ومجاميع الحوثيين، مع تقديمهما سردية أن الدولة ليست طرفاً في تلك الصراعات؛ حيثُ كُبلت الكثير من القوى بعصى عقوبات مجلس الأمن، تحت عنوان محاسبة معرقلي العملية السياسية، مع تصارع النخب السياسية والتهائها بـ"المحاصصة" والمكايدة ونوازع الانتقام، تحوّلت جماعة الحوثيين من جماعة صغيرة في شمال اليمن إلى تشكيل مسلّح؛ عُطّلت كل الموانع الكفيلة بوقف تقدمها منذُ أولى خطواتها خارج معقلها في جبال صعدة، وبتواطؤ من صالح وحلفائه من قادة قبائل طوق صنعاء والقادة العسكريين والأجهزة الأمنية، مع دخول نخب اليسار تحت تخدير فرية أن عملية جماعة الحوثيين تستهدف فقط مراكز القوى، وبيت الأحمر، والفرقة، وجامعة الإيمان، فيما نذرت العديد من وسائل الإعلام والنخب لمهمة الدعاية المُسخرة لصالح أجندة جماعة الحوثيين، والتي أغرقت المشهد العام بالضبابية وصولاً إلى مشهد زيارة (هادي) إلى مدينة عمران، عقب سيطرة الحوثيين عليها، وقتل قائد اللواء 310، حميد القشيبي، وتصريحه الشهير خلال تلك الزيارة بأن "عمران عادت إلى حُضن الدولة"، وتقدم الجماعة صوب العاصمة تحت غطاء وزير الدفاع (محمد ناصر أحمد) والرئيس (هادي)، وصولاً إلى فرض الجماعة حصاراً مسلحاً على العاصمة صنعاء، وانتهاءً بالسيطرة عليها في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وبقية المحافظات بالقوة المسلحة، في ظل تواطؤ إقليمي ودولي، فُسّر حينئذٍ بأنه إحدى هدايا التفاهمات الأمريكية - الإيرانية الجانبية والمجانية تبعًا للاتفاق النووي، مع الارتياح الغربي لفرية قدرة جماعة الحوثيين في مهمة مكافحة "الإرهاب السني" في ظل إخفاقات الهياكل الحكومية الضعيفة والمهترئة.
وتحت فوهات بنادق جماعة الحوثيين، وقَّعت الأطراف مساء سيطرة الجماعة على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، على اتفاق السلم والشراكة، والذي أفضى لتشكيل حكومة المهندس خالد بحاح، غير أن شهر العسل بين الرئيس هادي وجماعة الحوثيين لم يدُم طويلاً؛ فاندلعت اشتباكات عنيفة بين قوات الحماية الرئاسية ومسلحي جماعة الحوثيين، انتهت بهزيمة الأولى، وهو ما دفع رئيس الحكومة إلى تقديم استقالة (لا رجعة فيها) إلى رئيس الجمهورية (هادي) في 22 يناير/كانون الثاني 2015. بعد أسابيع من تصاعد ممارسات جماعة الحوثيين ضد الحكومة والرئاسة، تبعتها بعد ساعات قليلة، بعد يوم واحد فقط من تواتر الأنباء عن اتفاقه مع الجماعة على تعديل الدستور وتقاسم السلطة، استقالة الرئيس هادي، والذي كان وُضع من قبل جماعة الحوثيين مع وزراء الحكومة ورئيسها تحت الإقامة الجبرية. وفي 15 فبراير/شباط 2015، وضع مجلس الأمن الدولي، اليمن، تحت الفصل السابع، بموجب القرار 2201.
جر الجميع إلى مستوى كارثي جديد
يوم 21 فبراير/شباط 2015، تمكن الرئيس (هادي) من مغافلة مسلحي الحوثيين، بكسر الإقامة الجبرية والفرار من صنعاء إلى مدينة عدن جنوبي البلاد، ومنها كرر ذات الأخطاء، بدءًا من استدعاء ميليشيات (اللجان الشعبية)، التي كانت لا تزال تسيطر على محافظة أبين منذ النصف الثاني من العام 2012، وعلى امتداد العام 2013 والعام 2014، والتي انخرطت في الاشتباك مع تشكيلات جماعة الحوثيين والقوات الموالية لصالح، والتي تمكنت من احتجاز وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحي، واللواء فيصل رجب، وشقيق الرئيس هادي ناصر منصور بالصدفة البحتة خلال تقدمها نحو مدينة عدن، قبل سيطرتها عليها وفرار الرئيس (هادي) براً إلى سلطة عمان، صباح الخميس 26 مارس/آذار 2015، ثم استقبله مساء ذات اليوم في مطار العاصمة السعودية الرياض وزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، ورئيس الاستخبارات خالد الحميدان، عشية إعلان عملية (عاصفة الحزم)، التي تقودها السعودية بمشاركة باقي أعضاء "مجلس التعاون الخليجي" باستثناء عُمان، ودول عربية أخرى، ضد جماعة "الحوثيين" وقوات صالح في اليمن.
وعلى مدى سنوات حرب التحالف بقيادة السعودية والإمارات، تحت هدف استعادة سلطة (هادي) الشرعية، كرر (هادي) وحلفاؤه المحليين والإقليميين والدوليين ذات الأخطاء التي أدت إلى الحرب، فتخلقت ميليشيات جديدة، وأُهدرت كل فُرص إعادة بناء مؤسسات الدولة الأمنية والعسكرية والخدمية والإدارية، فأصبحت المساحات المُنتزعة من سيطرة جماعة الحوثيين وقوات صالح (وعلى رأسها مدينة عدن المُعلنة عاصمة مؤقتة لحكومة هادي المعترف بها دولياً منذ إعلان بدء عملية عسكرية بحرية وجوية وبرية، في 14 يوليو/ تموز 2015 لتحرير المدينة من سيطرة قوات جماعة أنصار الله الحوثيين وحليفهم -وقتذاك- الرئيس السابق صالح) مجالاً للفراغ أمام العديد من التشكيلات والجماعات، بما في ذلك التنظيمات الإرهابية والتشكيلات المُناهضة لسلطة (هادي)، والتي تعاظمت قوتها بدعم من دولة الإمارات التي جندت ما يزيد عن 90 ألف مقاتل، في إطار تشكيلات النخب العسكرية والأحزمة الأمنية التابعة للمجلس الانتقالي، التي بسطت سيطرتها على حساب وجود وسيطرة حكومة (هادي) المعترف بها دولياً، وصولاً إلى تكرار ما حدث في صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
في ظل ذات المناخ والمُقدمات بتقويض وجود الحكومة المعترف بها دوليًّا، في عاصمتها المؤقتة عدن، في 24 أغسطس/ آب 2019، وتمكين وإحلال تشكيلات المجلس الانتقالي بديلاً لها، مروراً بالحرب الطويلة في آل سالم، وإفشال اتفاق الرياض، مروراً بإعلان تشكيلات "حراس الجمهورية" أو "المقاومة الوطنية" التي يقودها طارق صالح، والمدعومة من الإمارات، وانتهاءً بالإطاحة بمحافظ شبوة القوي محمد بن عديو المدعوم من السعودية في 26 ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث تمكنت تشكيلات الانتقالي من انتزاع محافظة شبوة في 11 أغسطس/ آب 2022، بعملية مباغتة وخاطفة، بعد انتزاعها محافظة أبين، وفرضها واقعًا جديدًا في المحافظتين، أزاحت فيه كلياً سلطة القوات الحكومية المدعومة من السعودية، وأحلت التشكيلات الموالية للإمارات بديلًا، مستغلةً التفاعلات التي خلقتها الحرب الأوكرانية الروسية.
(متطلبات الخروج من مستنقع (هادي
إجمالاً، فمنذُ أولى لحظات استلام (هادي) مهام رئيس الجمهورية عقب إصابة الرئيس (صالح) منتصف العام 2011، مروراً بتسلمه رئاسة اليمن (رسمياً) مطلع العام 2012، ومروراً بالكثير من المحطات، من سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء أواخر العام 2014، إلى إعلان عمليات التحالف بقيادة السعودية والإمارات مطلع العام 2015، وسيطرة تشكيلات الانتقالي على عدن والمحافظات الجنوبية أواخر العام 2022، وصولاً إلى إعلان إنشاء مجلس القيادة الرئاسي في 7 إبريل 2022، وطي صفحته بقرار عبر عن اضطرار السعودية للتخلي عن كرت (الشرعية)؛ فقد كان (هادي) مُفاعلاً للكوارث العنقودية. وعلى طول مدة سلطته (الثقيلة)، لم تُسجل للرجل أي مآثر (سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعسكرياً وأمنياً وإدارياً ومالياً)، وعلى كافة المستويات، بل إن النجاح الوحيد للرجل انحصر في إبقاء حاجة الجميع الاضطرارية لشماعة شرعيته، كأقل الخيارات مرارة.
إن أولى خطوات نقل اليمن إلى مسارات أخرى مغايرة لمسارات عهد (هادي) الكارثية، تبدأ بوقف التدافع الجمعي في المُضي بالمزيد من الخطوات الخاطئة، القائمة على استنتاجات ومُسلمات ويقينيات خاطئة، طبقاً لسرديات مُفبركة لوقائع وحقائق وأسباب ومقدمات لا أساس لها. وثَمَّ واجب وطني وإنساني مُلح، يتمثل بعرض شهاداتٍ كُثر من الفاعلين خلال تلك الحقبة القاتمة، وكسر حالة الصمت تحت هيمنة هواجس وحسابات المغارم والمغانم الخاصة والعامة.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.