أدلجة التعليم

بين المركسة والوهبنة والأخونة والحوثنة

الإثنين, 9 سبتمبر / أيلول 2024

EN

على امتداد عقود من تاريخ اليمن، كان التعليم، إحدى مساحات دورات الصراع، بأبعاده المختلفة، حيث كان على الدوام، عُرضةً لسلسلة من أعاصير وزلازل الأدلجة والمركسة والوهبنة والأخونة والحوثنة والحربنة، والتي تعاضدت وتناوبت على تقويضه، وتعطيل وظائفه النهضوية والتحديثية، والتأهيلية، وأضعفت من جودة مُخرجاته، في مُختلف المجالات، وبددت فرص الأغلب الأعب من الأجيال اليمنية، وهي إعتلالات تُشكل بمُجملها، إحدى العوامل الرئيسية، التي عبدت الطُرق أمام هرولة اليمن كدولة ومُجتمع، إلى مآلات الهشاشة والضُعف ودورات الصراع والنكوص.

لقد رأت كافة الأطراف التي تعاقبت السيطرة على كل اليمن أو على جُزء منه، في بُنى ومسارات ومناهج التعليم، وسيلة بالغة الفعالية، لتعزيز نفوذ وهيمنة إيدلوجيتها، ولزيادة عدد أتباعها وقاعدتها، وللتحشيد والتجنيد لتعزيز قواتها المسلحة، في سبيل خلق أسس شعبية عريضة كحوامل لدعائم سلطتها، الفاقدة للحد الأدنى من مُتطلبات الشرعية والمشروعية، والدستورية والقانونية والأخلاقية والبراجماتية، في وطن الجماعات القوية (المُتوهم)، خاصة كل جماعة، والمُجتمع المُذعِن، والفرد الضعيف والدولة المُرتهنة والمُصادرة، خلافاً لمُخرجات التعليم الحديث والجيد والمحايد، الذي يُعزز بالضرورة، المواطن الفاعل، والمُجتمع المتماسك باستنارة، والمرشد لآداء سلطاته ومؤسساته العامة، ودولة النهضة والتنمية والإستقرار والعدالة وسيادة القانون، الدولة القوية.

والثابت، أن أدلجة وتسيس وحربنة التعليم، ليس من السمات التي طرأت على المشهد اليمني، منذ اندلاع جولة النزاع الراهن، في سبتمبر/أيلول 2014 وتفاقم في مارس/آذار 2015، والتي رافقته كظِله على امتداد عشر سنوات من عمره، من قبل مُختلف الأطراف اليمنية، في مختلف مناطق اليمن، وكننتونات الجماعات، بل إنها سمات همنت على بُنى ومسارات التعليم، زهاء ستة عقود، من تاريخ اليمن الحديث، الذي بدأ خطواته الأولى خارج دائرة الجهل والتخلف، عقب قيام ثورتي سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول، مطلع النصف الثاني من القرن العشرين.

إن من المهم تسليط الضوء على جائحة أدلجة التعليم، الراهنة، والتي تتصدر مشهدها جماعة أنصار الله (الحوثيين)، بعد أن ورثت بقوة السلاح حصة وازنة من مساحة اليمن، تتركز فيها الكثافة السُكانية، حيثم تعمل الجماعة في جبهة حوثنة التعليم، أضعاف ما فعلته آلتها العسكرية، في كل حروبها، حيث تدفع بما راكمته أجيال من اليمنيات واليمنيين، من بُنى ومناهج ومسارات تعليم حديث إلى حد بعيد، إلى قعر سحيق، من التقادم، والرداءة، والضعف، في المناهج والمضامين، والكوادر، وفي مسارات العملية التعليمية، حيث تعمل على قدم وساق، على إحلال أتباعها، وملازمها التعبوية، بديلاً لمناهج وكوادر ومسارات التعليم الوطنية، في التعليم الأساسي والإعدادي والثانوي، وفي التعليم الجامعي والأكاديمي، مُكررة الأخطاء عينها، لمن سبقها من جماعات وإيدلوجيات وسلطات.

وتتشارك أطراف الحرب الأُخرى، المناوئة لجماعة أنصار الله (الحوثيين)، على أكثر من ضفة، في الساحة اليمنية، وإن بنسب متفاوتة، مهام تقويض مسارات العملية التعليمية، وعلى رأسها حزب التجمع اليمني للإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، المُتحلل علناً من جماعته الأم، والمجلس الإنتقالي الجنوبي، وعدد من تشكيلات وجماعات السلفية الوهابية، المدعومة من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تقمع دون هوادة، جماعات السلفية الوهابية، داخل حدودها، خلافاً لنهج الرعاية والإسناد والتسليح وبناء القدرات، في غير منطقة يمنية.

إن التدقيق الشامل، بمعيارية وموضوعية ومنهجية، في كل جائحة دهمت مسارات التعليم، على مدى عقود طويلة، بما في ذلك عقد الصراع الراهن، وتحليل الحقائق والوقائع، في سبيل إنجاز تصور وطني شامل، يضع الخطط الإستراتيجية والتنفيذية والإجرائية، اللازمة لمعالجة كافة إشكالات التعليم الوطني، وتحريره من كل اللوثات والآفات، الإيدلوجية والسياسية والتعبوية، كتدخلات جراحية بالغة الإلحاح، تضع أولى خطوات اليمن وأجيال مستقبله المنشود، على طريق بناء تعليم وطني، نهضوي وحديث، كأهم مُتطلب لإعادة الإعمار، في إطار عملية سلام شامل وعادل ومُستدام.

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.