سيلفي النازية الجماعية

نُخبة واشنطن تحتفي بنتنايهو المتهم بجرائم الحرب والمطلوب للعدالة الدولية

الخميس, 25 يوليو / تموز 2024

خلاصات للأبحاث ودراسة السياسات

خلاصات للأبحاث ودراسة السياسات

قبل نحو قرن، وعقب الحرب العالمية الثانية، أفاقت ألمانيا، ومعها كل أوروبا والعالم، على حالة خطيرة من النازية الجماعية، كان "أدولف هتلر" ومعه الحزب النازي، واجهتها الأوضح فقط، حيث كانوا يستندون في كل جرائِمهم على قطاع عريض من أنصار النازية، وهي المُعضلة الأصعب، التي انهمكت ألمانيا الجديدة عقوداً طويلة بعد سقوط هتلر ونظام حكمه، لمعالجتها.

إن مشهد الحفاوة المبالغ فيها والمُبتذل، الذي نقلت فيه كامرات قنوات التلفزة، للكونجرس الأمريكي، خلال إلقاء نتنياهو خطاباً أمام الكونجرس الأمريكي، يوم الأربعاء 24 يوليو/تموز 2024، حيثُ بلغت عدد المرات التي صفق فيها أعضاء المجلس خلال إلقاء الخطاب نحو 79 مرة منها 58 مرة وهم واقفين على الأقدام خلال 50 دقيقة من الخطاب، فيما تهافت بعض النواب على مصافحته، وظل النواب الحاضرين يصفقون لنتنياهو أكثر من دقيقتين قبل أن يبدأ خطابه، وبمجرد بداية حديثه ضجت القاعة بالتصفيق الحاد، وهو مشهد نموذجي، يُقدم دليلاً إضافياً، على أن هُناك حالة من النازية الجماعية، توجه سياسات النُخب المُهيمنة على البيت الأبيض ومجلس النواب والكونجرس في واشنطن العاصمة، في ظل دور باهت للمجتمع المدني والحركة الحقوقية الأمريكية ووسائل الصحافة والإعلام، ومع محدودية عدد الأصوات المناهضة بمبدأية وصرامة لتلك الحالة النازية المهيمنة على المشهد الأمريكي.

إن ذلك المشهد الذي سيبقى محفوراً في ذاكرة التاريخ البشري، هو امتداد لتعامل الإدارة الأمريكية، كان فيها "بايدن" و "بلينكن"، مجرد واجهة أمامية، لنسخة جديدة من حالة النازية الجماعية، لإدارة كاملة، تضم الآلاف من العاملين المُباشرين في "البيت الأبيض" فقط، يحوزون السلطة بالنيابة عن "الحزب الديموقراطي"، الذي يمتلك كُتلة وازنة في مجلس النواب ومجلس الشيوخ، يتشاركون جميعاً التورط في جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، ويقفون كأعمدة ساندة ترفع واجهة كـ "بايدن" و "بلينكن"، الذين يظهرون أمام العالم أجمع، مُتلبسين ومتورطين بحالة نازية غير مسبوقة، تجمع أسوأ ما في هتلر وبوتن والأسد وصدام وبن لادن.

على امتداد شهور الحرب في غزة وفي المنطقة، كانت الولايات المُتحدة الأمريكية، طرفاً أساسياً مُشاركاً مع إسرائيل في مسرح العمليات الحربية، وفي الجرائم والفظاعات التي تُطال حياة مئات الآلاف من الفلسطينيين، دون تمييز، منذ ما يزيد عن ستة أشهر. وهو دليل إضافي على أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست مجرد حليف لإسرائيل، وليست مجرد داعم وممول لها، وليست مُجرد مُزِّود بالأسلحة، وليست مجرد مُساند من خلال الجهود الدبلوماسية المساندة لإسرائيل والمدافعة عنها في كافة المحافل الدولية. ولا شك، ستتكشف تباعا الكثير من الحقائق حول تلك الشراكة الأمريكية، وحول بقية شركاء إسرائيل والمتورطين معها في كل الممارسات اللاإنسانية التي كان التقدم الحضاري الإنساني قد طمرها وطوى صفحاتها، مع كل آثام عصورها الغابرة، منذُ أمدٍ طويل، ومنها جرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، التي تطال الفلسطينيين، بوصفهم بشرا وأمة وهوية ووجودا، في إطار "محرقة القرن الواحد والعشرين،" تحت مرأى ومسمع العالم، وسيُدان ويلاحق ويُساءل كل المشاركين فيها، والداعمين لها، جنبا إلى جنب نتنياهو والمسؤولين الإسرائيليين، طال الزمن أو قصر. شراكة رغم الفظاعات وغير مرة أكد مستشار الأمن القومي الأمريكي، وكبار المسؤولين الأمريكيين، في البنتاجون والخارجية والبيت الأبيض، على أهداف الحرب المشتركة بين إدارة بايدن وحكومة نتنياهو، في كل الأحاديث العلنية التي أدلوا بها بالتزامن مع كل خلاف، جزئي وعرضي وهامشي، لم يُفسد بتاتا للود والشراكة بين الجانبين، قضية، رغم طوفان الفظاعات الإسرائيلية التي قتلت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى الان، ما يزيد عن خمسة وثلاثين ألف فلسطيني وجرحت ما يزيد عن سبعين ألف آخرين، ورغم قتل إسرائيل لأكثر من 130 صحفيا، ورغم تدمير إسرائيل للأغلب الأعم من الأعيان المدنية الفلسطينية في قطاع غزة، بما في ذلك المستشفيات والمرافق والطواقم الطبية، والمدارس، ومقرات وسائل الإعلام، ودور العبادة، والمباني السكنية، والملاجئ، ومخيمات النزوح، ومقرات المنظمات الإنسانية، ورغم الهجمات الإسرائيلية على طواقم العمل الإنساني والإغاثي، وعربات نقل المساعدات والسلع الأساسية، ومرافق البنية التحتية المدنية، ومنعها وصولَ المساعدات الإنسانية، واستخدام هذه المساعدات سلاحَ حرب لتجويع الفلسطينيين، وتورطها بارتكاب جرائم إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني، وحماية السلطات الإسرائيلية لممارسات المستوطنين العنيفة ضد الفلسطينيين على نطاق واسع من مناطق الضفة الغربية والجليل، واستيلائها على مساحات واسعة من أراضي ومزارع الفلسطينيين، واحتجازها تعسفيا آلاف الفلسطينيين، واستخدامها للتعذيب وسوء المعاملة وضروب من المعاملة اللاإنسانية والمهينة ضد المئات منهم، في إطار أنماط من الانتهاكات المنهجية الهادفة إلى تهجير الفلسطينيين قسرا عن موطنهم، والتي ترتكبها إسرائيل بالشراكة الكاملة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتحت غطاء من الحماية الأمريكية المُتكفلة بمهمة تعطيل كافة الآليات الدولية ومنعها عن القيام بأي تحرك لوقف تلك الانتهاكات وأي شكل من أشكال المساءلة عن ارتكابها.

والثابت الان، أن النخبة الأميركية، تسخر كافة الأجهزة والمؤسسات والموارد والعلاقات والقيادات لخدمة إسرائيل وجرائمها، وتتماهى بصورة كلية مع المغامرات الخطيرة لقادتها المتطرفين، إلى الدرجة التي عمد فيها القادة الأميركيون لاختيار التضحية بسمعة أميركا وعلاقاتها ومصالحها، والوقوف مع إسرائيل، ودعم جرائمها وحربها، ماليا وعسكريا ولوجستيا وسياسيا ودبلوماسيا، في مختلف المحافل، وأمام مجلس الأمن الدولي، ومجلس حقوق الإنسان، وآليات الأمم المتحدة، وفي وجه محكمة الجنايات الدولية، وفي وجه محكمة العدل الدولية، وفي وجه كل المحاولات الدبلوماسية السامية الرامية لضمان الحد الأدنى من حقوق الفلسطينيين.

إن سياسات الولايات المتحدة الأمريكية، المتورطة والمتماهية مع إسرائيل، لم يعد لها صلة بحسابات مصالح الدولة الأمريكية، ولا بالتحالفات السياسية والأمنية والعسكرية بين الدول، ولا بالسياسة، ولا بالبراجماتية، ولا بأيٍ من المناهج العلمية الحديثة التي تحتكم إليها تعريفات ومقاربات وتكتيكات مسائل سياسة الدول، الداخلية منها والخارجية، ولا صلة لها بمضامين ومحددات العلاقات الدولية، والتزامات وأهداف التحالفات والشراكات الاستراتيجية بين الدول والمحاور والتكتلات الإقليمية والدولية. وإنما هي الآن محض إذعان مُطلق، تُستلب فيه قوة ونفوذ وعلاقات وهيمنة وأجهزة ومؤسسات وموارد دولة بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، وتحرق فيه مراكب هذه الدولة مع الكثير من المجتمعات حول العالم، وذلك كله من أجل خدمة إرهاب وإجرام حكومة يمينية متطرفة تقود دولة غارقة في الدم والجور والاحتلال والاستيطان والتهجير تُسمى "إسرائيل." وإذا استبعدنا إحالة ذلك الإذعان الأمريكي لإسرائيل ولوبيهاتها ومصالحها وحروبها إلى حالة مُفترضة من "التعصب الأعمى" القائم على أساس ديني وعقائدي، أو على أساس عِرقي، أو على أي أساس عنصري آخر، بوصفه مسلكا بدائيا وغير إنساني، مُتخلفا وغير مُتحضر-إذا استبعدنا ذلك، فإن أقرب التفسيرات، وأكثرها وجاهة وواقعية، يتأسس على إحالة ذلك الوضع الأمريكي، غير الطبيعي وغير الاعتيادي، إلى حسابات النخب السياسية الأمريكية الانتخابية، والتي تتبارى لتقديم قرابينها في مزادات كسب رضا اللوبيهات الإسرائيلية المؤثرة على مسار الانتخابات التمهيدية داخل أروقة ودهاليز الحزبين، وعلى مسارات ونتائج السباقات الانتخابية، على كرسي رئاسة البيت الأبيض، وعلى نسب مقاعد مجلس النواب والكونجرس، وعلى حكم الولايات، وتقف على رأس تلك اللوبيهات لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (آيباك)، التي لا تجد في أنشطتها وأدوارها الرامية للتأثير على مسارات ونتائج الانتخابات الأمريكية، وعلى سياسات الإدارات الأمريكية، ما يستحق المواراة والإخفاء، فتبادر بالنشر علنا عبر موقعها الإلكتروني وحساباتها وصفحاتها الرسمية على شبكات ومنصات التواصل الاجتماعي عن أنشطتها وأدوارها المؤثرة، كان أحدثها ما نشرته على حسابها الرسمي في تويتر، في 15 مايو/آيار 2024 محتفلة بهزيمة المرشحة الديموقراطية، سارة الفريث، في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطي، بصفتها مرشحة مدعومة من السيناتور بيرني ساندر. بالطبع، كل من الفريث وساندر مصنفان من قبل "آيباك" أنهم غير مؤيدين لإسرائيل، وقد سبق أن نشرت قبلها بأيام تهنئة استعراضية لسبعة مُرشحين صنفتهم أنهم ديموقراطيون مؤيدون لإسرائيل، بفوزهم جميعا. هؤلاء فازوا بعد دعم "آيباك" لهم على جميع منافسيهم من المرشحين الديموقراطيين "غير المؤيدين لإسرائيل،" في الانتخابات التمهيدية داخل الحزب الديموقراطي، وهي أنشطة وأدوار تديرها وتوجهها مصالح دولة أخرى في أدنى الشرق، للتأثير على المجال السياسي الداخلي لدولة أُخرى في أقصى الغرب، وهي ممارسات تحظرها وتُجرمها وتُدينها جميع الدول.

وطبقا لتجارب عدد لا حصر له من البلدان والامبراطوريات، كبيرها وصغيرها، والتي يحفل بها التاريخ السياسي البشري الطويل، فإن التساهل مع استلاب أي دولة للمجال السياسي لبلد آخر أمر بالغ الخطورة على وجود تلك الدولة وعلى تماسك وسلامة واستقرار مجتمعها، وعلى أمنها القومي، وعلى مصالحها، وعلى قوتها ونفوذها، وعلى علاقاتها. ذلك أن هذا التدخل يتكفل بشق وتعبيد الطرقات أمام فوضى من تدخلات الدول الأخرى، ويحدث ثغرات خطيرة للتأثير على آليات تشكيل السلطات والنُظم السياسية الحاكمة وعلى السياسات الداخلية والخارجية، ويفرض مصالح الدول المُتدخلة بصفتها موجها أساسيا حاكما للمنافسات السياسية في السباقات الانتخابية، التي تُقدم قرابين استرضاء الفاعلين الخارجيين الذين يعملون على مصادرة قرار تلك الدولة، وتجيير سياساتها الداخلية والخارجية، طبقا لحسابات مصالح دولهم، وهو مسار تندفع فيه المكونات السياسية المتنافسة للتفريط بكل حسابات مصالح بلدها ومجتمعها، والتورط في حالة جماعية من "الخيانة الوطنية،" لا فرق جوهري فيها بين العمل لصالح دولة حليفة وبين "العمالة" لصالح دولة مُعادية، ولا فرق فيها بين العمل لصالح إسرائيل وبين العمل لصالح روسيا، أو لصالح إيران، أو الإمارات.

لقد باتت هناك حالة من اليقين، على نطاق واسع حول العالم، بحقائق التحولات الكبيرة والمتسارعة وغير المسبوقة، الخاصة بوضع الولايات المتحدة الأمريكية، الذي تتعمد نُخبها السياسية، رهن مُقدراتها لصالح دولة أخرى، غارقة في الدم والفضاعات، رغُم كل ما تتكبده أمريكا من خسائر غير مسبوقة، بصفتها دولة فاعلة في المجال الدولي، وهي سمات مُشتركة، رافقت الأغلب الأعم من النخب السياسية التي عاصرت مراحل انهيار نُظم الامبراطوريات والدول التي ينتمون إليها ويتشيعون للذود عنها في وجه التفاعلات المُعرفة بوصفها معادية لها، بعد أن عايشوا مراحل تصاعد قوتها، والتي تُمثلها في الوقت الراهن، حالة الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تضاءل حيز نفوذها حول العالم، المعتمد للحفاظ على تبقى منه، بدرجة أساسية، على حامل وحيد، يتمثل بالقوة العسكرية، والتي لم تعد هي الأخرى بمنأىً عن منافسات الدول الأخرى التي تسعى إلى إنهاء التفوق الأمريكي فيه، مُستغلة تخلي الولايات المتحدة الأمريكية -أو خسارتها لا إرادياً- لا فرق، عن وعود الديموقراطية والحريات وحقوق الإنسان والعدالة، التي رافقت عُقود من الزمن الأمريكي، الذي تصاعد نفوذه وهيمنته المطلقة في ظل نظام القُطب الواحد، عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وانهيار نظام القطبين معه.

لذلك لم تعد مراجعة وإصلاح اختلالات وانحرافات سياسات النُخب الأمريكية الحاكمة والنافذة مُتطلبا من أجل حماية الفلسطينيين وغيرهم من ضحايا السياسات والتفاعلات الخارجية الأمريكية، في غير مكان حول العالم، ولا مُتطلبا من أجل حماية وتعزيز حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون الدولي والمواثيق والصكوك والاتفاقيات والإعلانات والعهود الدولية، من أجل وضع حد لجرائم الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ومن أجل مساءلة المسؤولين عن الانتهاكات حول العالم، على أهمية كل ذلك، بل باتت تلك المراجعة، والإصلاحات الجذرية التي يُفترض أن تتمخض عنها، حاجة أمريكية داخلية وجودية بالدرجة الأولى. ولا مبالغة في الذهاب للقول إن مدى استجابة النخب السياسية الأمريكية لإدراكها وإدراك ضرورتها الملحة سيتوقف عليها مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها دولة وعلاقات مجتمع، وعلاقات وأدوارا ذات صلة بكل العالم من حولها.

وبعد كل ذلك التماهي الأمريكي المُفرط، مع حكومة جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، الإسرائيلية، فإنه سيصعُب تصور كيفية التعامل مُستقبلاً مع كل أولئك الأشخاص الذين سيعودون بعد خسارة وظائف "إدارة بايدن"، إلى الحديث عن أهمية قيم حقوق الإنسان، ومباديء التعايش والسلام والعدالة وسيادة القانون.

لذلك، فإن اتخاذ النخب الأمريكية الحاكمة، بالمبادرة إلى إنجاز تغيير جذري في سياساتها، يبدأ بقرار صارم يقضي بوقف الحرب الإسرائيلية-الأمريكية الحالية، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، كُليا، والاعتراف بدولة فلسطينية ديموقراطية كاملة السيادة، وتدشين برامج إعادة الإعمار وجبر ضرر الضحايا والعدالة الانتقالية، وتعزيز ضمانات حقوق الفلسطينيين، ودعم مساءلة المسؤولين عن كافة الانتهاكات المروعة، في إطار تحول استراتيجي وفعال، هو السبيل الوحيد الذي يُمكنه معالجة الأضرار الجسيمة التي لحقت بالمركز الاعتباري للولايات المتحدة الأمريكية، محليا ودوليا، نتيجةً لتراكم طويل من السياسات الخاطئة، في غير مكان حول العالم، من الهجمات بالقنابل النووية على هيروشيما وناجزاكي في اليابان، مروراً بحروبها في فيتنام والصومال وأفغانستان والعراق، ومشاركاتها في العديد من الحروب في سوريا واليمن وأوكرانيا، وتقع في صدارة أدوارها الخارجية السلبية شراكتها المُطلقة مع احتلال إسرائيل وحروبها العديدة ضد الفلسطينيين، وهو إرث قاتم، يُعرف الولايات المتحدة الأمريكية بصورة لا تختلف كثيرا عن تعريف النظام الإيراني والنظام الروسي، والنظام في كوريا الشمالية، وكل أنظمة العالم الثالث، والأنظمة الديكتاتورية حول العالم، بعد أن ضُبطت الولايات المتحدة الأمريكية، غير مرة، متلبسة بتكريس حالة خطيرة من ازدواجية المعايير، في التعامل مع مسائل حقوق الإنسان والانتهاكات والأزمات الإنسانية ومع ضحايا الحروب والصراعات في مختلف أنحاء العالم. فهي تبادر بتحركات فعالة لإدانة المسؤولين عن الانتهاكات في بعض الحروب والصراعات والأزمات، والتضامن مع ضحاياها، وتنشط بتحركات فعالة لفرض غض الطرف عن المسؤولين عن الانتهاكات فيها، لحمايتهم من أي إدانة أو مساءلة، ولغض الطرف عن ضحاياها، في صراعات وحروب أخرى، تُرتكب خلالها ذات الفضاعات والانتهاكات. ما يعني أن ما يحدد طبيعة تحركاتها، على أي من الاتجاهين المتضادين كليا، هو هويات المسؤولين عن الانتهاك وهوية الضحايا، وهو أحد وجوه ممارسات التمييز السافر والمشين بين الضحايا والمنتهكين تبعا للمزاج السياسي، ضدا لكل مبادئ وقيم حقوق الإنسان، ومعايير سيادة القانون الدولي الإنساني والعدالة، ولم يقف ضرر ازدواجية المعايير عند حدود تقويض سمعة الولايات المتحدة الأمريكية وسياساتها، بل تعدى تلك الحدود إلى تقويض آليات الأمم المتحدة، وإلى تقويض الإيمان بقيم حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وبالصكوك والاتفاقيات والإعلانات والعهود الدولية، على نطاق واسع في مختلف أنحاء العالم.

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.