بالإضافة إلى جملة من الحقائق التي كشفتها حرب غزة، فقد أزالت الإبهام والالتباس عن نمطين رئيسيين من أنماط التحالفات الإقليمية والدولية.
يتمثل النمط الأول في أنموذج إسرائيل وحلفائها وداعميها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، حيث قدمت أمريكا كافة أشكال الدعم العسكري والأمني والاستخباراتي والمالي والسياسي والدبلوماسي والإعلامي، وحركت غير مرة فرقاطاتها للذود عن إسرائيل، وحركت منظوماتها الدعائية الضخمة لخدمة السردية الإسرائيلية، وتسابقت نخبها السياسية، الجمهورية والديمقراطية، لتقديم كافة أشكال الدعم لإسرائيل في جميع مراحل حربها المروعة ضد الشعب الفلسطيني، وتبني أكاذيبها وفبركاتها ومقولاتها المُضللة.
ويتمثل النمط الثاني في أنموذج الشعب الفلسطيني وداعمي حقوقه المشروعة، وعلى رأسهم حزب الله والجمهورية الإسلامية الإيرانية، والفصائل المتحالفة معها، حيث الدعم المحدود، المُتخفي والمُتستر، والمنحصر علناً بالتعليقات والدعوات، مع الترقب بحياد خطوات الاستباحة الإسرائيلية لكل الخطوط الحمراء، جنوب الكلب الإسرائيلي المسعور، في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية، وشماله في الجنوب اللبناني، وفي عمقه، حيث يتلقى حزب الله منفرداً ضربات قاصمة، بظهر مكشوف، أمنياً وعسكرياً وسياسياً، على حدٍ سواء، في معركة اختار فيها نتنياهو، بحرية تامة، أوانها ومداها.
لقد وهبت الحسابات المُجزأة من قبل الأطراف المُعادية لإسرائيل في المنطقة فرصاً لم يكن ليحلم بها الكلب الإسرائيلي المسعور، مكنته من الاستفراد بكل طرف منها على حدة، يختار بحرية تامة زمن وسقف ومكان وترتيب معاركه، ويمتلك زمام المبادرة والمبادأة والهجوم والرد والدفاع، فيما كان يمكن للتعامل وفقاً لحسابات موحدة عند يوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، أن يضيق هامش المُبادرة والمبادأة وخيارات الكلب الإسرائيلي المسعور في الهجوم والرد والدفاع، سواء داخل قطاع غزة والأراضي الفلسطينية أو في غير مكان من المنطقة، وأن يضع الآلة الحربية الإسرائيلية تحت ضغط متعدد يتجاوز حدود سقف قواعد الاشتباك المقرر طبقاً للاحتياج الإسرائيلي.
ولذلك، على مدى عام كامل، استفردت إسرائيل بالفصائل الفلسطينية وبالشعب الفلسطيني عموماً، وتمادت في كسر كافة الخطوط الحمراء، وأقدمت على عمليات نوعية على امتداد خطوط التماس، وفي أكثر من عمق، خارج حدود المعركة الرئيسية في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة. ولولا اطمئنان آلتها الحربية لابتلاع الأطراف المُعادية لها؛ لضفادعها واحداً تلو الآخر، دون ردع أو رد، لما جازفت بأي من عملياتها النوعية، حيث تتولى تطويع خصومها على سقوف جديدة في عمق حدودها الحمراء، والثابت بالتجربة أنها لن تتوقف في غزواتها عند حد، طالما أن خصومها من الدول والتشكيلات يراوحون في حدود الصبر الاستراتيجي وتكرار إعلان الاحتفاظ بحق الرد المُرسل.
إن البقاء في موقف المترقب لما يفعله الكلب المسعور كنهج لاستكشاف المدى الذي سيذهب إليه تحت عنوان منع اندلاع حرب إقليمية واسعة، أثبت فشله الذريع، بل إنه يُعبد فعلياً الطريق إلى تلك الحرب، ولكن بشروط أمنية وعسكرية وجيوسياسية ضامنة لانتصار إسرائيلي مطلق، يُعدم فرص السلام ليس في فلسطين وحسب، بل وفي المنطقة برمتها.
إن ترك الفلسطينيين يواجهون الآلة الحربية الإسرائيلية سيُضاعف الكُلف الباهظة التي ستدفعها المنطقة ومجتمعاتها وحكوماتها ودولها دون أي استثناء.
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.