ملخص
تهدف هذه الدراسة إلى تناول تجربة إصلاح قطاع الخدمة المدنية في إثيوبيا ضمن سياق الحكم الفيدرالي بعد عام 1990، واستعراض السياسات والإجراءات التي تم تنفيذها لتحسين فاعلية الخدمة المدنية وكفاءتها في إثيوبيا، فضلا عن تحليل نجاحات هذه الإصلاحات وتعثراتها، مع استخلاص الدروس التي يمكن أن تفيد اليمن في تنفيذ إصلاحات مشابهة.
وقد احتوت الدراسة على أربعة فصول، تضمنت تناول نظام الحكم السياسي لأثيوبيا، وكيفية نشأة الحكم الفيدرالي في أثيوبيا وإنجازاته وتحدياته، مع تناول الإصلاح الإداري للخدمة المدنية في إثيوبيا ضمن توجهات النظام الفيدرالي، وأخيرا اليمن والاستفادة من تجربة إثيوبيا في إصلاح قطاع الخدمة المدنية.
واستندت الدراسة على منهج مراجعة الأدبيات والمنهج التحليلي، واعتمدت بشكل رئيس على مراجعة الأدبيات المتوفرة من دراسات وتقارير أكاديمية وحكومية، ومنظمات دولية تناولت إصلاحات الخدمة المدنية في إثيوبيا. فضلا عن اعتماد التحليل على الملاحظات الشخصية للباحثة بهدف تقديم فهم أعمق حول كيفية تأثير الفيدرالية على هيكل الخدمة المدنية وأداء الجهاز الحكومي في إثيوبيا.
وتوصلت الدراسة إلى أن الإصلاحات الإثيوبية في إطار النظام الفيدرالي قد حققت بعض النجاحات الجيدة في تحسين كفاءة الخدمة المدنية، على الرغم من التحديات التي واجهتها في مجال التنفيذ بسبب قضايا سياسية واجتماعية معقدة، وهو ما يعكس أهمية التخطيط التدريجي والتنفيذ المنظم للإصلاحات في السياقات الفيدرالية.
وتوفر هذه التجربة دروسًا قيمة لليمن، لاسيما فيما يتعلق بتأثير الحكم الفيدرالي على هيكل القطاع العام والإدارة الحكومية. وخلصت الدراسة إلى ضرورة تبني اليمن إصلاحات تدريجية، وتحسين التدريب الإداري، وتعزيز التنسيق بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية، شريطة وجود الإرادة والبيئة السياسية والأمنية المستقرة.
تعد الفيدرالية بمنزلة النظام الداخلي لمؤسسة مستقلة القرار تخضع لتشريعات الإدارة العامة التي يؤطرها الدستور الوطني. وتعد العملية الإدارية لممارسة النظم السياسية مهما جدا؛ لأن حدوث أي تغيير لنظام بلد ما بغية تحقيق التطور والتقدم لشعبها يرافقه عمليات إصلاح كبيرة وواسعة. وهذه العمليات تستهدف في مقدمتها قطاع الإدارة العامة، لاسيما قطاع الخدمة المدنية؛ كونه يضم الكوادر البشرية العاملة في مؤسسات الدولة، فضلا عن أنه المسؤول عن تقديم الخدمات للمواطنين الذين يجب أن يكونوا على معرفة كاملة بالنظم الإدارية الحديثة وانعكاساتها على صلاح الحكم في البلد، وأيضا مزودين بالمهارات والقدرات والأخلاقيات التي تتطلبه الوظيفة العامة الساعية لخدمة المواطنين وتحقيق السياسات العامة للبلد.
وتجدر الإشارة إلى أن ثمة ارتباطا وثيقاً بين النظم السياسية الاتحادية والإدارة العامة، فكل منهما يؤثر في الآخر، في تقديم الإنجازات، وتحقيق الأهداف لاسيما تأثير الإدارة العامة على الفيدرالية. وبحسب كثير من المختصين في هذا المجال، فهم يتوقعون بأنه من المحتمل أن يحتل منظور الإدارة العامة وإصلاحه، أهمية كبيرة في تطوير النظريات المتعلقة بالنظم الاتحادية وإنجاح الممارسات، والعكس صحيح، فوجود نظام فيدرالي حقيقي يتمتع بالخصائص التي تحقق الاستقرار والتنمية لأي بلد اختار الفيدرالية نظام حكم يؤثر على الإدارة العامة، وعلى تطورها بما يواكب توجهات البلد (O'toole JR، 2017).
إن إثيوبيا، التي تبنّت النظام الفيدرالي منذ عام 1991، شهدت إصلاحات سياسية واقتصادية عميقة ومتعددة الجوانب، وهذا التحول الفيدرالي أحدث تغييرات كبيرة في بنية الدولة، إذ انتقلت من نظام الحكم المركزي إلى نظام فيدرالي يعتمد على توزيع السلطات بين الحكومة المركزية والأقاليم. وتم إنشاء كيانات ذات حكم مركزي على مستوى الأقاليم، وتم نقل عدد من الصلاحيات والمهام إليها، مما منح الأقاليم استقلالية أكبر في إدارة شؤونها الداخلية وتنمية اقتصادها.
ونظرًا إلى أهمية قطاع الخدمة المدنية، بدأت إثيوبيا في تنفيذ إصلاحات شاملة في هذا القطاع، إذ إن نجاح تنفيذ السياسات والاستراتيجيات الحكومية يعتمد بشكل كبير على كفاءة موظفي الخدمة المدنية وأجهزتها. فعندما تكون قدرة الخدمة المدنية على أداء مهامها محدودة، فإن تنفيذ السياسات الحكومية والاستراتيجيات يواجه صعوبات كبيرة وقد يتعرض للتعثر أو التوقف.
وكان برنامج إصلاح الخدمة المدنية، الذي بدأ في عام 1991، جزءا من محاولة أوسع لتنفيذ سياسة الانتقال من الممارسة القديمة المتمثلة في هيمنة النظام الواحد على نظام المشاركة في الحكم، وتغيير النموذج الاقتصادي المخطط مركزيا إلى متغير في السوق.
تتناول هذه الدراسة، بوصفها إحدى التجارب الهامة، برنامج الإصلاح الإداري في قطاع الخدمة المدنية بدولة إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، وسيتم التركيز على مدة التحول إلى النظام الفيدرالي بعد عام 1990 وحتى الوقت الحاضر، مع استعراض الإنجازات التي تم تحقيقها في إطار هذا الإصلاح، فضلا عن التحديات التي تعيق تقدمه.
وسيتم تناول بعض الأحداث والمراحل للتاريخ السياسي الإثيوبي، وصولا إلى تبني نظام الفيدرالية بوصفها نموذج حكم للبلد، نظراً إلى أهمية الفيدرالية كونها أحدثت تحولا كليا في إثيوبيا استهدف مجالات الحياة والممارسات جميعها في البلد التي حفزت لتبني برامج الإصلاح المختلفة وتنفيذها والمتابعة في تقييمها وتنفيذها إلى يومنا هذا.
وأخيرا، سيكون هناك قراءة تحليلية تتناول الكيفية التي يمكن لليمن أن يستفيد بها من تجربة إثيوبيا الفيدرالية في إصلاح قطاع الخدمة المدنية.
أهمية الدراسة
تتمثل أهمية هذه الدراسة في جوانب رئيسة عدة، وهي كالآتي:
1. إثراء الأدبيات الأكاديمية: تقدم الدراسة إسهامًا في إثراء الأدبيات الأكاديمية حول فهم إصلاحات الخدمة المدنية في إطار الأنظمة الفيدرالية من خلال دراسة تجربة الحالة الإثيوبية التي تقدم نموذجًا في هذا السياق الذي لم يحظ بعد بالتحليل الكافي في الأدبيات العربية.
2. تحليل فاعلية التجربة: تعمل الدراسة على التحليل المعمق لنجاحات الإصلاحات الإثيوبية وتعثراتها وتحدياتها، مع إبراز الفرص المأمولة لاستمرار نجاحها وتحقيقها لأهدافها.
3. تقديم دروس مستفادة لليمن: تسهم الدراسة في تقديم توصيات عملية لليمن في سياق إصلاح قطاع الخدمة المدنية ضمن خيار النهج الفيدرالي بناءً على تجربة إثيوبيا، مما يساعد على تجنب الأخطاء المماثلة وتوجيه السياسات اليمنية بشكل أكثر فاعلية.
4. تقديم دروس مستفادة عامة: تسهم هذه الدراسة في تقديم تحليل دقيق للتجربة الإثيوبية، مما يعزز فهم إصلاحات الخدمة المدنية في سياق الحكم الفيدرالي.
أهداف الدراسة
1. تحليل تجربة إصلاح الخدمة المدنية في إثيوبيا: دراسة الإصلاحات التي تم تطبيقها لإصلاح قطاع الخدمة المدنية بعد العام 1990م في ظل نهج الحكم الفيدرالي وتوجهاته.
2. تقييم تأثير الفيدرالية على إصلاحات الخدمة المدنية: استكشاف العلاقة بين تطبيق نظام الحكم الفيدرالي في إثيوبيا وتنفيذ إصلاحات الخدمة المدنية، وتحديد العوامل التي أسهمت في نجاح أو تعثر هذه الإصلاحات.
3. تحليل التحديات والعوائق التي تواجه الإصلاحات مع فرص الاستمرار والنجاح: تحديد التحديات والعوائق التي واجهت إثيوبيا أثناء تنفيذ إصلاحات الخدمة المدنية في ظل النظام الفيدرالي، مع تحليل فرص الاستمرار والنجاح وتحديدها.
4. استنباط الدروس المستفادة لليمن: استخلاص الدروس المستفادة من التجربة الإثيوبية ضمن سياق الحكم الفيدرالي. وتقديم توصيات قابلة للتطبيق في اليمن بهدف تحسين فعالية الخدمة المدنية وتعزيز الكفاءة الإدارية.
المنهجية
اعتمدت هذه الدراسة على مجموعة موثوقة من المصادر العلمية (كتب، ودراسات، وأبحاث)، وعلى التقارير الحكومية، وتقارير المنظمات والجهات الدولية. ومن خلال أربعة فصول تمت الدراسة، وكانت على النحو الآتي: الفصل الأول تناول خلفية سياسية لمحطات نظام الحكم السياسي وتحولاته في إثيوبيا خلال الفترة من القرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر، وفي الفصل الثاني وصف تجربة الفيدرالية والإصلاحات التي جرت في إثيوبيا منذ عام 1990م ، أما الفصل الثالث فاستعرض الإصلاح الإداري للخدمة المدنية في إثيوبيا ضمن توجهات النظام الفيدرالي مع الإنجازات والتحديات والفرص المتاحة مستقبلاً، واستخلص الفصل الرابع الدروس العامة التي يمكن أن يستفيد منها اليمن في إطار إصلاحاته الإدارية في حال انتهجت البلد خيار الفيدرالية بعد توقف النزاع المسلح وبدأ عملية الاستقرار السياسي.
واستعانت الدراسة بمنهج مراجعة الأدبيات والمنهج التحليلي لتحليل الأدبيات والوثائق الذي تناول تجربة إصلاح قطاع الخدمة المدنية في إثيوبيا في سياق الحكم الفيدرالي.
وهذه الدراسة لم تشمل جمع بيانات أولية من خلال مقابلات أو استطلاعات، بل اقتصرت على تحليل الأدبيات المتاحة والمشاهدات والملاحظات الشخصية للباحثة، وكانت أساسا لفهم السياق والنتائج المترتبة على هذه الإصلاحات.
الدراسات السابقة
1-دراسة Gebeye (2023)" أربعة أوجه للفيدرالية الإثيوبية".
هدفت هذه الدراسة إلى تحليل الفيدرالية الإثيوبية، وتقديم منظور نقدي يتجاوز تصنيفها التقليدي بوصفها "فيدرالية عرقية". واستخدمت الدراسة منهجية تحليلية تستند على دراسة الدستور الإثيوبي والنظرية السياسية التي تدعمه، مع التركيز على تأثير الأوجه الأربعة للفيدرالية الإثيوبية في ممارسة الديمقراطية الدستورية في الماضي واحتمالات تأثيرها على المستقبل.
وتوصلت إلى أن الفيدرالية الإثيوبية تتسم بتعقيد يتجاوز التصور التقليدي لها كـ "فيدرالية عرقية"، إذ تتمثل في أربعة أوجه رئيسة: الوحدة، والفيدرالية، والاتحاد الفيدرالي، والإثنوقراطية. وأظهرت النتائج أن الطابع الوحدوي للفيدرالية الإثيوبية يعوق تحقيق الوعود الفيدرالية، في حين يطغى جانب الاتحاد الفيدرالي على روح الفيدرالية، مما يؤدي إلى ضعف التطبيق الفعلي للنظام الفيدرالي. وأوصت الدراسة الفاعلين السياسيين والباحثين بإعادة تقييم التجربة وبرامجها وأدواتها بما يؤدي إلى بناء ديمقراطية فيدرالية شاملة.
2-دراسة الماوري (2022) " إصلاح جهاز الإدارة العامة وتحديات إعادة بناء الدولة في اليمن".
هدفت هذه الدراسة إلى تسليط الضوء على واقع جهاز الإدارة العامة في اليمن بما في ذلك قطاع الخدمة المدنية، وتأثير الأحداث التي مرت بها اليمن منذ اندلاع ثورة الشباب في عام 2011 وحتى الوقت الحالي على هذا الجهاز. كما تسعى إلى تقييم ما إذا كان هذا الجهاز في وضعه الحالي يعد عاملًا مساعدًا أم معوقًا لجهود إعادة بناء الدولة في المرحلة المقبلة.
وقد اعتمدت الدراسة على منهجية نوعية مستخدمة الأسلوب التحليلي لمراجعة الوثائق والدراسات والأدبيات السابقة. وتوصلت إلى أن جهاز الإدارة العامة كان يعاني من اختلالات سابقة، وقد أدت الأحداث التي شهدها اليمن منذ 2011، فضلا عن الحرب المستمرة منذ عام 2015، إلى تفاقم هذه الاختلالات وزيادة الانقسام داخل الجهاز، مما حد من قدرته على أداء دوره الخدمي والتنموي.
وأوصت الدراسة بضرورة أن تولي الحكومات المقبلة اهتمامًا خاصًا بهذا الجهاز، والعمل على إصلاحه وفق منهجية علمية متكاملة لضمان قيامه بدوره التنموي والخدمي بحيادية ومهنية.
3-دراسة Fessha & Dessalegn(2022) "التحديات في الفيدرالية العرقية في إثيوبيا بعد 1991 المرتبطة بالأحزاب السياسية العرقية".
هدفت هذه الدراسة إلى تقييم التحديات التي واجهها نظام الفيدرالية في إثيوبيا بعد عام 1991، ومدى نجاح الفيدرالية بوصفها أداة للتحول الديمقراطي والاستقرار في البلاد. واستندت الدراسة إلى منهج التحليل النقدي للخطاب السياسي والدستوري، واستعرضت التغيرات التي طرأت على النقاشات السياسية حول الفيدرالية في إثيوبيا.
وتوصلت إلى أن الفيدرالية لم تلقَ ترحيبًا واسعًا عند تقديمها في أوائل التسعينيات، إذ رأت الحركات التحررية القومية الفيدرالية وسيلة لتحقق الديمقراطية والاستقرار، في حين رآها آخرون محاولة لتفكيك البلاد. وأظهرت الدراسة عددا من النتائج كان أهمها: إن النقاشات حول الفيدرالية تطورت بشكل ملحوظ، إذ تحولت من مناقشة مدى أهمية الفيدرالية إلى النقاش حول طبيعتها وتشكيلها، وما ينبغي أن تكون عليه مستقبلاً.
وأوصت بضرورة إعادة النظر في هيكل الفيدرالية الإثيوبية لضمان تحسين العلاقات بين المكونات العرقية وتخفيف الانقسامات السياسية والاجتماعية.
4-دراسة Worku M. Tadesse (2019) "إصلاح الخدمة العامة في إثيوبيا: التحديات والفجوات بعد التنفيذ".
هدفت هذه الدراسة إلى تحديد التحديات والفجوات التي تم ملاحظتها في مرحلة ما بعد تنفيذ برامج إصلاح الخدمة المدنية في إثيوبيا. واستخدمت المنهج الوصفي التحليلي والمنهج الاستكشافي، واستعملت أداة المقابلة القصدية لجمع البيانات، إذ تم اختيار أربعة عشر مشاركاً، وتم الأخذ في الحسبان مشاركتهم في تنفيذ برامج إصلاح الخدمة المدنية ومرحلة ما بعد التنفيذ.
وأظهرت الدراسة أن برامج الإصلاح كانت مفروضة من الأعلى إلى الأسفل، وكانت تفتقر إلى الالتزام المطلوب من القيادات على المستويات الدنيا والموظفين، كما أظهرت أن جوهر الإصلاح واستراتيجياته كانت مستوحاة من نماذج دول أخرى وتم تنفيذها في إثيوبيا في جميع القطاعات دون إجراء التعديلات والتخصيصات اللازمة بما يتناسب مع السياق المحلي. وقد أوصت الدراسة بإجراء دراسة طويلة الأمد للحصول على قرارات مستنيرة بشأن مبادرات الإصلاح في إثيوبيا.
5- دراسة المقطري (2018) "خيار الدولة الاتحادية في اليمن: الخلفيات والمبررات وتحديات الانتقال".
هدفت الدراسة إلى تحليل شكل الدولة اليمنية مع التركيز على خيار الدولة الاتحادية، ودراسة الأسباب التي أدت إلى تبني هذا الخيار، فضلا عن خلفيات المطالبة به والمبررات والتحديات المرتبطة بالانتقال إلى هذا الشكل. واستخدمت الدراسة منهجية التحليل التاريخي والنقدي لاستعراض المطالب السياسية والدستورية، مع التركيز على المراحل المختلفة لتطور فكرة الدولة الاتحادية في اليمن.
وخرجت الدراسة بنتائج مفادها أن الاتجاه نحو الدولة الاتحادية أصبح الخيار الأنسب لتجاوز الوضع السياسي الراهن، وأن المطالب بتغيير شكل الدولة تبلورت تدريجيًا عبر مراحل عدة، وأظهرت الدراسة أن القوى السياسية المختلفة في مؤتمر الحوار الوطني الشامل قدمت رؤى متنوعة حول شكل الدولة، مع وجود مخاوف وتحديات مرتبطة بالتحول إلى الدولة الاتحادية.
وأوصت الدراسة بضرورة الانتقال التدريجي نحو الدولة الاتحادية، مع التأكيد على أهمية إيجاد توافق شامل بين مكونات المجتمع اليمني لضمان نجاح عملية التحول.
6-دراسة Markos (2013) "إصلاح الخدمة المدنية في إثيوبيا: القضايا والدروس والاتجاهات المستقبلية".
هدفت هذه الدراسة إلى مراجعة متعمقة لنجاحات جهود إصلاح القطاع العام وتحدياته في الخدمة المدنية في إثيوبيا بهدف مساعدة الدول النامية الأخرى على الاستفادة من تجارب إثيوبيا لتحسين محتوى إصلاحات القطاع العام ونهجه لديها. واستخدمت الدراسة المنهج النوعي، واعتمدت على أسلوب تحليل الأدبيات والوثائق لتحديد النجاحات والتحديات والاتجاهات المستقبلية المتوقعة لإصلاحات الخدمة المدنية.
وخلصت الدراسة إلى أن برامج إصلاح القطاع العام في إثيوبيا حقق نجاحات ملموسة، لاسيما في مجالات تقديم الخدمات للمواطنين. ومع ذلك، فإن البرنامج الإصلاحي يواجه تحديات كبيرة، مثل نقص المساءلة والشفافية من جانب المؤسسات المنفذة، وعدم كفاية الحوافز المادية والمعنوية للموظفين، مما يعوق القدرة على إدارة عملية التنفيذ، وكذلك المشاركة من جانب أصحاب المصلحة.
7-دراسة Mengesha & Common(2006) " إصلاح الخدمة المدنية في إثيوبيا: النجاح في وزارتين".
هدفت هذه الدراسة إلى تقييم نتائج الإصلاحات في قطاع الخدمة المدنية التي تم إجراؤها ضمن برامج الإصلاح الإداري وإصلاح القطاع العام في أثيوبيا. واستندت الدراسة إلى المنهج الوصفي التحليلي، وكانت أداة الدراسة هي الاستبانة، إذ تم إجراء مسح صغير النطاق أُجري في وزارتين.
وأظهرت النتائج عن تحول ملحوظ في تقديم الخدمات في كل من الوزارتين، كما تم تسجيل مستويات عالية جدًا من رضا المستخدمين وتحسينات مذهلة في الأداء نتيجة لإدخال إعادة هندسة العمليات التجارية على الرغم من أن عملية التغيير في كلتا الوزارتين كانت تميل إلى أن تكون بطيئة، إلا أن هذه التحسينات تبدو بارزة في سياق نظام الإدارة العامة في إثيوبيا.
وأوصت الدراسة الحكومة بالحفاظ على زخم الإصلاح، وتعميم إعادة هندسة العمليات التجارية وعناصر الإصلاح الأخرى على الأقسام والإدارات ووحدات العمل الحكومية الأخرى. وأوصت أيضا بأنه يجب على الحكومة أن تضع أنظمة حوافز ونظام متابعة مناسب لحماية الإصلاح من التراجع.
جمهورية أثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية
بين الماضي والحاضر
(محطات نظام الحكم السياسي وتحولاته في إثيوبيا خلال المدة من القرن التاسع عشر إلى الوقت الحاضر)
أولاً: النظام السياسي لدولة إثيوبيا
لمحة موجزة عن الأحداث والتقلبات السياسية التي شهدتها إثيوبيا وقادتها إلى التحول وبناء الدولة الحديثة
خلال المدة من (القرن التاسع عشر إلى العام الوقت الحاضر)
مدخـــــل
إثيوبيا هي دولة غير ساحلية تقع في منطقة القرن الإفريقي في شرق القارة الإفريقية، وهي واحدة من أقدم الدول في العالم التي لها تاريخ طويل وثقافة غنية. وتحدها جيبوتي شرقا، والصومال من الجنوب الشرقي، وجنوب السودان غربا، وكينيا جنوباً، وأريتريا شمالا، والسودان من الشمال الغربي.
وتدعى إثيوبيا رسميّاً جمهوريّة إثيوبيا الفدراليّة الديموقراطيّة، الّتي كانت تسمّى بلاد الحبشة قديماً، وأديس بابا هي العاصمة السياسية والرسميّة لدولة أثيوبيا. وتبلغ المساحة الإجمالية للبلد (1.104.300) كيلومتر مربع. وفقاً لمؤشرات العام 2024 السكانية، ويبلغ مجموع سكان البلد (130) مليون نسمة، مما يجعلها الدولة الثانية عشر الأكثر اكتظاظًا بالسكان في العالم مع معدل نمو سكاني سنوي قدره 2.9٪، وهي ثاني أكثر البلدان سكانا في أفريقيا (The World Factbook. 2024).
وفيها أكثر من (80) مجموعة عرقية، منها أورومو (34٪)، وأمهرة (27٪)، وتيغراي (6.1٪)، والصومالي (6.1٪)، وسيدامو (4.2٪) وهناك قوميات أخرى أصغر في إثيوبيا، مثل الغوراغ، والولياتا، وعفار، وهادييا، وغامو، وغيرها (The World Factbook. 2024).
ويشكل المسيحيون نسبة (62.8٪) من سكان البلاد، في حين يشكل المسلمون (33%)، وبقية النسبة تتوزع بين أتباع الديانة البهائية في عدد من المناطق الحضرية والريفية، وفصلا عن ذلك هناك عدد قليل من أتباع الديانات التقليدية.
وتعد الأمهرية هي اللغة الاتحادية (الرسمية - لغة الأمة)، والإنجليزية هي اللغة الرئيسة المستعملة في عدد من العلاقات الدولية (Article 5,2014 (Ethiopian constitution,.
وإثيوبيا هي بلد حضارة، ولديها تاريخ عريق منذ ثلاثة آلاف سنة مع إنشاء مملكة أكسوم، التي مازالت آثارها قائمة إلى اليوم. وكانت سلالة أكسوم تشتهر بوصول حكمها إلى دول عدة بحسب ما هو مؤرخ تاريخياً (Gidada، 2015). ثم بعد ذلك الوقت، كان معظم تاريخ البلاد مليئا بإمارات القبائل الذين يتقاتلون فيما بينهم من أجل مزيد من السيطرة على الثروة والسلطة.
وكانت إثيوبيا قبل عام 1991 تعاني من الظلم الاجتماعي القاسي، والاستغلال الاقتصادي، والاضطهاد السياسي الذي كان سائدا وبلا رحمة. وقد عانى المواطنون الإثيوبيون من التمييز اللغوي والثقافي والديني، ونتيجة لذلك، كان هناك حالات لعدم الرضا، مما أدى إلى قيام الثورات في أجزاء مختلفة من إثيوبيا (Gidada، 2015). وقد تطورت حركات الرفض والثورات إلى حركات مسلحة منظمة. وبحلول عام 1991 قاتلت حركات عدة ضد الحكومة الإثيوبية كانت تسعى إلى تقرير المصير والاستقلال لمناطقها، وكانت لحركات التحرير هذه مناطق واسعة تحت سيطرتها.
وفي الفقرات الآتية سيتم استعراض التحولات السياسية لنظام الحكم في إثيوبيا التي أوصلت البلد إلى تبني نظام الفيدرالية الاتحادية الإثيوبية. وبداية كان من المهم الحديث بإيجاز عن تشكل الدولة الإثيوبية الحديثة بشعوبها ذات الأعراق المختلفة.
1- تشكل الدولة الإثيوبية الحديثة ذات الأعراق المختلفة
إن إيجاد دولة اتحادية حديثة بمؤسساتها الدستورية والإدارية، يعتمد على تجارب قوية أثرت في ظهور هذه الدولة، ومن المهم في ذلك النظر إلى السياق التاريخي، وتحليل مجرياته، كونه يلقي بظلاله ويؤثر بشكل كبير في حدوث تحول جذري في الأنظمة السياسية، والدستورية، والإدارية لأي دولة كانت.
وإثيوبيا هي بلد لديها تاريخ طويل من الدولة، والدولة الإثيوبية الحالية هي أساساً نتيجة لعملية دمج الإمبراطور منليك، مع الدولة الحديثة التي بدأها تودوروس، وأنشأها يوهانيس، ليتم توحيدها من قبل مينليك وأكملها
هيلاسيلاسي (Tadesse،2017).
وبناء على التفسير التاريخي لظهور إثيوبيا الحديثة مع شعوبها مختلفة الأعراق، فإن (إعادة التوحيد، أو التوسيع، أو الاستعمار) أثناء حكم الأباطرة، كانت السبب في ظهور جماعات عرقية مختلفة، لها هويتها، وثقافتها، ولغتها الخاصة، والمتوحدة داخل إمبراطورية حديثة (Zegeye، 1996)، وهذا التوسع كان أيضاً مرافقاً للثقافة الأمهرية، وهي ثقافة الطبقة الحاكمة ومرجعيتها التي كانت مهيمنة على الجماعات العرقية التي تم ضمها إلى إثيوبيا. وباسم الوحدة الإثيوبية، كانت هناك محاولة لقمع جميع الهويات غير الأمهرية، وقد تفاقمت الهيمنة السياسية بسبب الهيمنة الثقافية والاستغلال الاقتصادي. ولكي يكون جميع الأشخاص غير الأمهريين داخل هيكل الدولة، فكان يفترض أن يتكلموا الأمهرية، ويعتمدوا ثقافة الطبقة الحاكمة ودينها. وأسفرت هذه السياسة التمييزية عن تمثيل غير متكافئ لمختلف المجموعات الإثنية في الحكومة المركزية. وكانت حالة الإثيوبيين الجنوبيين أسوأ. ولذلك، فإن تشكيل الإمبراطورية الإثيوبية الحديثة، تميز بالاستبعاد السياسي، والاستغلال الاقتصادي، والهيمنة الثقافية. وبسبب قمع الجماعات العرقية المختلفة، فقد أطلق على إثيوبيا لقب (دار الأمم والقوميات)؛ لزخم تنوع المرجعيات العرقية والثقافية.
2- لمحة موجزة عن التاريخ السياسي لإثيوبيا
أ-النظام السياسي ما بين القرن التاسع عشر إلى العام 1974م
منذ القرن التاسع عشر، بذلت إثيوبيا جهودًا لتوحيد الدولة، إذ أسس الإمبراطور تيودروس إثيوبيا الحديثة في منتصف القرن التاسع عشر، وتبعه الإمبراطور منليك الثاني الذي سعى إلى توسيع الأراضي الإثيوبية. وفي حكم منليك، توسعت الدولة، وشُيدت بنية تحتية من طرق وكهرباء وتعليم، وأصبحت أديس أبابا عاصمة البلاد. وقد خاضت إثيوبيا معركة عدوة عام 1896 ضد إيطاليا، مما أسفر عن هزيمة القوات الاستعمارية الإيطالية.
وفي تلك المدة فرضت الدولة الإثيوبية هيمنة الأمهرية السياسية والثقافية، إذ كان الأباطرة يمثلون هذه العرقية، ما أدى إلى تعزيز السلطة المركزية على حساب الأعراق الأخرى مثل الأورومو. وقد فسرت جبهة تحرير أورومو حربها ضد الدولة بأنها كانت حربًا لتحرير الشعب الأورومي من الهيمنة الثقافية والسياسية الأمهرية، وتعدها جزءًا من مقاومة الاستعمار الداخلي (Tadesse،2017).
وفي عام 1935، غزت إيطاليا إثيوبيا مجددًا، مما أدى إلى فقدان البلاد استقلالها حتى عام 1941، وعندما استعادت إثيوبيا استقلالها بمساعدة الجيوش البريطانية (Zegeye، 1996، 5)، عاد الإمبراطور هيلا سيلاسي إلى الحكم، وأصدر بعض الإصلاحات مثل الدستور عام 1931 ومراجعته في 1955، مع استمرار هيمنة السلطة المركزية (Selassie، 2017، 33).
وفي السبعينات، شهدت البلاد موجة من الإضرابات والمظاهرات بسبب القحط والظروف الاقتصادية الصعبة، مما أدى إلى تمرد في الجيش أسفر عن الإطاحة بالإمبراطور هيلا سيلاسي في 1974، وتولي الحكومة العسكرية بقيادة الجنرال تفرى بنتي، الذي أعلن البلاد دولة اشتراكية بعد تعطيل الدستور وحل البرلمان. وقد توفي هيلا سيلاسي في 1975 تحت ظروف غامضة (Whitman، 2016).
ب-النظام السياسي العسكري خلال المدة من (1974-1991) :
حكمت إثيوبيا السلطة العسكرية خلال المدة من 1974 إلى 1991، وتعهدت بإقامة دولة الحزب الواحد، وأطلقت برنامجًا ناجحًا للإصلاح الزراعي، في حين قُمعت المعارضة بشدة، وتم تقليص نفوذ الكنيسة القبطية. وفي 1977، قُتل الحاكم العسكري تفري بنتي ليحل محله العقيد منغستو هيلا مريام، الذي قاد حربًا أهلية عنيفة ضد المعارضين (Ethiopian Treasures، 2019)، بما في ذلك الحركات الإيدلوجية والعرقية، مثل جبهة تحرير إريتريا، وجبهة تحرير أورومو، وجبهة تحرير شعب تيغراي، التي ناضلت من أجل الحكم الذاتي.
وخلال فترة "الإرهاب الأحمر" (1977-1979)، قُتل آلاف الأبرياء، وحدثت مجازر، ونزوح جماعي للمواطنين، وشن الجيش الصومالي غزوًا للمنطقة الشرقية من إثيوبيا، لكن الدعم العسكري من الاتحاد السوفيتي وكوبا ساعد إثيوبيا في صد الهجوم (Ethiopian Treasures، 2019).
وفي 1985، شهدت إثيوبيا أسوأ مجاعة في تاريخها (Whitman، 2016)، إذ توفي نحو مليون شخص بسبب الجوع والمرض، في حين عجزت الحكومة عن الاستجابة بشكل فعّال بسبب الحرب المستمرة.
وفي أواخر الثمانينيات، شكلت جبهة تحرير شعب تيغراي ائتلافًا من الحركات العرقية للإطاحة بنظام منغستو، وفي 1991، شنت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي هجومًا واسعًا ضد القوات الحكومية، مما أدى إلى سقوط النظام العسكري.
جـ-النظام السياسي ما بعد سقوط النظام العسكري العام 1999
في عام 1991، تمت الإطاحة بالنظام العسكري بقيادة منغستو هيلامريام، الذي فر من البلاد، وأُقيمت حكومة انتقالية بقيادة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي برئاسة ميليس زيناوي. وقد سعى زيناوي إلى بناء نظام فيدرالي يعكس التنوع العرقي الإثيوبي، إذ أُعلن الدستور الإثيوبي في 1994(Tadesse،2017) الذي فصل الدين عن الدولة وأسس لنظام حكم برلماني.
وخلال الفترة الانتقالية (1991-1995)، تبنت الجبهة الديمقراطية الثورية فكرة إعادة تشكيل الدولة الإثيوبية لتعكس سيادة كل مجموعة عرقية. وفي 1993، انفصلت إريتريا عن إثيوبيا بعد استفتاء( Encyclopædia Britannica website، 2016)، وأُقيمت حكومة انتقالية، لكن الخلافات بين جبهة تحرير تيغراي الشعبية والجبهات الأخرى، مثل جبهة تحرير أورومو أدت إلى انسحاب هذه الحركات من الانتخابات المحلية في 1992، مما تسبب في حرب أهلية قصيرة.
وخلال التسعينات، كانت هناك ثلاث مجموعات رئيسة تتنافس على السلطة في إثيوبيا: جبهة تحرير تيغراي الشعبية، والحركات السياسية الأورومو مثل جبهة تحرير أورومو، والحركات الإثيوبية الشاملة التي كانت تضم في الغالب الأمهرية. وكانت هذه التوترات العرقية والتحولات السياسية أساسًا في تطور النظام الفيدرالي في البلاد (Zenawi، 2018، 7).
الفصل الثاني
نشأة النظام الفيدرالي لجمهورية إثيوبيا
(ما بين الإنجازات والتحديات)
أولا: نشأة الفيدرالية في إثيوبيا
يعد النظام الفيدرالي من بين أكثر الانظمة ديمقراطية، فهو يعبر عن معنى الديمقراطية من خلال توسيع قاعدة المشاركة الشعبية للمشاركة في الحكم وإدارة الدولة. ويتميز النظام الفيدرالي بأنه يقوم على تعدد السلطات، وتعدد مراكز القرار. ويعد النظام الفيدرالي أكثر النظم استقرارا إذا اجتمعت الشروط والقواعد العامة والخاصة لإنشاء هذا النظام واتخاذ السياسات والإجراءات التي تضمن استقراره.
وبالنظر إلى التنوع الواسع في خلفيات مواطني دولة جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديمقراطية وثقافاتهم، فقد كان نظام الفيدرالية أنسب نظام سياسي للحكم في هذا البلد. وقد حرص المؤسسون لهذا النظام، على قيام فيدراليته على أساس عرقي. وكانت أسباب تطبيق هذا النموذج من النظام الفيدرالي هو السعي لتحقيق أكبر قدر ممكن من المشاركة في السلطة السياسية والحكم الذاتي، ولمنع انفجار النزاعات الانفصالية.
وقد أطلق دستور 1994م قيام الاتحاد الفيدرالي بإثيوبيا على أساس الانتماءات القومية المعتمدة على الأصول العرقية، وتوزيع الصلاحيات بين الحكومة المركزية والحكومات الإقليمية. وقامت حكومة الجبهة الشعبية لتحرير إثيوبيا بعد صدور الدستور وانتخابات عام 1994 بتقسيم إثيوبيا إلى تسع ولايات حسب الأعراق، فضلا عن مدينتين لهما وضع خاص في العام 1995، والتقسيم كالآتي:
• أديس أبابا – ديرة داوا (مدينتان لهما وضع خاص).
• عفر، أمهرة، بني شنقول، قماز، جامبلا، هرر، أوروميا، الأمم الجنوبية، تيغراي (الولايات بحسب التقسيم العرقي).
1-أسباب تبني الفيدرالية بوصفها نظاما سياسيا وإداريا لدولة إثيوبيا
تتحدث المصادر البحثية والمهتمة بالتاريخ السياسي والاجتماعي لدولة أثيوبيا، بأن هناك ثلاثة أسباب رئيسة ومهمة لنشأة النظام الفيدرالي في إثيوبيا، وهذه الأسباب هي:
أ-تسهيل العيش لأكثر من 80 مجموعة عرقية معا
يرى كثير من الباحثين في الشأن الإثيوبي (Gebremeden، 2017، 6)، بأن الفيدرالية المتعددة العرقيات هي النهج الأفضل والآمن لتحقيق السلم الاجتماعي والتقدم في إثيوبيا، كونها أفضل طريقة للتعامل سلميا وديمقراطيا مع التنوع العرقي (الإثني) في إثيوبيا وذلك بالنظر إلى الخلفية السياسية التاريخية بكل الاضطرابات والصراعات التي شملتها، وأيضاً الهيمنة الجماعية والمنهجية الجماعية والتمييز العرقي، والديني، واللغوي، وما إلى ذلك، الذي كان سائداً في الأنظمة السابقة الحاكمة. وبذلك فإن اعتماد اتحاد فيدرالي عرقي، هو ضروري لضمان عدم تفكك إثيوبيا، على الرغم من أنه ليس من السهل أن يتم تطبيقه دون اخفاقات، مع احتياج التطبيق لكثير من الوقت نظرا لعدد من الأسباب والتحديات التي سيتم تناولها لاحقا.
وقد استلزم اعتماد اتحاد متعدد العرقيات، إلى تصميم نظام يعمل على معالجة مطالب الجماعات العرقية في البلد المتمثلة في حل قضايا التمييز التاريخي وعدم المساواة، وبناء ديمقراطية عادلة، وتبني المواطنة المتساوية لجميع الثقافات والخلفيات للأمة الإثيوبية.
ب-إنشاء نظام دستوري إداري يمكن أن يمارس فيه تقرير المصير غير المشروط
صمم دستور إثيوبيا لعام 1995 ليرسم نظاما اتحاديا منظما لدولة أثيوبيا ويحدده على أساس حق الجماعات الإثنية في تقرير المصير. وقد كان من الضرورة الاعتراف بحق تقرير المصير؛ كونه أمرا حتميا لإحلال السلام والديمقراطية في البلد.
وقد أشار الدستور الاثيوبي بوضوح إلى أن أمم إثيوبيا وشعوبها وقومياتها ذات سيادة، ومتساوية، ولديها حقوق وحريات واسعة (Ethiopian News website، 2016)، إذ نصت المادة (8) على الآتي:
• تتمثل سلطة السيادة كلها في شعوب اثيوبيا وأممها وقومياتها.
• هذا الدستور هو تعبير عن سيادة هذه الشعوب والأمم والقوميات.
• يتم التعبير عن هذه السيادة من خلال ممثليهم الذين يتم انتخابهم وفقا للدستور ومن خلال مشاركتهم للديموقراطية المباشرة.
وتنص المادة (39) على الآتي:
• لكل شعب وقومية وأمة في إثيوبيا الحق المطلق (غير المشروط) في تقرير المصير بما في ذلك الحق في الانفصال.
• لكل شعب وقومية وأمة في إثيوبيا الحق في التحدث باللغة الخاصة بهم، والكتابة بها وتطويرها، والتعبير عن ثقافته وتطويرها والترويج لها والحفاظ على تاريخه.
• لكل شعب، وقومية، وأمة في إثيوبيا الحق في الاجراء الكامل للحكومة الذاتية التي تشمل الحق في إنشاء مؤسسات حكومية في المقاطعة التي تقطنها والتمثيل العادل في الولاية والحكومات الفيدرالية.
• تعرف الأمة أو القومية أو الشعب لغرض دستوري، بأنها مجموعة من الناس لديهم قواسم كبيرة مشتركة في الثقافة، أو التقاليد المشتركة، أو اللغة، أو العقيدة، أو الهويات ذات الصلة، أو مكون سيكولوجيي مشترك يعيش في مقاطعة معروفة ومتجاورة.
وبناء على ذلك فإن هذه المواد أكدت بشكل ثابت أن المجموعات (الأمم، أو القوميات، أو الشعوب) في إثيوبيا متساوية ولها كل السلطات، وأنه ينبغي احترام ثقافاتهم، ولغاتهم، وتطويرها، ويجب ألا يكون هناك أي تمييز. وقد تم تشكيل المناطق (Habib، 2011) بناء على نماذج التسوية التي تعتمد على اللغة، والهوية، وقبول الناس المعنية بذلك. ووفقاً لهذا، تم إعادة تشكيل الدولة الإثيوبية على أساس نظام سياسي اتحادي، يضمن الحفاظ على الهويات الإثنية الثقافية المميزة وتعزيزها أثناء البناء، وهي سياسة مشتركة تسمح لهم بمتابعة مصالحهم المشتركة.
جـ-تصحيح النظام الإداري العام للدولة وإعادة بناء الهياكل الأساسية للدولة الاتحادية
كان للأحداث السياسية المتلاحقة، والحروب، والصراعات، أثر بالغ على تدهور الحياة الإنسانية بإثيوبيا. فالمجاعات المتكررة التي حصدت الملايين من المواطنين الإثيوبيين، وانتشار الأمراض، والفقر المدقع، وانعدام الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة، وغياب العدالة الاجتماعية والمواطنة المتساوية كانت هي الآثار التي نتجت بسبب ما مرت به إثيوبيا خلال تاريخها السياسي الذي تم تناوله مسبقا.
ولذلك فالجبهة الثورية الديموقراطية للشعب الإثيوبي التي قادت المرحلة الانتقالية بعد العام 1991، كان لها توجه وقناعات بأن الفيدرالية ستمكن الدولة من استخدام إعادة بناء القطاع الإداري وهياكله وتصحيحه، بما يعزز الحكم الذاتي للأقاليم، ويوجد استراتيجية لإعادة الإعمار وبناء إثيوبيا الحديثة، وذلك عن طريق إعادة بناء الهياكل الرئيسة للدولة (قوانين- وتشريعات- وبنى تحتية- وموارد بشرية)، وتنفيذ إصلاحات الاقتصاد الكلي، وإصلاح حيازة الأراضي بهدف تحفيز الاقتصاد، وإصلاح الهياكل الأساسية للخدمات العامة، وإصلاح الجهاز القضائي، وتعزيز حقوق الإنسان، ودعم ظهور وسائط إعلام مستقلة، وتحقيق اللامركزية في السلطة إلى المناطق والمقاطعات، وتشجيع ظهور صحافة حرة ومنظمات مدنية ذات توجه ديمقراطي. وكان من بين الأهداف الأولى التي تناولها فريق الخبراء الاستشاري (The African e-Journals Project ،2002، 57)، تحقيق الحكم الذاتي الإداري في السلطة الإدارية والمالية في المناطق المختلفة والوحدات المحلية.
ثانياً: الفيدرالية في إثيوبيا ما بين الإنجازات والتحديات- قراءة تحليلية
قبل العام 1991 كان هناك عدد من الصراعات بين القوميات والقبائل الأثيوبية، وكانت هذه الصراعات نتيجة حتمية لضعف الهيكل السياسي، وغياب الهياكل الرئيسة لمؤسسات الدولة، مع تخلف قطاع الإدارة العامة للدولة. ولكن بعد عام 1991، تم تنفيذ الترتيبات الاتحادية العرقية القائمة بهدف استيعاب مصالح جميع الأمم والقوميات والشعوب في البلد. وعلى الرغم من أهمية الفيدرالية في إثيوبيا، فإنها لا تزال تتعرض لانتقادات، وتهدف هذه الانتقادات إلى التساؤل حول ما إذا كانت الفيدرالية المنتهجة في البلد قد تمكنت من تعزيز الانسجام أو تفاقم الصراعات. وعلى الرغم من هذه الانتقادات التي قد تتمثل في تحديات تواجهها هذه التجربة، فإن الحالة الحقيقية التي تظهر على أرض الواقع بعد أكثر من خمس وعشرين عاماً، تشهد بأن محاولات إثيوبيا لتكون واحدة من البلدان النموذجية في العالم عموما وفي أفريقيا خصوصا تلقى نجاحاً على الرغم مما قد يواجهها من تحديات وعثرات، وأن نظام الفيدرالية الناجح أدى بشكل لافت إلى تحقيق انسجام بين أبناء الشعب الإثيوبي.
ومن خلال الفقرات الآتية سيتم إيجاز أهم إنجازات النظام الفيدرالي الإثيوبي والتحديات التي تواجهه.
1-انجازات النظام الفيدرالي في إثيوبيا:
حققت التجربة الفيدرالية في إثيوبيا مجموعة من الإنجازات، منها:
• مكنت الفيدرالية البلد من المضي قدما، وكفل النظام للدول والقوميات والشعوب من ممارسة الحكم الذاتي في إثيوبيا وبتحفيز كبير على التكامل والتعاون.
• في السنوات الأخيرة، ازداد الوعي لدى الإثيوبيين بأن التنوع الذي كان يمثل تحديًا لهم في الماضي أصبح الآن مصدرًا قويًا لانتمائهم الوطني (Gebremeden، 2017)، فقد أسهم تعدد اللغات والأديان والثقافات والتقاليد في تعزيز قدرتهم على العيش معًا، متجاوزين التركيز الضحل على الانتماء العرقي.
• بحسب آراء عدد من الباحثين والمهتمين في الشأن الإثيوبي، فالفيدرالية في إثيوبيا تستخدم أداة لإدارة التنوع العرقي واللغوي المعقد في البلاد، والحد من الصراعات، وهو ما أدى إلى قبول التعايش، والتنوع الثقافي، والمشاركة السياسية المتعددة الأعراق.
• إن فكرة تقرير المصير وضمان الحقوق الدستورية للانفصال، كانت وسيلة فعالة لمساعدة البلاد في البقاء على حالها. وعدم تعرض البلاد للتفكك (Frank، 2009، 18). فحق تقرير المصير أعطى شعورا بالأمان لدى الغالبية من الإثيوبيين، ذوي التنوع العرقي الذين صار في وسعهم ممارسة حقوقهم بحسب ما كفله لهم الدستور أو المطالبة بتقرير المصير.
• في الحالة الإثيوبية، أسهمت الفيدرالية في تحقيق الانسجام بين الأعراق. وقال باحثون مختلفون أجروا بحوثا إن الفدرالية في إثيوبيا أسهمت بدور هام في إدارة المجتمعات الإثنية المتعددة. فهي لم تصبح وسيلة حاسمة للتخفيف من معظم المشاكل التي أثيرت بين الأمم والقوميات والشعوب فقط، ولكنها منحتها أيضا الحكم الذاتي.
• ساعد نظام الفدرالية في إثيوبيا على الاعتراف بتنوع الأمم والقوميات والشعوب في إثيوبيا، حتى الصغيرة منها، وفضلا عن ذلك منحتهم فرصة للتحدث بلغتهم الخاصة وتطوير الثقة فيما بينهم.
• أثبتت الآليات التشريعية الحالية والنظام الاتحادي أنها مرضية للمساواة بين تنوع الولايات المختلفة في إثيوبيا، كما أنها عززت من ديمقراطية البلد، وأكدت على سلام البلد واستقراره.
• من بين النجاحات الرئيسة للنظام الاتحادي، السلام والاستقرار الداخليان للبلد، واللذان تعززا بالفعل معا، على الرغم من وجود بعض بؤر الصراع في عدد من الولايات.
• تبنت الفيدرالية الإثيوبية عملية الإصلاح الإداري وتأسيس عمليات الحكم الذاتي في الأقاليم، وهو ما قد يكفل التوزيع العادل للسلطة، والموارد بين الولايات الأثيوبية، وتجنب الهيمنة السياسية لأمة واحدة على حساب باقي الأمم، وفضلا عن ذلك، استفادت جميع الولايات مع أفرادها في إثيوبيا من الحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
• نظام الفدرالية في إثيوبيا كان وسيلة لجمع المواطنين جميعا معا والعمل بجد، وبوتيرة عالية لنهضة بلادهم.
• أصبحت الفيدرالية الإثيوبية نموذجا للبلدان الأفريقية الأخرى في إدخال الفيدرالية، وتهيئة بيئة مواتية لتعزيز الديمقراطية، وكفالة التنمية الاقتصادية السريعة والمستدامة.
• مكنت الفيدرالية جميع الولايات في إثيوبيا من تعزيز مصالحها سواء كانوا مجموعة، أو أفرادا (Tuss، 2016)، من خلال اللامركزية في الإدارة التي تمهد الطريق للنخب السياسية وللجماعات العرقية لتلقيح الناس بالمعتقدات والقيم القومية.
• منذ عام 1991، عندما تبنت إثيوبيا النظام الاتحادي بوصفه وسيلة لمعالجة نظام إدارة الحكم، التي كانت سائدة على نحو مختلف من قبل النظم الموحدة السابقة للحكومات، سجلت إثيوبيا تغييرات مذهلة في السلام والتنمية والديمقراطية.
• قامت الفيدرالية الإثيوبية بإضفاء اللامركزية على السلطة، من الحكومة المركزية إلى الولايات الإقليمية، دون أن تفقد الحكومة المركزية قبضة هذه الوحدات اللامركزية، وهذه اللامركزية وقبضة المركزية الراعية والمراقبة للسلطة في الولايات هما العاملان الهامان لتعزيز الديمقراطية في البلد.
• وثمة إنجاز آخر للترتيب الاتحادي لإثيوبيا يتمثل في الاعتراف بالجماعات العرقية للأقليات، حتى قليلة العدد، إذ حصلوا على رأي على المستوى الوطني أكثر من أي وقت مضى في تاريخ إثيوبيا.
2-التحديات التي تواجه الفيدرالية الإثيوبية:
سعت الإدارة الاتحادية بإثيوبيا إلى إدارة التنوع العرقي واللغوي المعقد للبلد، والحد من الصراعات وبكل وعقلانية، والنظام الاتحادي الإثيوبي، شأنه في ذلك شأن أي اتحاد آخر، هو تجربة تتحمل النجاح والتعثر ومواجهة كثير من التحديات. ويمكن إيجاز هذه التحديات في النقاط الآتية:
أ-تحديات على مستوى التقسيم الفيدرالي العرقي
لا تزال المنافسة العرقية والصراعات تشكل تحديات حاسمة في البلد، ووفقا لتقرير مؤشر السلام العالمي لعام 2013 الذي يقيس مدى سلمية البلدان، تحتل إثيوبيا المركزين (38) و(146) في بلدان أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وفي جميع أنحاء العالم (Balcha، 2009). ويتحمل الهيكل الاتحادي المسؤولية عن عدد من الصراعات المجتمعية والمتعلقة بالهوية. وترتبط هذه الصراعات بقضايا تتعلق بتقرير المصير/الانفصال، وسياسات تقاسم الموارد، والسلطة السياسية، والتمثيل، والهوية، والمواطنة، والحدود الإثنية والإقليمية وغيرها. وقد أدى رسم الحدود إلى نشوب صراعات عنيفة بين المجموعات الإثنية المختلفة، وفي جميع المناطق الحدودية لأغلب الولايات. وبسبب الطبيعة المطولة للنزاعات الحدودية، أنشأت المناطق الصومالية، والعفارية، وأوروميا مكاتب دائمة تتعامل مع شؤون الحدود.
وعلى النقيض من مناطق أمهرة، وأورومو، وتيغراي، حيث تشكل مجموعة واحدة أغلبية سكان المنطقة، فإن الصراعات داخل المنطقة كانت عنيفة، وانتشرت على نطاق أوسع في المناطق المتعددة الإثنيات مثل منطقة أوجادين، والأمم الجنوبية.
وتشير عدد من الدراسات التي اهتمت بتجربة الفيدرالية العرقية بإثيوبيا (Aberra، 2016، 20) إلى أن تشكل العرق يأتي من خلال تسييسه. وكثيراً ما يكون تنمية الشعور بأهمية العرق في الدول القومية قد أسيء استخدامه من قبل النظم السياسية التي تسعى إلى التفوق عن طريق إبراز العرق، وبناء القوميات العرقية داخل البلد الواحد. وبذلك يتم إعادة تشكيل الهوية الإثنية من أجل تحقيق الأهداف السياسية.
ب-تحديات على مستوى المواطنة المتساوية
أدت المواطنة المحلية الضيقة إلى مستوى العرق الأصلي في مرات كثيرة، إلى نشوب نزاع بين المواطنين في الولايات (الجماعات الأصلية المنتسبة للولاية، والجماعات الوافدة من خارج الولاية)
(Temesgen، 2015)، حيث تسمح النظم الجديدة للاستحقاقات التي أدخلت بوصفها جزءاً من الفيدرالية الإثنية بالوصول إلى الموارد والفرص الإقليمية الأخرى فقط لمن يعيشون في أوطانهم العرقية المحددة، في حين أن أولئك الذين يجدون أنفسهم خارج أوطانهم الإثنية المحددة أصبحوا غير مألوفين، وحرموا من الوصول إلى المناطق الإقليمية والموارد والفرص.
وهنا يحضر خطر التمييز بين الولايات ذات الغالبية العرقية العظمى من المواطنين، والولايات التي تفتقر إلى الأغلبية العرقية وهو أمر بالغ الأهمية، كونها تقوض الحقوق الجماعية لهؤلاء السكان غير الأصليين وتتجاوزها للحقوق الجماعية. كما أن هناك ملاحظات لوجود تلاعب سياسي بالهوية العرقية من قبل الكوادر المحلية والسياسية التي أدت إلى المواجهة والعنف. ومن أمثلة ذلك ما حدث بعد الانتخابات الوطنية في إثيوبيا التي أجريت في العام 2005 في جيدا - كيرامو، وريدا في وليغا (Hailemariam، 2017، 12) إذ تم مطاردة بضعة آلاف من المزارعين في أمهرة، وتم مصادرة أراضيهم، وأجبروا على اللجوء إلى مكان آخر.
وكثيرا ما كانت الهجرة القسرية لغير المقيمين، والعنف اللاحق للحقوق الإنسانية، والديمقراطية الأساسية، ومصادرة الممتلكات نتيجة للتنافس العرقي، والمواجهة على الموارد المحلية والمواقف السياسية، مؤدية إلى التوتر العرقي والصراع، وهو ما يخالف الدستور ونظام الحكم.
جـ-تحديات على مستوى استخدام المفردات والمصطلحات وممارساتها الخطأ ضمن نظام الفيدرالية العرقية
إن التعريف العرقي/ اللغوي الغالب الذي يعرف الفيدرالية العرقية، يجد أشكالاً أخرى من التعريف والتكوين، مثل: المواطنة، والمهنة، والدين، والطبقة، والجنس. ويؤدي تدهور هذه الانقسامات الشاملة إلى إثارة المواجهة العرقية، والصراع، والتفكك. فالتلاعب السياسي عبر المصطلحات، والمفردات بالعلاقات التاريخية أثار الجدل بين الجماعات المختلفة، وهو ما حدث كثيرا أثناء الملاحظة والرصد من قبل المهتمين بتجربة الفيدرالية الإثيوبية. وهذا التلاعب يخل بالقواسم المشتركة، ويؤدي إلى تفاقم التوتر العرقي والمواجهة لاسيما بين الجماعات العرقية المهيمنة سياسيا، وشعب أمهرة وأورومو على سبيل المثال. إذ يتهم شعب أمهرة وأورومو حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، بالتلاعب بتلك الانشقاقات الشاملة ولاسيما في المؤسسات الدينية في إضعاف المعارضة الموحدة في الآونة الأخيرة.
د-تحديات على مستوى حقوق أفراد الولايات والأقليات وشعوبها في تحديد المصير
سعى الدستور الاثيوبي الحالي، إلى استنباط بعض الحلول للتعددية الهائلة، ومسألتي الاثنية والدين، وغياب ما يمكن تسميته الوحدة الوطنية الإثيوبية وذلك من خلال النص على إقامة حكومة فيدرالية، ذات نظام ديمقراطي، برلماني، ترتكز فيه العملية الفيدرالية على الأساس العرقي، واللغة، والإدارة، إذ حملت أسماء الولايات الصفة العرقية المعبرة عن الهوية الثقافية والسياسية للقوميات الكبيرة، ولغرض إيجاد صيغة مرضية للتعايش جرى النص على المساواة بين اللغات على أن تكون الأمهرية لغة عمل للحكومة الفيدرالية.
وقد وجهت عدد من الانتقادات للإدارة الاتحادية للبلاد، التي تمثلها الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي، وتلخصت الانتقادات في تبنيها لاستراتيجية فاشلة في توفير حل طويل الأمد للصراعات التي طال أمدها. وبأن النهج الذي سارت عليه في ترسيخ النظام الفيدرالي لم يكن على الطريق المأمول. كما أن ممارساتها خلال العقدين الأخيرين في عمليات الاستقطاب السياسي والاستقطاب العرقي كانت مخالفة للدستور وللنهج الذي اتبعته، وعلى العكس فهذه الممارسات أدت إلى حدوث مواجهات بين الحكومة وبين مطالبين بالانفصال. فعلى الرغم من أن مواد الدستور التي سعت إلى معالجة المشكلة العرقية (المادة 39) التي منحت جميع شعوب الأمة الأثيوبية الإثيوبية الحق في تقرير مصيرها بنفسها بما في ذلك الانفصال، إلا أن ذلك مقيد عمليا بعدد من الإجراءات التي تستوجب تصويت ثلثي أعضاء المجلس التشريعي لصالح الانفصال، مع تعريف محدد لمصطلحات الأمة والقومية والشعب، وهي الفئات التي يحق لها الحصول على حق الانفصال، إذ يجري بعد ذلك استفتاء خلال ثلاث سنوات. كما أن كل المواجهات التي تحدث بين جماعات تطالب بحق تقرير المصير تواجهها الدولة بالمواجهة العسكرية والقمع بعيدا عن الحوار السياسي المفروض اتباعه.
هـ-تحديات على مستوى نظام الحكم و الإدارة العامة لمؤسسات الدولة
كان دور الفيدرالية العرقية بوصفها وسيلة لتحقيق التوازن في السلطة ضئيلاً. كما أن الخلاف والمنافسة على أنظمة الإدارة ماتزال واضحة تماما في مؤسسات الدولة، مع سيطرة الحزب الحاكم وهيمنته لعدد كبير من مؤسسات الدولة.
فضلا عن أن أغلب السياسات، واستراتيجيات التنفيذ، يتم تنفيذها بطريقة غير مفهومة، فهي لا تتمتع بالمركزية أو اللامركزية أو هي من سياسات الحكم الذاتي للنظام الاتحادي. وقد أبلغت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها للعام (2009) عن المخاطر الحاسمة التي يواجهها الجهاز المركزي الإدارية الذي تمثله الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي (Nigussa، 2013، 26)، وكانت هذه المخاطر تظهر في:
• نظام المحسوبية الواسع النطاق.
• تنفيذ الممارسات الإدارية التي تراها الجبهة من وجهة نظرها مناسبة دون الأخذ في الحسبان النظام الذي انتهجته في استخدام اللامركزية الإدارية وحق الولايات في إدارة شؤونها.
• ارتفاع نسبة التوظيف للأفراد من داخل الجهة الحاكمة.
• واستخدام القوة لفرض القرارات الاستراتيجية الإدارية على أصغر مستوى إداري.
• غالبية التعيينات للقيادات الإدارية التنفيذية، تتم بناء على الانتماء للحزب الحاكم أو العرق ذي الأغلبية، بعيدا عن شروط الكفاءة والجدارة العلمية والعملية.
وإجمالاً، فإن عملية بناء دولة اتحادية وديمقراطية هي بمثابة انقطاع أو تحول جذري كامل عن الأنظمة التي سبقتها. ومن المؤكد أن هناك بعض التحديات والعثرات التي يواجهها النظام الإداري الاتحادي في إثيوبيا، ويمكن تفسيرها بأنها "فجوة في الكفاءة المؤسسية من حيث الإدارة والممارسات".
وبعبارة أخرى، هناك حاجة إلى قيام مؤسسات اتحادية وديمقراطية ذات كفاءة من أجل تعزيز نجاح النظام الاتحادي في مجتمع معقد مثل مجتمع إثيوبيا على نحو فعال ومستمر. وتتجلى فجوة الكفاءة المؤسسية هذه بالطرق الثلاث الآتية:
• الافتقار إلى الحكم الرشيد والمؤسسات الديمقراطية القوية.
• عدم وجود مؤسسات تتعامل مع العلاقات الحكومية الدولية.
• ضعف دور منظمات المجتمع المدني المحلية لإنتاج البحوث الجارية على النظام الاتحادي.
ومع كل الانتقادات والتحديات المواجهة لتجربة الفيدرالية العرقية بإثيوبيا، إلا أن الفيدرالية التي يتم تحديدها على أساس إقليمي، أو عرقي تأتي لتكون أفضل بديل لتعزيز إدارة المجتمعات المتعددة الأعراق المعرضة للنزاع. وقد كانت الإنجازات واضحة وملموسة لهذه التجربة على الرغم من حداثتها، ومع ذلك فلا بد من القول إن وجود المؤسسات الدستورية القوية، وتعزيز الديمقراطية، وتعزيز التوازن بين الوحدة والتنوع، وتقوية مبدأ المواطنة المتساوية من حيث التوزيع العادل بين القوى المهيمنة على المشهد بإثيوبيا وبين الأقليات الضعيفة، كلها طرق لا بد من استمرار السير فيها وبكل جهد وقناعة لتحقيق أهداف الفيدرالية التي وجدت لأجل الإثيوبيين.
كما أن تعزيز قطاع الإدارة العامة بأفضل نظم الإدارة وأساليبها، وتحييد الخدمة العامة بمنأى عن الأطماع السياسية وإخضاعها لشروط الكفاءة العلمية والعملية، والعدالة بين كل المواطنين في توزيع الفرص، وتقييم العمليات الإدارية بشكل مستمر لتقويم الأخطاء والإشكاليات، هي خطوات مهمة لتعزيز نظام الحكم الفيدرالي.
الإصلاح الإداري للخدمة المدنية في إثيوبيا
ضمن توجهات النظام الفيدرالي
أولاُ: نشأة الخدمة المدنية وظهورها في دولة إثيوبيا
بعد تولي الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي سلطة الحكومة عام 1991م، حرصت على توضيح رؤاها وتوجهاتها في إصلاح قطاع الإدارة العامة، وتعهدت بأن تكون حكومتها مقيدة بالقانون وبمبدأ نهج الدستورية الذي تبنته من خلال تطبيق الفيدرالية وتطبيق الحكم الذاتي والإداري (Pätz، 2008، 32)، وذلك من خلال ميثاق المدة الانتقالية 1991، ومن ثم دستور جمهورية إثيوبيا الديمقراطية الاتحادية بالعام 1995. وهذه الرؤى مع توضيحاتها أعطت مؤشرات على وجود تصورات لمعايير ستتمكن من خلالها الحكومة من تحديث المؤسسات العامة للدولة وإصلاح قطاع الإدارة العامة، وهو القطاع الأهم والأول لممارسة العمل التنفيذي،
الذي يحتاج بالتأكيد إلى خطط وبرامج من الضوابط والتوازن، ووضع القواعد التنظيمية، والتشريع الإداري، بناء على أحدث الأسس العلمية، والعملية المنتهجة عالميا لاسيما في دول لها خصوصية مختلفة من الأوضاع مثل إثيوبيا.
وفي البداية، لم تكن الإدارة الاتحادية ترغب في إصلاح قطاع الإدارة عند توليها السلطة، فقد كانت ترى أنه من المهم إيجاد جهاز إداري للدولة يعمل بسلاسة، ويكون قادراً على تنفيذ السياسات العامة التي تقود إلى حدوث تنمية شاملة في البلد. وفي المدة من عام 1991 إلى عام 1996، كان التركيز خلال المرحلة الأولى من الإصلاح أساسا على التكيف الهيكلي، مع التحرير الاقتصادي، والإصلاحات الهيكلية في القطاع العام، ولقد عمل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي بصفة خاصة ليكونوا مستشارين للحكومة الإثيوبية لتنفيذ هذه التوجهات، لكن خدمات القطاع العام لم تتحسن كثيرا لاسيما قطاع الخدمة المدنية ( Degol، 2013، 9). ولذلك كان لا بد من تصميم برامج نوعية لتحديث قطاع الخدمة المدنية ضمن برنامج كلي لتحديث قطاع الإدارة العامة في البلد، وقد كان التركيز بشكل مباشر ورئيس وبالدرجة الأولى على قطاع الخدمة المدنية.
وبداية سنتناول المراحل التاريخية لظهور الخدمة المدنية في دولة إثيوبيا.
1- مراحل ظهور الخدمة المدنية وتطورها
أ-بداية ظهور الخدمة المدنية
في منتصف القرن التاسع عشر وفي عهد الإمبراطور تويدروس، ظهرت سلسلة من الإصلاحات (Brochi، 2017، 8-9) كان أبرزها: إلغاء تجارة الرقيق، وقمع عادة الثأر، وتنظيم السلطة وأراضي الكنيسة، وإنشاء قوة شرطة إقليمية وجيش نظامي، وظهور نظام الخدمة المدنية وإدخاله إثيوبيا للمرة الأولى. فقد سعى الإمبراطور تويدروس إلى تحويل الزعماء المحليين (قبائل الإمارات بإثيوبيا) إلى مسؤولين مدنيين عن السلطة الإمبراطورية (Yohannes and G/Michael، 2012، 13)، يهتمون بجباية الضرائب، وتحديد مرتبات للعاملين ضمن التنظيم الإداري للإمبراطورية. وهذه قد تعد أعمالاً بسيطة ضمن مفاهيم الخدمة المدنية والتنظيم الإدارية. ولكنها ذات أثر كبير، لاسيما إذا تم وصفها على أنها ممارسة تنظيمية إدارية؛ لحاجة نظام الإدارة اللامركزي إلى تنفيذ هذه الإصلاحات.
ب-الظهور الفعلي للخدمة المدنية في إثيوبيا
يعود الظهور الفعلي للخدمة المدنية الحديثة في إثيوبيا إلى عام 1907، عندما أنشأ الإمبراطور منليك الإطار الوزاري الأول في إثيوبيا (Civil Service Transformation Research Center، 2012، 1-2)، بهدف ضمان ترتيب منظم وكفء لعمل الحكومة، التي تكونت من تسع وزارات وهي:
• وزارة العدل.
• وزارة الداخلية.
• وزارة التجارة والخارجية.
• وزارة المالية.
• وزارة الزراعة والصناعة.
• وزارة الأشغال العامة.
• وزارة الحرب.
• وزارة القلم.
• وزارة القصر.
وإلى حد ما، كانت العملية مجرد إعطاء عناوين جديدة للمسؤولين القدامى. وكان الوزراء بمثابة موظفي الخدمة الشخصية للتاج. ولم يتحقق تفويض السلطة للوزراء واستعمالها إلا على الورق أكثر من الواقع. وقد اتسمت السنوات الأولى بعدم كفاية الهياكل والخدمات غير الفعالة، والفساد والتدخل السياسي، وتدخل النافذين (النبلاء والإقطاعيين) في الإجراءات القانونية الواجبة في المسائل التي تهم الجمهور من أجل رفاهيتهم الخاصة. ولذلك وبسبب طبيعة الأنظمة نفسها التي كانت ناشئة، ولأمور أخرى أيضاً مثل الولاء السياسي الواسع في تعيين وظائف الخدمة المدنية، ومستوى التدخل السياسي الذي أثر على إجراءات التشغيل الموحدة، لم تقم الخدمة المدنية بتقديم الخدمة المقصودة للجمهور.
وفي ذلك الوقت، تم تنفيذ الإدارة العامة على أساس الإرادة الحرة للملوك واللوردات، دون أي قواعد وأنظمة ذات الصلة. كان الناس يعملون ويحصلون على الأعمال مقابل المعارف الشخصية، والعلاقات مع النبلاء. ولم يكن هناك أي وجود للعدالة أو الكفاءة والمساواة. ولذلك، فإن الثقافة التي كانت قائمة على نطاق واسع بين الناس هي الإشادة والرشوة للنبلاء من أجل الحصول على أي نوع من الخدمة من المناصب العامة. وكان القضاة والمسؤولون المحليون تحت تأثير النبلاء. ومن ثم، فإن العدالة تنتهك بسهولة على أساس نوعية الرشوة المدفوعة وكميتها، ومع ذلك فإن إنشاء هيئة إدارية دائمة بوصفها جهازا متكاملا للحكومة المركزية، كان هو المنجز الأهم على الرغم من كل السلبيات المذكورة أعلاه.
جـ-الخدمة المدنية في عهد الامبراطور هايلسلاسي
نُصب الإمبراطور هايلسلاسي ليكون إمبراطورا لإثيوبيا في العام 1930، وقد كان فعالاً لإضفاء الطابع المؤسسي على الإدارة العامة التي تقيد القاعدة من خلال وضع أطر قانونية متعاقبة. ووضع دستور عام 1931 أساسا لوجود التنظيم الإداري التنفيذي في التاريخ الإثيوبي للإدارة العامة. واعترف الدستور بوجود السلطة التنفيذية للحكومة. وتنص المادة (11) على أن يضع الإمبراطور تنظيماً لجميع الإدارات الإدارية والوزارات (Brochi، 2017). وفي عام 1962، تم إنشاء المؤسسة الحكومية الأكثر صلة لتطوير الإدارة الرسمية والخدمة المدنية، إذ أنشأت وكالة الموظفين المركزية بالإمبراطورية الإثيوبية في العام 1962 (Hailemariam، 2001، 4). وقد أعطيت الوكالة سلطة تصنيف الوظائف، وتعيين الموظفين العموميين، ووضع جداول الأجور وإصدار اللوائح اللازمة لإنشاء خدمة عامة متجانسة وعادلة.
دـ مرحلة الخدمة المدنية بعد سقوط النظام الامبراطوري 1974م
بعد سقوط النظام الإمبراطوري عام 1974 على يد النظام العسكري تم إنشاء عدد من الهيئات الإدارية والقانونية، ومعظم الهيئات الإدارية التي كانت تحمل اسم (وزارة- سلطة - وكالة)، كانت تخضع للمساءلة أمام رئيس الوزراء مباشرة. إذ أعطى دستور عام 1987 لجمهورية إثيوبيا الديمقراطية الشعبية بموجب المادة (89)، جميع السلطات الإدارية لمجلس الوزراء. ويتكون المجلس من رئيس الوزراء، ونواب رئيس الوزراء، والوزراء وغيرهم من الأعضاء، بمن فيهم رؤساء أمانات لجان الدولة، والسلطات والمفوضين بحسب الدستور في مجلس الوزراء. وقد بلغ عدد الوزرات عشرين وزارة، وسبع لجان، وست سلطات، ولجنتين حكوميتين، ومعهدين (Civil Service Reform Program in Ethiopia، 2012).
وكان واضحاً، بأن الحكومة العسكرية التي تولت السلطة عن طريق الانقلاب عام 1974، قد عملت على تقديم صورة خاصة بها وتجذيرها في الخدمة العامة، وكان من أبرز ملامحها السيطرة والقمع وتشغيل المؤسسات الحكومية، وعقلية العمال، والموظفين المدنيين ضد التنمية الطويلة الأمد للبلد.
هـ-مرحلة الخدمة المدنية بعد سقوط النظام العسكري
مثّل العام 1991 نهاية الحكم العسكري في إثيوبيا، وبعد ذلك أحرز تقدما كبيرا في الساحة الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية بكاملها. وكانت أهم التطورات في تاريخ البلد إنشاء مناطق ذاتية الحكم، وتجديد التزامها بموجب مبدأ التعايش السلمي، والتعاون لإقامة بلد قوي تنموي.
وتحقيقا لهذه الغاية، وضع الدستور الجديد في العام 1994 وتم إقراره (Assefa، 2005، 17). وأرسى هذا الدستور الأسس القانونية لإقامة دول اتحادية فيديرالية ديمقراطية تتمتع فيها الولايات الإقليمية بالحكم الذاتي، وبصلاحيات واسعة في جوانب الإدارة العامة المختلفة، وتتحمل مسؤوليات تقديم الخدمات مثل الصحة، والتعليم، والضمان الاجتماعي، والمياه الريفية والطرق الريفية.
وقد أدخل دستور الاتحاد الديمقراطي الاتحادي لعام 1995، هيكلا اتحاديا لتقاسم السلطة في إثيوبيا بين الحكومة الاتحادية والولايات الإقليمية. وتتألف الحكومة الاتحادية من بيت ممثلي الشعب بوصفه المشرع الأعلى، والسلطة التنفيذية (رئيس الوزراء ومجلس الوزراء)، والسلطة القضائية (المحكمة الابتدائية والمحكمة العليا). كما قدم تقسيم مماثل للسلطة على مستوى كل ولاية من الولايات.
و-الخدمة المدنية في إثيوبيا في ظل نظام الحكم الفيدرالي
لقد أدى ظهور نظام الدولة الفيدرالية إلى توسع هياكل الحكومة وتشعب وظائفها، بوصفها المبادرة الرئيسة التي أثرت بشكل كبير على عمل الخدمة المدنية وهو ما وصف بعدم الترشيد، ولكنه أيضا نقل مسئوليات كبيرة من الحكم الذاتي الإداري ومراقبة الموارد إلى الولايات (Alemu، 2014، 22). ومن ثَمّ خلق فرص غير مسبوقة من أجل مشاركة المواطنين الإثيوبيين من خلال البت في المسائل التي تؤثر على حياتهم، وسهّل نقل السلطة الإدارية ولاسيما المهام الحكومية، والإجراءات الرامية إلى تعزيز دور السلطات المحلية وقدراتها التي كان لابد أن تكون مستجيبة وخاضعة للمساءلة إزاء شواغل المجتمعات المحلية والمجموعات المحلية، وفضلا عن ذلك، فقد أصبح المواطنون الإثيوبيون شركاء متساوين في الحكم المحلي والتنمية من خلال إشراك المجتمع المحلي والمجتمع المدني والقطاع الخاص في صياغة خطط المنطقة وسياساتها وتنفيذها وإدارتها. وقد ساعدت هذه التوجهات والممارسات على تعزيز الديمقراطية وتحقيق الأهداف الإنمائية الطويلة الأجل للحكومة من خلال المشاركة العامة.
وكان من أهم الترتيبات الحكومية للحكومة الاتحادية الجديدة هي أيضا مبادرة رئيسة تقود نظام الخدمة المدنية للإصلاح وبناء قدراته، أملاً في تحسين نوعية الخدمات المقدمة للجمهور، ولتحسين آليات وممارسات نظام الحكم في المؤسسات الدستورية والعامة الخدمية كافة.
ثانياً: خطوات برنامج إصلاح الخدمة المدنية وآلياته في إثيوبيا
خلال العقدين الماضيين حاولت البلدان الاستعاضة عن الحكم التقليدي ونموذج الإدارة العامة المتسم بالبيروقراطية العالية من خلال النتائج الموجهة لنموذج الاستجابة للإدارة العامة الجديدة، وهنا تتمثل أهمية الدوافع الرئيسة لإصلاح الخدمة المدنية المتمثلة في:
• ارتفاع حجم المطالب من المواطنين بتوسع الخدمات المقدمة من مؤسسات الدولة العامة وجودتها.
• المنافسة العالمية والتغييرات البيئية في سوق العمل والتكنولوجيا.
• تحقيق خدمة مدنية فعالة ومستجيبة وقادرة على مواكبة ما ذكر أعلاه، وتسهيل تنفيذ البرامج الإنمائية في بيئة هي تتغير باستمرار لا يتوقف.
• إضفاء الطابع المهني الاحترافي على قطاع الخدمة المدنية، الذي يجب أن يكون ضمن تطلعات ومهام أي حكومة فاعلة.
وفي هذا السياق، سيتم تناول الإجراءات التنفيذية لبرنامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية في دولة إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، والهادفة إلى تعزيز الاحتراف وتقويته من خلال برامج الإصلاح الإداري ومبادراته المختلفة وبناء القدرات.
1-البرنامج الوطني لبناء القدرات
بدأت الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي بقيادة الحكومة منذ عام 1991، تنفيذ سلسلة من برامج الإصلاح التي تعتمد على التحول الأيديولوجي الذي حدث في البلاد، من اقتصاد القيادة المركزي إلى اقتصاد السوق الحر، وللقضاء على الفقر من البلد. وفي أوائل التسعينات، ولأجل التزامها بتحقيق هذه التحولات، أطلقت الحكومة برنامج التكيف الهيكلي الذي يتألف من برنامج إصلاح الخدمة المدنية بوصفه أحد المكونات. واتخذت الحكومة تدابير الإصلاح التدريجي (Gebrekidn، 2012، 36).
وركزت المرحلة الأولى من الإصلاح (1991-1996) على إعادة هيكلة المؤسسات الحكومية وبرنامج التخفيض.
وبدأت المرحلة الثانية من برامج الإصلاح في العام 1996، إذ وضعت الحكومة (أربعة عشر برنامجا)، لبناء القدرات الوطنية، وهي خطوة كبيرة إلى الأمام. وكانت الفكرة الرئيسة لصياغة برامج بناء القدرات هذه هي الحقيقة العملية التي مفادها أنه بدون تعزيز قدرة الأمة ككل على القطاعات الرئيسة المختارة، لن تتحقق تنمية البلد وسيستمر الفقر في تهديد سلامته.
وكانت برامج بناء القدرات الـ (14) المصممة هي:
1. برنامج إصلاح الخدمة المدنية.
2. برنامج التدريب التقني والمهني: برنامج الإصلاح التربوي، وبرنامج الإصلاح الزراعي.
3. برنامج التدريب التقني والمهني في مجالات التدريب غير الزراعية وغير التربوية.
4. برنامج تنمية قطاع التعليم.
5. برنامج بناء قدرات القطاع القضائي.
6. برنامج إصلاح بناء القدرات للجمعيات المدنية والمنظمات غير الحكومية.
7. برنامج بناء القدرات الهندسية.
8. برنامج بناء قدرات المنسوجات والملابس الجاهزة.
9. برنامج بناء قدرات القطاع الخاص.
10. برنامج تنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
11. برنامج بناء القدرات اللامركزية على مستوى المقاطعات.
12. برنامج إصلاح النظام الضريبي.
13. برنامج بناء القدرات في مجال الإدارة الحضرية والتنمية.
14. برنامج التعاونيات لبناء القدرات.
وقد صممت هذه البرامج الـ(14) لبناء القدرات لتشكيل برنامج وطني لبناء القدرات، وقد أنشئت وزارة بناء القدرات في العام 2002، لتكون مسؤولة عن تنسيق البرامج وتنفيذها بطريقة هادفة، وأنشطة بناء القدرات التي جرت بطريقة مجزأة، وإعطاء القيادة والتوجيهات المركزية للمنظمات الحكومية على المستويات المختلفة. وفي نهاية العام 2002، بدأ التنفيذ الكامل للبرنامج. وفي خطوة أولى أنشئت مكاتب لإصلاح الخدمة المدنية في مؤسسات الخدمة المدنية الاتحادية والإقليمية الرئيسة لتقديم الدعم التقني في مجال التخطيط والإدارة، ووزعت على هذه المؤسسات وثيقة تتضمن معلومات عن تدابير الإصلاح (السريعة الانتصارات) لزيادة رضا المستفيدين من الخدمات.
وفي عام 2004، برز برنامج بناء القدرات في القطاع العام الإثيوبي الذي يشمل البرامج الآتية: (إصلاح الخدمة المدنية، وإصلاح النظام الضريبي، وإصلاح نظام العدالة، واللامركزية على مستوى المقاطعات، وبناء القدرات في مجال الإدارة الحضرية، وتنمية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات) وذلك تحت مظلة بناء القدرات الاستراتيجية (Ministry of capacity Building، 2005). وهدفت إلى تحسين نطاق تقديم الخدمات العامة وكفاءتها واستجابتها على المستوى الاتحادي الإقليمي والمحلي، وتمكين المواطنين من المشاركة في مسار التنمية الخاصة بهم وتعزيز الحكم الرشيد والمساءلة.
وفي العام 2009، أجري تقييم وطني، وخلص إلى أن معظم برامج الإصلاح الإداري قد نضجت، وأصبح لها بيئة مناسبة وملاءمة يمكن أن يضطلع بها وزراء قطاع كل منها. ولذلك، فإن وزارة بناء القدرات السابقة قد أنجزت غرضها، ومن ثم اندمجت وزارة بناء القدرات مع وكالة الخدمة المدنية الاتحادية عام 2010، وأطلق عليها اسم وزارة الخدمة المدنية.
وقد نفذت معظم برامج بناء القدرات هذه من قبل وزارات القطاع الخاص بها تحت إشراف وتنسيق مباشرين من الوزارة بدعم من الجهات الفاعلة. وحالياً لا يوجد برنامج إصلاح الخدمة المدنية إلا في وزارة الخدمة المدنية فقط.
2-البعد القانوني للخدمة المدنية في إثيوبيا الاتحادية
تنبع قوة الإدارة العامة السائدة من النظام القانوني الإثيوبي الاتحادي، بداية من إعلان رقم (4/ 1995)، والإعلان رقم (262/2002) الخاص ببرامج الإصلاح الإداري، ومن ثم إعلان الخدمة المدنية الاتحادية رقم (515/2007)، الذي بدأ ديباجته حول أهمية معالجة المشاكل التي تم تحديدها أثناء تنفيذ الإعلان رقم (262/2002) الخاص ببرامج الإصلاح الإداري وإعطاء الوضوح الكافي فيما بعد؛ لأنه من الضروري تعزيز نظام العدالة من أجل توفير حماية أفضل للموظفين المدنيين، ومن الضروري أن يدرج في قانون جديد التغييرات كافة التي تحدث نتيجة لتنفيذ البرنامج الفرعي لإدارة الموارد البشرية لإصلاح الخدمة المدنية (Federal Civil Servants Proclamation، No. 515/2007).
وهذا الإعلان قام بتنظيم شؤون قطاع الخدمة المدنية، بناء على نتائج برامج الإصلاح الإداري، وتنظيم هياكل الأجهزة التنفيذية الحكومية وتوصيف مهامها باختلاف مستوياتها، مع واجبات الموظفين وحقوقهم، وتنظيم العلاقات بين الرؤساء والمرؤوسين من جهة، وبين جمهور المواطنين والموظفين من جهة أخرى، واشتمل الإعلان أيضاً على مواد تخص المحاكم الإدارية وتنظم مهامها.
3- برنامج إصلاح الخدمة المدنية
بدأت برامج إصلاح الخدمة المدنية، بوصفها أحد البرامج الوطنية لبناء القدرات، في العام 1997، استجابة لأوجه الضعف في النظام الإداري، والتحديات التي تواجه نظام تقديم الخدمات العامة بشكل خاص، والهدف العام له هو تنشيط التنمية الشاملة للبلد ككل.
وقد تم وصفه من أهم المشاريع الوطنية العملاقة من حيث الموارد البشرية والالتزام المالي على حد سواء، وقد هدف هذا البرنامج إلى إدخال تشريعات جديدة، ومحسنة، وأنظمة عمل لتبسيط العمليات الإدارية، وضمان الفعالية، والكفاءة، والسلوك الأخلاقي في الأداء وتقديم الخدمات.
وهذا البرنامج كان ومازال بمثابة خارطة طريق للمضي قدما نحو تعزيز احتياجات قدرات الخدمة المدنية وتدعيم سياسة الحكومة واستراتيجيتها من أجل تعزيز التنمية الاقتصادية المستدامة في إطار نظام اقتصادي ديمقراطي يحركه السوق. ويهدف برنامج إصلاح الخدمة المدنية إلى تحويل الخدمة المدنية إلى قطاع فعال وحديث من خلال تعزيز قدراته على التصدي للتحديات الرئيسة التي تعرقل أداءه، ويسعى إلى تحقيق فعالية الجوانب المختلفة وكفاءتها على الصعيدين الاتحادي والإقليمي من خلال تدابير تحول جذرية. وقد أجريت حتى الآن تغييرات كثيرة في المواقف وفي الهيكلية والنظامية وكانت من النتائج الإيجابية الهامة.
4-أسباب تصميم برنامج إصلاح الخدمة المدنية وتنفيذه
ثمة مجموعة من المشاكل والتحديات الرئيسة واجهت الخدمة المدنية في إثيوبيا، ولذلك كان لا بد من وجود برنامج للإصلاح لمعالجتها، وتمثلت الحاجة إليه للأسباب الآتية:
• كبار المدراء والقادة في قطاعات الخدمة المدنية، لم يكونوا مؤهلين، وليس لديهم كفاءة قيادية.
• ضعف مستوى الأداء من قبل موظفي الخدمة المدنية واستمرار تدهوره بشكل دائم، نتيجة للافتقار إلى المهارات، وإلى سياسات الإبداع والابتكار، وضعف المهنية ومستوى الروح المعنوية.
• انخفاض أجور الموظفين وعدم مكافأتهم، ومن ثم فإن النظام لا يجذب القوى العاملة الماهرة ولا يحافظ عليها.
• الاستخدام غير الملائم للموارد العامة، إذ كان تركيز قطاع الإدارة في استخدام الموارد العامة - على سبيل المثال - على المدخلات والأنشطة، ولم تكن الموارد مرتبطة بالنتائج وبتحقيق أهداف السياسات العامة للحكومة.
• الأنظمة الإدارية القديمة وغير القادرة على الاستجابة للبيئة المتغيرة التي تعمل فيها الخدمة المدنية.
• غياب أنظمة الرقابة والمساءلة، وانعدام عمليات التقييم لأداء قطاع الخدمة المدنية.
• كان الجمهور من المواطنين، يرون أن البيروقراطية التقليدية والمتوارثة في الأنظمة الإدارية بدون تصحيح مساوئها، والاستفادة من ممارستها الجيدة، تشكل عائقا نحو المسير في تقديم الخدمات العامة بكفاءة، لذا كان لابد من تغيير القوانين والممارسات الموروثة من الماضي، وذلك إرضاء للمواطنين.
• كانت الخدمة المدنية تعاني من نقص الموارد من حيث القوى العاملة والميزانية، على الرغم من الإنفاق المتكرر والمتزايد على الخدمة المدنية. وحين تولت حكومة الجبهة الديمقراطية الثورية للشعب الإثيوبي السلطة عام 1991، كانت إثيوبيا تمتلك جهازاً إداريا صغيراً، بما يعادل أربعة موظفين حكوميين لكل (1000) من السكان. وبالمقارنة في ذلك الوقت، كان لدى البلدان الأفريقية في هذا الوقت (30) في المتوسط، في حين كان لدى ألمانيا على سبيل المثال (56) موظفا حكوميا لكل (1000) مواطن.
• ثقافة المنظمة الراسخة حول تركيز السلطة في المستويات العليا، من التسلسل الهرمي للخدمة المدنية وغياب التفويض وتوزيع الصلاحيات، الذي أوجد عثرات كبيرة واخفاقات خطيرة أثناء الممارسات الإدارية.
• انتشار الفساد والممارسات التنظيمية غير الأخلاقية في المؤسسات الحكومية مثل الرشاوى، والاختلاس، وغير ذلك.
5-أهداف برنامج إصلاح الخدمة المدنية
أ-الأهداف العامة لبرنامج الإصلاح
تمثلت الأهداف الرئيسة لبرنامج الإصلاح في الآتي:
• تصحيح التخلف في النموذج القديم المناهض لعملية التنمية.
• تبني نموذج نظامي يُحدث الهيكل العام للخدمة المدنية، وبيئتها العامة في البلد.
• توضيح أدوار المدراء ومسؤولياتهم الواضحة، وحجم السلطة المخول لهم.
• تحديد الأدوات والمهارات اللازمة لإدارة المسؤوليات والمهام في قطاع الخدمة المدنية.
• تأهيل الموظفين المتميزين بالكفاءة والمهارة.
• تحقيق الإدارة الكفؤة، والعدالة في التوظيف والتعيينات.
• استخدام الموارد البشرية، والمالية، بطريقة تحقق الترشيد أثناء ممارسة المسئوليات والمهام.
• تقويض السلوك الفاسد على المستويات كلها، وتوجيهه نحو السلوك الصحيح الأخلاقي.
• تفعيل نظام الرقابة الموجه نحو تمكين قطاع الخدمة المدنية.
• تغيير الوعي التنظيمي لدى الموظفين، من العقلية المعتقة غير المنظمة إلى المدركة لأهمية قطاع الخدمة المدنية، وذلك عبر توجيههم نحو عقلية الخدمة، ونحو الوضع العام الذي تكون فيه الخدمة المدنية قادرة أخلاقيا، وهيكليا، على تقديم الخدمات العامة المناسبة للجمهور.
• تحقيق الملاءمة في تقديم الخدمات، وتنظيم علاقة الخدمة المدنية مع الجمهور، ومع بقية المؤسسات الإدارية الأخرى.
ب-الأهداف الخاصة لبرنامج الإصلاح ضمن الاتحاد الفيدرالي الإثيوبي
كان لبرنامج إصلاح الخدمة المدنية أيضاً أهداف خاصة على الاتحاد الفيدرالي الإثيوبي ككل، والولايات على حد سواء وهذه الأهداف هي:
• تركيز الجهود والموارد على الأولويات الحكومية ذات العلاقة بالخدمات العامة.
• تطوير الفدرالية وتحقيق أهدافها في تطوير عملية اللامركزية الإدارية والحكم الذاتي.
• ضمان قدرة الحكومات الاتحادية، والإقليمية، على تقديم خدمات تتسم بالكفاءة والفعالية.
• تحويل النظام المناهض للديمقراطية، والمعرقل لسياسات البلد نحو أسلوب محايد ديمقراطياً وإداريا.
• تشجيع تطوير القطاع الخاص، من خلال تقديم الدعم حيثما يقتضي الأمر ذلك، والحد من التنظيم
للمجالات الأساسية فقط.
• إعادة توجيه الخدمة المدنية، نحو تحقيق أهداف الحكومة بكفاءة وفعالية، بدلا من السيطرة البيروقراطية على المدخلات والأنشطة والإجراءات.
• الاستجابة لاحتياجات المواطنين، وتقديم الخدمات بطريقة عادلة ومفتوحة وفعالة.
• تحقيق الملاءمة في تقديم الخدمات، وتنظيم علاقة الخدمة المدنية مع الجمهور ومع بقية المؤسسات الإدارية الأخرى.
• تمكين الشرطة والسلطة القضائية ليكون لديها قدرة أقوى بكثير على التحقيق في حالات سوء التصرف في الخدمة المدنية والحكم عليها.
• قيام الحكومات الاتحادية والإقليمية بإدارة الموظفين وتعزيزهم، وفقاً للأداء وبطريقة عادلة ونزيهة.
• الوصول بالحكومات الاتحادية والإقليمية، لتعمل ضمن إطار قانوني شامل وكامل، من خلال الخدمة المدنية، في مجال إدارة الموارد البشرية.
6-النتائج التي تم توقعها من برنامج الإصلاح الإداري للخدمة المدنية في إثيوبيا
كانت هناك نتائج متوقعة للجنة الاستشارية التي أعدت برنامج الإصلاح الإداري، ومن أهمها:
• إحلال نظم تشغيل إدارية جديدة، مع مجموعة من المبادئ التوجيهية لسياسات الممارسات الإدارية الفضلى وإجراءاتها التي تساعد على تحسين أداء الخدمة المدنية.
• قدرات ذات كفاءة عالية من الموارد البشرية، لديها الإمكانيات والمهارات لإدارة مؤسسات الخدمة المدنية وتحقيق السياسات والأولويات العامة الحكومية، وذلك على مستوى الاتحاد الفيدرالي الإثيوبي ككل، وعلى مستوى الولايات.
• إيجاد القدرة التنظيمية والمؤسسية لضمان الاستخدام الفعال للموارد وإدارتها داخل الخدمة المدنية.
7-تنظيم برنامج إصلاح الخدمة المدنية
من أجل تنظيم برنامج الإصلاح في إطار منطقي، تم تصميم البرنامج وتنظيمه من خلال خمسة برامج فرعية مترابطة ومتشابكة (Federal Civil Servants Proclamation، No. 515/2007)، وهي:
• البرنامج الفرعي للإدارة العليا.
• البرنامج الفرعي للموارد البشرية.
• البرنامج الفرعي لإدارة الإنفاق.
• البرنامج الفرعية لتقديم الخدمات الفرعية.
• برنامج الأخلاقيات الفرعي.
وتم تنظيم كل برنامج فرعي بطريقة تعالج مجالات محددة من إدارة الخدمة المدنية، بحيث تضمن أن تقود وتٌحدث تحويلا حقيقياً للخدمة المدنية في البلد. وقد صممت على أساس تقرير فرق العمل التي قامت بإجراء البحوث والدراسة حول برامج بناء القدرات والإصلاح عام 1997.
8-الأساليب والأدوات الرئيسة لتنفيذ برنامج إصلاح الخدمة المدنية
منذ بداية تنفيذ برنامج إصلاح الخدمة المدنية مع برامجه الفرعية وإلى اليوم، يتم التنفيذ من خلال استخدام أساليب وأدوات إدارية مختلف، وهي:
• التخطيط الاستراتيجي الإداري: كان التخطيط الاستراتيجي والإداري الأداة الأولى التي تم اتخاذها للعمل في بداية برنامج الإصلاح، وهذه الأداة تستخدم التقنيات العملية الحديثة في فهم التخطيط الاستراتيجي والإداري وممارسته، إذ إن كل مؤسسة يجب أن يكون لديها تصميم من 3- 5 خطط استراتيجية وإدارية وتنفيذها وفقا لأهداف المؤسسة.
• تحقيق الانتصارات السريعة: هو أسلوب لتنفيذ برامج الإصلاح التي تؤدي إلى نتائج إيجابية في إطار زمني قصير ومحدد. وفي إطار هذه التقنية، خططت المؤسسات لتنفيذ أنشطة الإصلاح هذه التي أسفرت عن نتائج صغيرة يمكن ملاحظتها بسهولة بحيث يمكن كسب ثقة الأشخاص المعنيين بها، والتأكد من نجاح برامج الإصلاح.
• إعادة هندسة العمليات: هو أسلوب جذري لتنفيذ التغيير، إذ إن كل جانب من جوانب المؤسسة يخضع لتغيير كبير، ومن خلال هذا الأسلوب أو الأداة، يكون من المتوقع أن تقوم المؤسسات الحكومية بتحويل الطريقة التي تقوم بها أعمالها وهيكلها لتنفيذه. وهي جذرية في نهجها التنفيذي، ودراماتيكية في مدى النتائج المقدمة، وهذه الأداة كانت هي الأكثر تنفيذاً، وتأثيرها إيجابي بشكل كبيرة ولكن أيضا لها كثير من السلبيات. وقد خضعت كل مؤسسة حكومية تقريبا على جميع المستويات لهذه الأداة.
9-أدوات تفعيل إدارة الأداء الفعال وأساليبها التي تم استخدامها
• الإدارة حسب الأهداف: الإدارة حسب الهدف، كان واحدا من أهم أدوات تجريب تنفيذ أهداف الإصلاح. وكان هدفها الأساس هو إدارة الأداء.
• نظام إدارة الأداء المتكامل: وهو نسخة أخرى من إدارة الأداء، باستخدام تقنيات التخطيط الاستراتيجي والإداري، وتستخدم هذه الأداة لتنفيذ نظام متكامل لإدارة الأداء.
• بطاقة الأداء المتوازن: تم استخدام هذا الأسلوب لتخطيط أداء كل الجهات الفاعلة المشاركة في تنفيذ أهداف البلاد ومراقبتها وقياسها. وهو نهج متكامل للتخطيط الاستراتيجي، ولتنفيذ أداء جميع الجهات الفاعلة المعنية وقياسها. وبسبب نهجها الاستراتيجي، واحتواءها على مجموعة متوازنة من التدابير والمواءمات الاستراتيجية نفذت في جميع المؤسسات الحكومية تقريبا في جميع أنحاء إثيوبيا.
• جيش التغيير في الخدمة المدنية: جرى تنفيذه لإنشاء نهج منظم، لتنفيذ العمليات ورصدها وتقييمها على كل المستويات. وهذا الأسلوب أو الأداة عبارة عن منصة منظمة، وفيها يتم بناء قدرات أعضاء الفريق، وتقييم التحديات والمشاكل الرئيسة المواجهة لهم، وتخفيفها من خلال الطريقة الديمقراطية، وقياس الأداء بشكل جماعي وفردي وتحديد الرواد والقادة.
وقد رأى كثير من المختصين الإداريين في إثيوبيا بأنها مناسبة لحالتها، ولتحديد الاستراتيجية التي ينبغي اتباعها، وبحد تعبيرهم فهي المنصة الأكثر ديناميكية والمتاحة التي يمكن أن تكون مساوية لدوائر الجودة التي أنشئت في كايزن، كما أنها أسلوب مهم لتوضيح أوجه القصور الرئيسة في تنفيذ الاستراتيجية، وبناء قدرات منفذي الأداء، وضمان التميز.
وتميز جيش التغيير لكونه يضم العناصر الفاعلة الرئيسة في تنفيذ الاستراتيجية التي تضم الجناح الحكومي، وأصحاب المصلحة الرئيسين، والحزب الحاكم، ومنظمات المجتمع المدني. أما ميثاق المواطنين فمن خلاله توصلت المؤسسات الحكومية إلى اتفاق مع الجمهور حول الطريقة التي يتم بها تقديم الخدمات العامة الرئيسة، والطرق التي سيتم بها حل المشكلات والتحديات، وإلى الآن تقوم مؤسسات حكومية عدة بتصميم مواثيق المواطنين ونشرها بالتشاور مع عامة الجمهور، وقد وجد الجمهور الإطارات التي من خلالها تضمن حقوقهم والتزاماتهم.
ثالثاً: برنامج إصلاح الخدمة المدنية في إثيوبيا ما بيــــــن
(النتائج- والفرص- والتحديات) قراءة تحليلية
تحتفل إثيوبيا باليوم الوطني للخدمة المدنية في الثامن من يونيو من كل عام، ويأتي هذا الاحتفال السنوي احتفاء بالنتائج التي تحققت من برامج إصلاح الخدمة المدنية، وتأكيداً على الاستمرار في تحقيق أهداف برامج الإصلاح لقطاع الخدمة المدنية، وتحويل قطاع الخدمة المدنية إلى قطاع فعال ومتميز بالأداء، وهو ما تعده الحكومة الاتحادية من أهم إنجازاتها، فضلا عن أن هذه الإنجازات هي لضمان التنمية المستدامة في جميع أنحاء البلاد.
وسنتناول في هذا الجزء النتائج التي تحققت من برامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية في جمهورية إثيوبيا الفيدرالية الديمقراطية، فضلا عن فرص الاستمرار والتطوير لهذا القطاع، والتحديات التي تواجه برامج إصلاح قطاع الخدمة المدنية.
1-النتائج التي تحققت من تنفيذ برنامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية في إثيوبيا
من خلال تنفيذ برنامج بناء القدرات وبرنامج إصلاح الخدمة المدنية، تم الحصول على نتائج عدة، أهمها:
• تحقيق الكفاءة والفعالية في جميع المؤسسات الحكومية تقريبا، فما كان يستغرق تحقيقه أياما وشهورا وحتى سنوات يمكن اليوم أن يتحقق في دقائق، أو ساعات فقط، وأصبح تأخير المعاملات لمدة تتجاوز الأيام والشهور هو من التاريخ الماضي لأي مؤسسة خضعت لبرنامج الإصلاح الإداري.
• تعززت قدرة موظفي الخدمة المدنية، من خلال برامج بناء القدرات الشاملة والتدريبات العملية.
• أصبح لدى الجمهور ثقة لا بأس بها في مؤسسات الدولة، فيما يتعلق بتوفير الخدمات الرئيسة، فضلا عن أنه صاراً معبرا عن مصالحه واستياءه لدى هذه المؤسسات.
• أصبحت الخدمات العامة الرئيسة تتسع يوماً بعد يوم، من خلال توسيعها في محيط عامة الجمهور عن طريق تنفيذ الهياكل الرئيسة لتكنولوجيا المعلومات، وقد قامت بتطبيقها أيضا الحكومات المحلية للولايات (Civil Service Reform Program in Ethiopia، 5).
ولابد من القول، بأنه حالياً يجري بناء بلد جديد له هيكل ونظام جديد يتماشى مع الديمقراطية، والتنمية، والحكم الرشيد. وقد تحقق نمو اقتصادي للبلد مزدوج الرقم لمدة تسع سنوات متتالية.
2-فرص تطور قطاع الخدمة المدنية في إثيوبيا بمساعدة برامج الإصلاح الإداري
أحرزت إثيوبيا تقدما هائلا في تعزيز قدرات قطاع الخدمة المدنية، والمؤسسات الحكومية العامة المختلفة في الوقت الذي تواجه فيه كثير من تجارب الدول الأخرى التعثر وعدم القدرة على استكمال برامجها الإصلاحية. وبذلك فإن هناك فرصاً متاحة لمزيد من الإنجازات والتقدم في مسيرة الإصلاح من خلال الآتي:
• إن خطوات البلد نحو الديمقراطية، وتحقيق اللامركزية الإدارية وصولا إلى الحكم الذاتي للولايات عبر الفيدرالية الاتحادية، تعتمد اعتمادا كبيرا على فعالية الخدمة المدنية ومؤسساتها ومهنية منتسبيها. لذا فتحقيق كل ذلك يتطلب وجود قطاع إداري قوي، ومحايد، وفاعل، ومهني، ويكون لديها قدرات عالية من الاحتراف المهني وهذا ما يستدعي استمرار عمليات الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية والتفاعل معها.
• التزام القادة، وأصحاب المصلحة الآخرين، بدعم برامج الإصلاح الإداري عبر تقيم الخطط السابقة في عملية الإصلاح، واستحداث الخطط الجديدة الملائمة. ولعل خطة النمو والتحول في إثيوبيا (2010 - 2015) (Samue، 2016، 7) كانت نموذجاً للخطط التي لديها قاعدة متكاملة من الأهداف، وامتدت إلى دعوة قادة الخدمة المدنية الفاعلين والموظفين ليكونوا شركاء في تنفيذ هذه الخطة وتقييمها وملاءمتها مع واقع الخدمة المدنية بحسب خبراتهم وممارساتهم.
• استمرار تنمية الموارد البشرية، فتنمية الموارد البشرية أمر بالغ الأهمية، وهي فرصة متاحة في ظل الوعي الذي بدأ بالترسخ لدى موظفي قطاع الخدمة المدنية بأهمية أدوارهم وقطاعاتهم، ومن ثَمّ فإن النمو هو أحد أهم أدوات التحول الإيجابي، وهي محرك لبناء المهنية في الخدمة المدنية.
• دعم المنظمات الدولية والمجموعات الاستشارية لبرامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية، وتعد من أهم الفرص المتاحة للحكومة الاتحادية التي ستتمكن من خلالها من توفير الدعم التقني والمادي، مع توفير الاستشارات بما يضمن إيجاد أفضل النظم الإدارية وتحقيق أفضل ممارسات الأداء.
• استمرار عمليات التقييم بمشاركة قطاع المجتمع المدني والفاعلين لبرامج الإصلاح الإداري يضمن استمرارية تطوير البرامج وتحقيق أفضل النتائج.
• بدأت حالة الوعي لدى الجمهور بالتفاعل مع برامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية، الأمر الذي يوفر قاعدة مساندة وقوية للحكومة لإنجاح تلك البرامج.
3-التحديات التي تواجه برامج الإصلاح الإداري وقطاع الخدمة المدنية
على الرغم من غنى التجربة الإثيوبية فإن هناك تحديات وعثرات كبيرة تواجه عملية الإصلاح الإداري للخدمة المدنية في إثيوبيا، ومنها على سبيل المثال:
• عدم القدرة على تحديد أدوار القادة السياسيين وعلاقتهم بقطاع الخدمة المدنية، إذ واجهت مجموعة من الانتقادات والمعارضة الخطيرة التي قد تنسف كل عمليات برامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية، وتلخصت هذه الانتقادات حول اتهام الحزب الحاكم بتسييس قطاع الخدمة المدنية عبر توظيف الموالين له، أو بناء على العرق المهيمن في السلطة، وأيضا انعدام شروط العدالة أثناء التوظيف والتعيين، وانتشار المحسوبية، وانعدام الشفافية.
• سلوك الموظفين العموميين البالغ (عددهم 000 300 موظف - ربعهم تقريباً من النساء) يجب أن يتغير قبل كل شيء (Debela &Hagos،2012، 27) فما يزال هناك كثير من السلبية في التعاطي مع برامج الإصلاح، ويرجع ذلك إلى تدني مستوى الثقافة والاخلاقيات التنظيمية.
• موقف جمهور المواطنين من المؤسسات العامة، فحتى مع بداية حالة الوعي والتفاعل مع برامج الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية، إلا أنه ما يزال هناك ضعف في الثقة بمؤسسات الدولة العامة وحياديتها ونزاهة تقديمها للخدمات العامة بدون محاباة، وإزالة ضعف الثقة يتطلب التزاما وجهدا كبيرا. كونه متدرجا تاريخيا نتيجة لأداء المؤسسات في الأنظمة السابقة لنظام الدولة الحالية، ويحتاج جمهور المواطنين إلى أدلة ملموسة ومستدامة لبناء الثقة، وهذا قد يستغرق وقتا طويلا جدا مع عدد من البرامج المحدثة والموائمة لتطوير ثقة الجمهور ووعيه.
• وجود فجوة بين المهارات والمعرفة، فعلى الرغم أن البلد يتطور الآن وضمن مراحل مهمة، إلا أنه يتكامل الآن مع المجتمع الدولي، وأصبح لدى جمهور المواطنين الإثيوبيين اتصالاً أكثر مع العالم الدولي، ومن الصعب جدا مع هذا الوضع مواجهة المطالب الحقيقية للجمهور على النحو الملائم، مع زيادة الضغط على الخدمة المدنية لرفع مستوى معارف موظفي الخدمة المدنية ومهاراتهم.
• عدم القدرة على وضع خارطة طريق واضحة لبرنامج الإصلاح، وخطط نهج شاملة ومتشابهة لجميع القطاعات دون تكييف، مع حدوث الارتباكات أثناء التنفيذ.
• شحة الموارد والإمكانيات لتنفيذ البرامج الرئيسة مع الفرعية ومواكبتها بعمليات التقييم والتقويم.
• عدم وجود استراتيجية اتصال محدثة ومستمرة، لمعالجة جميع مطالب أصحاب المصلحة وشكاويهم (موظفي قطاع الخدمة المدنية – وجمهور المواطنين).
• ضعف نظام الرصد، وتقييم غير متناسق وضعيف.
• ضعف فاعلية برامج التدريب والتأهيل، وخضوعها للانتقادات بأنها غير عادلة، ولا تستهدف القدرات المفروض بناءها لدى موظفي القطاع العام.
• كثرة انتهاك القانون بقصد من قبل المتنفذين في السلطة السياسية والمستويات الإدارية العليا (Yohannes and Desta G/Micael،20) وبدون قصد من قبل غير الملمين بالقوانين والتشريعات (الموظفين- وجمهور المواطنين).
• ضعف المساءلة الإدارية القانونية، وانعدامها في حالات كثيرة.
• ضعف الكفاءة التكنولوجية.
• ضعف ثقافة العمل الجماعي.
• انعدام الشعور بالانتماء الوظيفي نتيجة لغياب الأمن الوظيفي المتمثل في (الترقيات- والمكافآت العادلة- والتحفيز المعنوي).
• ضعف استخدام وسائل الإعلام للحديث والتوعية حول أدوات الإصلاح الإدارية التي أدخلت ونفذت.
• قلة الخبراء المحليين في مجال الإصلاح الإداري لقطاع الخدمة المدنية، إذ لوحظ بأن هؤلاء الخبراء هم خبراء دوليون، ويتم استقدامهم عبر جهات دولية ممولة، وبمجرد أن تنتهي أدوارهم يعودون، دون أن يكون هناك تأهيل ووجود لخبراء محليين يكملون المهمة، وهو ما أدى إلى فجوة واضحة في تعثر عدد من البرامج وتنفيذها على مراحل بطيئة.
اليمن والاستفادة من تجربة أثيوبيا
في إصلاح قطاع الخدمة المدنية
(قراءة تحليلية)
أولاً: الفيدرالية بوصفها مخرجا من مخرجات الحوار الوطني في اليمن
ضمن سياق الأزمة اليمنية، كانت الفيدرالية إحدى الحلول السياسية التي تم اقتراحها خلال الحوار الوطني اليمني لتكون آلية لإعادة هيكلة الدولة بشكل يعكس التنوع الجغرافي والمناطقي والقبلي في البلاد. ولتصحيح الاختلالات التي نشأت نتيجة لتاريخ طويل من المركزية والإقصاء، وكان الحوار الوطني محطة مؤثرة ومفصلية في تاريخ اليمن الحديث، إذ شاركت فيه القوى السياسية والاجتماعية المختلفة، بما في ذلك الأحزاب السياسية، والحركات الثورية، وممثلون عن المناطق الجغرافية المختلفة، فضلا عن مكونات من المجتمع المدني.
وتم توظيف الحوار الوطني لتقديم حلول جذرية للأزمة اليمنية المستمرة، وكان من أبرز مخرجاته إقرار الفيدرالية نظام حكومي متوازن يتيح لكل إقليم درجة من الاستقلالية تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية وتطوير الاستقرار السياسي.
1-الحوار الوطني اليمني
بدأ الحوار الوطني اليمني في(18) مارس 2013 بعد الاحتجاجات الشعبية التي أطاحت بنظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وكان مشروع هذا الحوار ضمن بنود المبادرة الخليجية التي دعت إلى انتقال سلمي للسلطة، وهدف الحوار الوطني بشكل رئيس إلى معالجة جذور الأزمة اليمنية والتوصل إلى حلول شاملة لكل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي أثرت على البلاد لعقود.
استمر الحوار الوطني لمدة (10) أشهر وانتهى في يناير 2014، إذ تم إقرار مجموعة من المبادئ والتوصيات التي كان من بينها الاقتراح بتحويل اليمن إلى دولة اتحادية وفي النظام الفيدرالي، لكن تنفيذ مخرجات الحوار لم يتحقق بشكل كامل بسبب التصعيد العسكري والصراعات السياسية التي اندلعت بعد ذلك، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمات في البلاد.
2-الرؤية الفيدرالية في إطار الحوار الوطني
كان نظام الفيدرالية من أبرز المخرجات التي تم الاتفاق عليها في الحوار الوطني اليمني، بوصفها حلا استراتيجيا لمعالجة التحديات المعقدة التي يعاني منها اليمن، وكان الهدف الرئيس من تبني الفيدرالية هو إعادة بناء الدولة اليمنية على أسس أكثر توازنًا، من خلال توزيع السلطة بين الحكومة المركزية والأقاليم، بحيث يُمنح كل إقليم درجة من الحكم الذاتي تتناسب مع خصوصياته الثقافية والاقتصادية والسياسية، ويعزز من قدرته على إدارة شؤونه المحلية بشكل أكثر فعالية.
وأكدت نقاشات الحوار الوطني ومخرجاته أن الفيدرالية ستعمل على معالجة إشكاليات التهميش التاريخي لبعض المناطق، وتقوية الشعور بالانتماء الوطني، في حين تبقى قضايا السيادة الكبرى، مثل الدفاع والسياسة الخارجية، من اختصاص الحكومة المركزية (وثيقة مخرجات الحوار الوطني اليمني،2014).
وقد تضمنت مخرجات الحوار الوطني اقتراحًا يتضمن تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، وهي:
• إقليم صنعاء (يشمل العاصمة صنعاء وبعض المناطق المحيطة).
• إقليم عدن (يضم جنوب البلاد بما في ذلك عدن لتكون عاصمة اقتصادية).
• إقليم حضرموت (يشمل المناطق الشرقية مثل حضرموت والمناطق المحاذية).
• إقليم تهامة (يشمل المناطق الغربية على البحر الأحمر).
• إقليم الجند (يشمل مناطق وسط اليمن).
• إقليم سبأ (يشمل المناطق الشمالية الوسطى)
وتم تصميم هذه الأقاليم على أن تكون قادرة على إدارة شؤونها الداخلية بما يتناسب مع احتياجاتها الخاصة، مع الحفاظ على الدولة اليمنية الواحدة تحت إطار النظام الفيدرالي.
3-أهداف الفيدرالية في اليمن
أ-تحقيق التوازن بين المركز والأقاليم
إن اعتماد الفيدرالية من شأنه أن يقلل من التوترات الناشئة عن هيمنة السلطة المركزية التي كانت تمتعت بها صنعاء على حساب المحافظات والمناطق الأخرى في اليمن (المقطري، 2018، 36).
وقد عانت مناطق مختلفة في اليمن من التهميش الكبير، ومن ضعف البنية التحتية والخدمات الرئيسة، في حين كانت بعض المناطق الأخرى ترى أن الدولة المركزية لا تعكس تنوعها الثقافي والقبلي. لذلك، كان اقتراح الفيدرالية بمثابة محاولة لتوزيع السلطة بطريقة تضمن تحقيق التوازن بين المركز والأقاليم، مما يُمَكِّن كل منطقة من إدارة شؤونها المحلية بشكل أكثر فعالية.
ب-التنوع والوحدة الوطنية
يُعد نظام الفيدرالية في اليمن أداة لحماية التنوع الثقافي والمناطقي والقبلي، إذ إن اليمن تمتاز بتنوع كبير، إذ يعيش فيه عدد من الجماعات المتنوعة التي قد تشعر في أوقات معينة بأن مصالحها مهددة أو غير ممثلة بشكل كافٍ في نظام مركزي قوي (شودري وأندرسون،2015، 18)، فالفيدرالية ستساعد في إعطاء هذه المكونات الاجتماعية مساحة للمشاركة السياسية والتعبير عن هوياتهم الثقافية تحت سقف دولة موحدة.
جـ-التنمية المحلية المستدامة للأقاليم
من الناحية الاقتصادية قد تمثل الفيدرالية أحد الحلول لمشاكل توزيع الثروات والموارد الوطنية، لاسيما تلك المتعلقة بالموارد الطبيعية مثل النفط والغاز، إذ إن معظم الموارد تتركز في بعض المناطق، في حين تعاني مناطق أخرى من الفقر المدقع والافتقار لأي موارد (العثماني،2020، 15).
وكان من المتوقع أن يؤدي النظام الفيدرالي إلى توزيع أكثر عدلاً للثروات، مما يسمح للمناطق المختلفة بتخصيص جزء من الإيرادات المحلية لتنفيذ مشاريع تنموية في مجالات الصحة والتعليم والبنية التحتية.
د-تحسين كفاءة الحكومة المحلية
من المتوقع أن يعزز النظام الفيدرالي كفاءة الإدارة المحلية وفاعليتها من خلال منح الأقاليم صلاحيات واسعة في إدارة شؤونها الداخلية، إذ إن عدداً من المشاكل التي يواجهها اليمن، مثل البطالة والفقر والتهميش، يمكن معالجتها بشكل أكثر فعالية من خلال تخصيص الموارد، وإدارة السياسات على المستوى المحلي للمناطق بما يتناسب مع احتياجات كل إقليم.
هـ-تعزيز المشاركة في اتخاذ القرار
تسهم الفيدرالية في تمكين الأقاليم من اتخاذ قرارات محلية حول القضايا التي تهمها بشكل مباشر، مثل التعليم والصحة والمياه، وهذه الصلاحيات المحلية من شأنها أن تساعد في تعزيز الشفافية والمساءلة في إدارة الشؤون العامة، مما يسهم في تحسين الأداء الحكومي على المستوى المحلي، ومن ثَمّ ينعكس ذلك على الأداء العام للسلطة المركزية.
و-النظام الفيدرالي بوصفه إطار عمل للمصالحة الوطنية
تُعد الفيدرالية إطارًا هاماً للمصالحة الوطنية في بلد يعاني من صراعات دائمة، فضلا عن المنافع التي قد تقدمها في توزيع السلطة والموارد. وكان هناك إجماع واسع على أن الانتقال إلى الفيدرالية قد يسهم في معالجة الانقسامات بين الشمال والجنوب التي نشأت منذ حرب 1994 (المقطري، 41) وتوفير آلية لتجنب تكرار مثل هذه الصراعات في المستقبل.
وتمثل الفيدرالية في مخرجات الحوار الوطني اليمني محاولة هامة وجادة لإعادة توزيع السلطة والثروات بين المناطق المختلفة من البلاد، بما يتناسب مع التنوع الثقافي والجغرافي في اليمن، وعلى الرغم من ذلك، فإن تطبيق هذا النظام يظل معقدًا، إذ يتطلب تسوية الانقسامات السياسية القائمة، واستعادة الاستقرار الأمني في الأقاليم المختلفة، مع معالجة المخاوف الاقتصادية المتعلقة بتوزيع الموارد.
وفي ظل الظروف الراهنة من النزاع المستمر والصراع على السلطة، يبقى مستقبل الفيدرالية في اليمن غامضًا، إلا أنها تظل أحد الحلول الممكنة للمضي قدمًا نحو بناء دولة يمنية مستدامة ومتوازنة في المستقبل.
ثانياً: كيف يمكن لليمن الاستفادة من تجربة إثيوبيا الفيدرالية؟
تعاني اليمن من تحديات سياسية وإدارية عميقة تتضمن انقسامات مناطقية وقبلية، فضلا عن التوتر السياسي المستمر بين القوى المختلفة في البلاد من قبل بدء النزاع المسلح الحالي، لذلك فالفيدرالية بوصفها نظام حكم تعد من الخيارات التي قد تسهم في إدارة هذه التحديات.
إن تجربة إثيوبيا مع النظام الفيدرالي تعد من بين النماذج المميزة على مستوى الإقليم، إذ يجسد تطبيق الفيدرالية محاولة إدارة تنوع واسع وتحديات سياسية معقدة. وإذا نظرنا إلى السياق اليمني، فيمكن أن تكون تجربة أثيوبيا الفيدرالية ذات فائدة لليمن في ظل تحدياته المعقدة، إذ من خلال تبني الفيدرالية، قد يتمكن اليمن من إيجاد حلول عملية لإدارة التنوع الثقافي والسياسي، وتحقيق العدالة في توزيع الموارد، وتعزيز الاستقرار السياسي والاجتماعي.
إذ نجد أن اليمن تواجه واقعًا مشابهًا من نواحٍ، بدءًا من تعدد الهويات المحلية والمناطقية وتنوعها، وصولاً إلى الصراعات السياسية والحروب الأهلية، ومن ثم يكون من المهم التفكير في كيفية استفادة اليمن من تجربة الفيدرالية الإثيوبية على الرغم من الاختلاف الذي قد يظهر إلى حد ما في السياقات بين البلدين، فضلا عن أهمية دراسة هذه التجربة بعناية، ومراعاة السياق المحلي واحتياجات اليمن الخاصة لتفادي المشكلات التي قد تنشأ من تطبيق النظام الفيدرالي بشكل غير مدروس.
وفي هذا الفصل سنتناول بشكل تسلسلي الجوانب التي يمكن لليمن أن يستفيد منها ضمن تجربة أثيوبيا الفيدرالية.
1-الفيدرالية بوصفها أساسا لتوزيع السلطة والتمثيل العادل
في ظل التحديات التي يواجهها اليمن، قد يساعد النظام الفيدرالي في تفادي الهيمنة المركزية التي قد تُغضب مناطق معينة وتستثيرها، وتؤدي إلى تصعيد التوترات بالنظر إلى التنوع المناطقي والقبلي، وسيساعد في إقرار التوازن بين المركز والمناطق اليمنية المختلفة. فعلى سبيل المثال، كانت المحافظات الجنوبية في اليمن بعد حرب صيف 1994م تشعر دائمًا بتهميش من قبل الحكومة المركزية في صنعاء - مركز الجمهورية العربية اليمنية قبل الوحدة في العام 1990م-، مما أسهم في اندلاع الغضب والسخط من أبناء مناطق الجنوب ضد أبناء مناطق الشمال. لذلك فإن تطبيق الفيدرالية قد يوفر إطارًا قانونيًا لإعطاء كل منطقة حقوقًا أكبر في تقرير سياساتها المحلية وفقًا لاحتياجاتها الخاصة (شودري وأندرسون، 21)، الأمر الذي سيقلل من التوترات بين القوى المحلية والسلطات المركزية، ويعزز الشعور بالمساواة والعدالة بين المناطق المختلفة، فضلا عن أن استلهام نموذج الفيدرالية يعني أن تمنح كل محافظة أو منطقة إدارتها الخاصة، مع قدرة أكبر على اتخاذ القرارات المتعلقة بالموارد، الخدمات، والتعليم وفقًا لاحتياجاتها الخاصة.
2-تعزيز الوحدة الوطنية من خلال التنوع
تعد إدارة التنوع واحدة من أكبر التحديات في البلدان التي تمتاز بتنوع مناطقي وثقافي مثل إثيوبيا واليمن، دون أن يؤدي ذلك إلى تفكك المجتمع. وقد أثبت النموذج الفيدرالي الإثيوبي قدرته على دمج هذا التنوع ضمن النظام السياسي إلى حد جيد، إذ تم منح كل إقليم حقه في التعبير عن هويتها الثقافية، التعليمية، والدينية داخل إطار الدولة.
ولأن اليمن من البلدان العربية الغنية بالتنوع الثقافي المناطقي والقبلي، فإن الهيمنة المركزية تميل إلى إضعاف هذا التنوع لصالح نموذج أحادي في الحكم، وفي هذا السياق، يمكن لنظام الفيدرالية في اليمن أن يعزز من الاعتراف بالهوية المحلية والجماعية، ويتيح للمجتمعات المختلفة فرصة للمشاركة في صياغة سياسات وطنية تأخذ في الحسبان التقاليد والثقافات المتعددة. فالفيدرالية تمنح هذا الحق في التمثيل والتمتع بالحقوق ضمن إطار واحد، مما يسهم في تعزيز الوحدة الوطنية في ظل التنوع.
3-الفيدرالية وتحقيق التوزيع العادل للموارد
على الرغم من أن إثيوبيا تعرضت لانتقادات بسبب المركزية الاقتصادية التي ظلت قائمة حتى في ظل النظام الفيدرالي، لكن من المهم الإشارة إلى أن البلاد قامت ببعض الإصلاحات لضمان توزيع الموارد بين الولايات بشكل أكثر توازنًا.
وفي اليمن، تتمثل أكبر التحديات الاقتصادية في عدم التوزيع العادل للموارد (العثماني، 16)، وتبني نظام الفيدرالية يمكن أن يسهم في توزيع الموارد بشكل أكثر عدلاً بين المناطق المختلفة في اليمن، وإعادة هيكلة إدارة الموارد، بحيث تتمكن كل منطقة من التحكم بشكل أكبر في مواردها الطبيعية، وتوجيهها نحو احتياجاتها الخاصة. وهذا يمكن أن يعزز التنمية المحلية، لاسيما في المناطق الريفية التي تعاني من نقص كبير في الخدمات الرئيسة مثل الصحة والتعليم، فضلا عن ضرورة تأسيس آليات واجراءات متوازنة تعمل على دعم المناطق قليلة الموارد من خلال حصص الموارد الوطنية المركزية.
4-الفيدرالية وإدارة حل النزاعات وضمان الاستقرار السلمي للسلطة
يمكن للفيدرالية أن تكون أداة لحل النزاعات إذا تم تطبيقها بطريقة مدروسة، فعلى الرغم من الانتقادات التي وُجهت إلى نظام الفيدرالية في إثيوبيا بسبب تصاعد النزاعات العرقية والقبلية في بعض الأحيان (ربيعة وسلطان،2022، 61) فإن إثيوبيا بدأت بتفعيل هيئات دستورية مستقلة تضمن حقوق الولايات وحل النزاعات القانونية بين المركز والولايات، ورغم التحديات، ساعد ذلك في تقليل النزاعات.
وفي اليمن، الذي يواجه اليوم نزاعات سياسية داخلية مع صراعات متواصلة على السلطة بين مختلف القوى السياسية، التي يغلب عليها الطابع المناطقي والقبلي، يمكن له من خلال الفيدرالية تطوير الأسس السياسية التي تسهم في الحوار والتمثيل المتوازن لجميع الأطراف وتجنب الاستبداد المركزي، وأن توفر آلية لحل هذه النزاعات وقد تكون هذه الآليات جزءًا من عملية بناء السلام في اليمن، إذ يمكن أن تعمل المحاكم الدستورية أو مجالس الحكم المحلي على تسوية النزاعات بطريقة سلمية، بما يعزز من الاستقرار السياسي في مرحلة ما بعد الحرب.
5-الدروس التي يجب على اليمن أخذها بالاعتبار من التحديات الإثيوبي
إن كل تجربة لا تخلو من التحديات، ففضلا عن الإنجازات والفرص المحتملة، فإن تجربة إثيوبيا الفيدرالية تقدم دروسًا مهمة حول التحديات التي قد يواجهها اليمن عند تبنيه هذا النظام.
فعلى الرغم من الإيجابيات التي قدمها النظام الفيدرالي في إثيوبيا، إلا أن الفيدرالية تسببت في بعض الأحيان في تفاقم الصراعات الدموية بسبب التوترات العرقية والقبلية، لاسيما في السنوات الأخيرة، مثلما حدث في منطقة تيغراي، وهو ما يجب أن يتنبه له اليمن، وعليه أن يتعلم من هذه التحديات، ويعمل على تجنب الأخطاء التي قد تؤدي إلى زيادة الانقسامات المناطقية أو السياسية.
إن تطبيق الفيدرالية في اليمن يتطلب دراسة دقيقة للسياق المحلي، إذ إن هناك احتمالا أن يؤدي الحكم الذاتي الواسع لبعض المناطق إلى زيادة الانقسامات بين المناطق التي لها مصالح متضاربة، وربما يكون في سياق صراع طويل الأمد، لذلك، من الضروري أن يتم تضمين الدستور الفيدرالي آليات لحل النزاعات وحماية حقوق الأقليات لتجنب تفاقم هذه الانقسامات.
ثالثاً: اليمن والاستفادة من تجربة إثيوبيا الفيدرالية في إصلاح قطاع الخدمة المدنية
يمثل قطاع الخدمة المدنية أحد الأبعاد الجوهرية في بناء الدول وتنميتها وتعزيز استقرارها الاجتماعي والسياسي. وبالنسبة لليمن الذي يعاني من تحديات مؤسسية عميقة نتيجة الحرب والانهيار المؤسسي الذي شهدته البلاد في الأعوام الأخيرة، تصبح الحاجة إلى إصلاح هذا القطاع أكثر إلحاحًا لاسيما في مرحلة الاستقرار والسلم الاجتماعي.
وفي هذا السياق يمكن الاستفادة من تجربة إثيوبيا في إصلاح الخدمة المدنية الذي من الممكن أن يكون ذا قيمة لليمن، لاسيما في ظل تشابه البيئتين المعقدتين التي يعيشها كلا البلدين على الرغم من بعض التباين في الظروف التاريخية والسياسية. فإثيوبيا ومن خلال تجربتها الفيدرالية نجحت في تطبيق إصلاحات هيكلية وإدارية ساعدت في تحسين أداء القطاع الحكومي في مرحلة ما بعد الحرب، وهو ما يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة في اليمن.
1-تعزيز الكفاءة من خلال هيكلة الخدمة المدنية
بعد سقوط النظام الشيوعي في إثيوبيا عام 1991 وتبنيها نهج الفيدرالية، عملت على إحداث تغييرات واسعة في هيكل الخدمة المدنية، إذ كان من الضروري إصلاح قطاع الخدمة المدنية وبناء نظام حكومي جديد يتسم بالكفاءة ويعكس التنوع الكبير في البلاد. فقد تبنت إثيوبيا نظامًا إداريًا يضمن توزيع المسؤوليات بين المناطق المختلفة بشكل أكثر توازناً، مع إجراء إصلاحات هيكلية واسعة النطاق في القطاع العام، مع التركيز على رفع كفاءة الموظفين الحكوميين وتطوير آليات التوظيف.
وبالنسبة لليمن فهو يواجه تحديات كبيرة في قطاع الخدمة المدنية (شمسان، 2005، 5) منذ عقود، فضلا عن ظروف الحرب والنزاع المستجد، والفساد المستشري، وضعف كفاءة الموظفين الحكوميين، وغياب الاستراتيجيات التطويرية الفاعلة لتطوير مهارات العاملين في القطاع العام. ويمكن لليمن الاستفادة من التجربة الإثيوبية في هيكلة الخدمة المدنية بشكل كبير في تطوير الهياكل التنظيمية، وتعزيز الكفاءة من خلال تطوير آليات توظيف شفافة تقوم على معايير الكفاءة والمهنية بدلاً من الولاءات السياسية أو القبلية. كما يمكن تطبيق نظام تدريجي لتحسين الأداء الحكومي، عبر تدريب مستمر للموظفين على مهارات الإدارة العامة، وتبني أنظمة تقييم دقيقة للأداء الوظيفي، فضلا عن تحسين آليات التنسيق بين الأجهزة الحكومية لتقليل البيروقراطية وتبسيط الإجراءات الإدارية، مما يعزز قدرة الدولة على الاستجابة السريعة لاحتياجات المواطنين وتجويد الخدمات العامة.
2-مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية
على الرغم من التحديات المستمرة التي تواجه إثيوبيا في مجال مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية (Yohannes and Desta G/Micael، 23) فإنها تحاول العمل على تنفيذ إجراءات صارمة تهدف إلى تقليص الفساد داخل قطاع الخدمة المدنية، إذ تم التركيز على دور الهيئات الرقابية المستقلة، وتطبيق مبدأ الشفافية في عمليات التوظيف والتعاقدات الحكومية، والمشتريات العامة، مع الالتزام بتقديم تقارير دورية لرصد الأداء المالي والإداري.
وفي المقابل، يعد الفساد أحد أكبر التحديات التي تواجه قطاع الخدمة المدنية في اليمن (البنك الدولي، 2014) إذ يعد محط نقاش مستمر داخل الأوساط السياسية والشعبية. ولذلك يمكن لليمن أن يستفيد من تجربة إثيوبيا في تعزيز الشفافية من خلال تعزيز عمل الهيئات الرقابية المستقلة، وتبني تقنيات حديثة في إدارة التعامل مع البيانات الحكومية. فعلى سبيل المثال، يمكن لليمن تبني أنظمة إلكترونية لتقديم الخدمات العامة وتعزيز الشفافية في التوظيف، والمناقصات الحكومية، وإدارة الأموال العامة. وفضلا عن ذلك يجب أن تدرج برامج تدريبية مستمرة للموظفين الحكوميين تركز على تعزيز ثقافة الأخلاقيات العامة والحوكمة الرشيدة، بما يسهم في تقليص الفساد وتعزيز فاعلية الإدارة العامة على المدى الطويل.
3- تطبيق مبدأ اللامركزية في إدارة الخدمة المدنية
منذ تطبيق النظام الفيدرالي في إثيوبيا كانت الإدارة المركزية هي المحرك الأساس في بداية مرحلة إصلاح قطاع الخدمة المدنية، إذ اهتمت بتطوير قدرات الإداريين على المستويين المركزي والمحلي. ومع مرور الوقت، تم تعزيز القدرات الإدارية في قطاع الخدمة المدنية في الأقاليم إلى حد جيد مما ساعد في تعزيز المسؤولية المحلية، والحد من المركزية المفرطة التي كانت تعيق تحقيق التنمية الشاملة، ولتكون أكثر قدرة على تلبية احتياجات المواطنين المحلية بشكل فاعل.
ويمكن لليمن الاستفادة من تجربة إثيوبيا في تعزيز اللامركزية في صنع القرار، لاسيما في ظل التنوع الكبير في البلاد والتحديات التنموية التي تواجه المناطق المختلفة في البلاد. إذ يحتاج قطاع الخدمة المدنية في اليمن إلى هيكلة جديدة تسمح لكل منطقة بإدارة شؤونها بشكل أوسع، وهو ما سيخفف العبء عن الحكومة المركزية، ويوفر تخصيصاُ أكثر دقة للموارد، وبناء قدرات إدارية محلية وهو ما سيعزز من فعالية الحكومات المحلية، ويسهم في تحقيق تنمية أكثر توازنًا في كل أنحاء البلاد. فعلى سبيل المثال، قد تسهم اللامركزية في تحسين إدارة القطاعات الحيوية، مثل التعليم والصحة في المناطق الريفية، وتوفير استجابات أسرع وأكثر لمشكلات التنمية المحلية، ومن خلال ذلك، سيستطيع اليمن تحسين قدرة الحكومة على الاستجابة لمشاكل المواطنين في المناطق المختلفة، ويقلل من الصراع حول توزيع الموارد.
4-التحديث التدريجي للنظم القانونية والإدارية
منذ بدء تطبيق الإصلاحات بعد تبني نهج الفيدرالية، عملت إثيوبيا على تحديث عدد من النظم القانونية والإدارية التي تدير الخدمة المدنية، بدءًا من قوانين العمل الحكومية، وصولاً إلى تطوير آليات التوظيف والترقية داخل قطاع الخدمة المدنية بما يتماشى مع التحولات السياسية والاجتماعية في البلاد. وقد تم إنشاء عدد من القوانين التي تضمن الحوكمة الرشيدة، وتوفر آليات قانونية ومالية شفافة تهدف إلى تعزيز الكفاءة والمساءلة، وتنظم العلاقات بين الموظفين الحكوميين والدولة.
وفي اليمن، توجد عدد من القوانين واللوائح والأنظمة (المركز الوطني للمعلومات، 2012) التي قد تعد جيدة وملائمة للعمل، ولكن ما ينقصها هو الآليات التنفيذية والإرادة من قبل القيادات لتطبيقها، فضلا عن ضرورة تحديثها بما يتلاءم مع نهج الفيدرالية وأسسها. إذ يمكن من خلال هذه القوانين، الحد من المركزية المفرطة والتمييز في توزيع المناصب، وتفعيل مبدأ الكفاءة في التوظيف والترقية. بعيدًا عن التدخلات السياسية أو القبلية، مما يعزز الجدارة ويشجع على الابتكار داخل الخدمة العامة، ومن خلال هذه الإصلاحات القانونية، يمكن لليمن تحسين هياكل الدولة وتعزيز استقلالية عمل المؤسسات الحكومية.
من المؤكد أن هناك تحديات كبيرة قد تواجه تطبيق هذه الإصلاحات في الواقع اليمني، نظرا إلى الوضع السياسي المتقلب، وانتشار النزاعات المسلحة، والمراكز القوية للمحسوبية المناطقية والقبلية التي قد تعرقل التقدم نحو تطبيق إصلاحات فعّالة في القطاع العام، فضلا عما تعانيه المؤسسات الحكومية في اليمن من جوانب ضعف متعددة، وتدني لمستويات الكفاءة في عدد كبير من القطاعات. لذلك، فإن توفير بيئة سياسية مستقرة، وحوار مستمر بين الأطراف السياسية سيكون أمرًا حاسمًا لدعم هذه الإصلاحات وضمان استدامتها.
رابعاً: إصلاح الخدمة المدنية في إثيوبيا: دروس مستفادة لليمن
على الرغم من النجاحات النسبية التي حققتها إثيوبيا الفيدرالية في إصلاح قطاع الخدمة المدنية منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، فإن هذه التجربة لم تخلُ من عدد كبير من التحديات والعثرات الأمر الذي أثّر على فاعلية بعض الإصلاحات، فضلا عن أن بعض جوانب الإصلاح قد أثارت جدلاً داخلياً كبيراً، بما في ذلك القضايا المرتبطة باللامركزية، واستمرار النزاعات العرقية والمناطقية داخل الخدمة المدنية، وأزمة الثقة بين الأقاليم والحكومة المركزية.
هذه التحديات تقدم دروسًا مهمة يمكن لليمن أن يتعلم منها من أجل تحقيق إصلاحات مستدامة في قطاع الخدمة المدنية، وهو ما يتعين على اليمن أن يتعلم من هذه التحديات ويأخذها في الحسبان عند محاولة تطبيق نموذج إصلاحي مماثل، ليتفادى الأخطاء التي حدثت في السياق الإثيوبي.
وضمن هذا السياق سيتم هنا استعراض عدد من الدروس المستفادة لليمن.
1-اللامركزية والتنوع والتحولات السياسية
على الرغم من أهمية اللامركزية في توزيع السلطات بين الأقاليم والمناطق، فإن اليمن يجب أن يكون حذرًا عند تطبيق هذا المبدأ في سياق التنوع المناطقي والقبلي. فاللامركزية يجب ألا تكون مجرد نقل للسلطات، بل يجب أن تشمل آليات متوازنة لتوزيع الموارد والفرص بشكل عادل بين جميع المناطق في اليمن.
وتحتاج عملية تفويض السلطات إلى موازنة دقيقة (الدبعي والجعدني، 2021، 411) لضمان عدم الانقسامات المناطقية والقبلية داخل الخدمة المدنية، وأن تُراعى خصوصيات كل منطقة، ويُؤخذ في الحسبان توازن المصالح بشكل يمنع من تصاعد التوترات المناطقية والقبلية داخل الخدمة المدنية، وفضلا عن ذلك، يجب أن يكون هناك إطار تنظيمي يحكم العلاقة بين المركز والمناطق لضمان تحقيق التعاون وعدم التفريط في وحدة الدولة. كما يجب أن تتضمن الإصلاحات آليات حماية فعالة لحقوق الأقليات لضمان أن الإصلاحات لا تؤدي إلى التوترات الاجتماعية، بل تسهم في تعزيز الوحدة الوطنية (أندرسون، 2007، 22).
2-الفساد ومشكلات الرقابة والشفافية
من أهم الدروس المستفادة من التجربة الإثيوبية ضرورة أن يضع اليمن في أولوياته تعزيز فعالية الهيئات الرقابية المستقلة عند تبني نموذج إصلاح الخدمة المدنية، مع ضمان استقلالية الهيئات الرقابية عن النفوذ السياسي والمناطقي. وفضلا عن ذلك يجب أن يتم إنشاء آليات واضحة وشفافة لمراقبة توزيع الموارد العامة، والتأكد من تطبيق مبدأ الشفافية في جميع عمليات التوظيف (المحاقري، 2012، 157) والمشتريات الحكومية، وتطوير آليات تحقق المساءلة والمحاسبة على الصعيدين المركزي والمحلي، فضلا عن استخدام التكنولوجيا الحديثة، مثل الحكومة الإلكترونية لتسهيل الوصول إلى المعلومات وتعزيز الشفافية.
3-ضعف البنية التحتية والإصلاحات التدريجية
يجب أن يتبنى اليمن نهجًا تدريجيًا ومدروسًا في تطبيق إصلاحات الخدمة المدنية، والتركيز على تطوير البنية التحتية الإدارية بشكل متوازٍ مع الإصلاحات الهيكلية، وإجراءات توظيف الكوادر الإدارية وتدويرها (المقبلي، 2013، 25)، مع تأهيل قدرات الموظفين الحكوميين وتطويرها. فضلا عن أنه ينبغي توجيه جزء من الجهود نحو تدريب الكوادر المحلية في المناطق المحلية على المهارات الإدارية والحوكمة الجيدة، لتفادي التحديات المتعلقة بنقص الخبرات المهنية والموارد في البداية، فضلا عن توفير التكنولوجيا والموارد اللازمة لتسهيل عمل المؤسسات الحكومية، مما سيسهم في تحسين مستوى الأداء في الإدارة العامة.
4-التوازن بين المركزية واللامركزية
يشهد اليمن وضعاً سياسياً معقداً، وهو ما يتطلب أن يتم تصميم النظام الفيدرالي بما يضمن توازناً دقيقاً بين السلطة المركزية واللامركزية بحيث لا تؤثر على وحدة الدولة واستقرارها.
كما أن تحقيق التنسيق الفعّال بين الحكومة المركزية والمناطق المحلية يتطلب آليات مرنة لتمثيل كل الأطراف بشكل عادل ومنظم (شودري وأندرسون، 34). ويتطلب أن يتم تعزيز الحوار السياسي والمشاركة الوطنية في عملية إصلاح الخدمة المدنية، بما يضمن تبني حلول متناغمة وسطية تراعي مصالح جميع الأطراف في تنفيذ السياسات والإصلاحات على المستويات المختلفة.
5-بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين
بالنظر إلى واقع اليمن وما يمر به من تسلط وقمع وانقسام سياسي واجتماعي ونزاع مسلح، فإنه من الضروري أن يركز على بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين كونها أولوية قصوى من عملية الإصلاح. وأن تشمل الإصلاحات إصلاحات مؤسسية حقيقية تضمن العدالة الاجتماعية، وتعزز الشفافية في التعامل مع المواطنين.
إن إشراك المجتمع في عملية صنع القرار، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية، سيعزز من الدعم الشعبي للإصلاحات الحكومية في قطاع الخدمة المدنية والقطاع الإداري بشكل عام، وسيقلل من مشاعر العزلة أو التهميش في المناطق المحلية، فبناء علاقات قائمة على الشفافية والمصداقية مع فئات المجتمع كلها ستضمن تنفيذ الإصلاحات بكفاءة وفعالية.
ولابد من الإشارة إلى أن الدروس المستفادة من التحديات التي واجهتها إثيوبيا في إصلاح قطاع الخدمة المدنية توفر خارطة طريق لليمن. وهي ما قد تمكن اليمن من تجنب بعض الأخطاء التي وقعت فيها إثيوبيا ويضمن تنفيذ إصلاحات ناجحة في قطاع الخدمة المدنية. فضلا عن أن نجاح إصلاح الخدمة المدنية في اليمن يعتمد بشكل أساس على تفعيل آليات الحوكمة الرشيدة، وضمان المساءلة والمحاسبة، والعمل على تفعيل شراكة حقيقية بين الحكومة والمواطنين في بناء مستقبل أفضل. لذلك، يمثل تبني هذه الدروس المستفادة خطوة هامة نحو تحقيق إصلاحات تسهم في تعزيز كفاءة الجهاز الإداري، وتدعيم وحدة الدولة، ودعم التوجه نحو السلام والاستقرار الدائم.
الخاتمــــــــة
لقد أحرز إصلاح الخدمة العامة في إثيوبيا تقدماُ جيدا خلال العشرين عاماً الماضية. فإلى حد كبير تم التغلب على نقاط ضعف النظم السياسية السابقة، أو تخفيضها على الأقل، فضلا عن بناء القدرة على تنفيذ البرامج الحكومية، وتحسن توجهات الخدمة والشفافية والمساءلة في الخدمة المدنية.
وفضلا عن ذلك، فإن الحكم الذاتي الإداري في الأقاليم بدأت تتبلور صورته، وأصبحت قضايا النوع الاجتماعي وتحقيق المساواة في التوظيفات والتعيينات تؤخذ في الحسبان في الخدمة المدنية، كما أن المساواة العرقية تظل محل اهتمام أيضا، وهي خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة لإثيوبيا. وقد بدأت آليات مكافحة الفساد والمحوسبية ووسائلها تعطي نتائجاً ولو كانت بسيطة، ولكنها تعني أن هناك فساداً ومحسوبية أقل، والأهم من هذا أن الإطار الهيكلي والقانوني للخدمة العامة متسق ومتناسق مع الوضع المتجدد والمتغير لقطاع الخدمة إلى حد كبير.
وقد حصلت قفزات نوعية في عمليات تأهيل الموظفين، بوصفها جزءاً من برامج بناء القدرات على مستوى الاتحاد والأقاليم، التي أثرت في قطاع الموارد البشرية. وكان من اللافت للنظر إشراك علماء الاجتماع الإثيوبيون لتقديم المشورة للحكومة، وللجهات المنفذة لبرامج الإصلاح الإداري، فيما يخص القضايا التي تتعلق برفع مستوى الرضا الوظيفي وتحفيز الموظفين للانتماء لمؤسساتهم.
وعلى الرغم من ذلك ما تزال هناك تحديات كثيرة يتوجب على الحكومة الإثيوبية النظر إليها بجدية، والعمل على تخطيها، وهناك اتفاق عام على أن الأداء العام ما يزال متدنيا ومستمراً، ويرجعه بعضهم إلى موقف موظفي الخدمة المدنية وسلوكهم، وعلى الرغم من أن عدداً من الموظفين والموظفات لديهم مؤهلات تقنية كافية، فإنهم يفتقرون إلى المهارات اللازمة للتعامل مع المصالح المتضاربة، التي قد تسبب المشاكل، والطوارئ والأزمات الإدارية، فضلا عن أنهم غير متمكنين من تشكيل عمليات التغيير، ومعظم المسؤولين الإثيوبيين مازالوا غير قادرين على التصرف بمرونة، من حيث إحداث التغيير، والقدرة على التفاعل مع المواطنين مع الالتزام بالقواعد واللوائح وبما يخدم العملية الإدارية.
لقد تحولت إثيوبيا إلى دولة ذات تجربة فتية تواجهها كثير من التحديات، ولكنها مؤثرة وتستحق الاستفادة وأخذ الدروس منها في المنطقة والعالم أجمع، ولعل الدراسات والأبحاث الحالية التي تجرى في عدد من الجامعات العالمية والمنظمات الدولية، حول أهمية هذه التجربة وما حققته من إنجازات على الرغم من كل الظروف المتراكمة لعقود زمنية طويلة، هو إنصاف وتقدير لما أنجزه الإثيوبيون من تحول سياسي مهم عبر الفيدرالية والإصلاحات الإدارية التي طالت الإنسان والأرض معا.
وفيما يتعلق باليمن، فمن خلال الأخذ في الحسبان التحديات والعثرات التي واجهتها إثيوبيا أثناء تطبيق تجربتها، يمكن لليمن أن يتجنب بعض الأخطاء التي وقعت فيها إثيوبيا، ويضمن تنفيذ إصلاحات ناجحة في الخدمة المدنية. لكن ذلك يتطلب تصميمًا دقيقًا للسياسات، وبناء توافق واسع بين جميع الأطراف المعنية، لضمان الاستدامة والفعالية في المدى الطويل.
كما يجب على اليمن عند تطبيق أي نموذج إصلاحي مشابه، أن يبدأ بإصلاحات تدريجية ومبنية على أسس قوية من التوافق السياسي والاجتماعي، وتعزيز الشفافية والمساءلة، وضمان توازن عادل بين المركزية واللامركزية، وتطوير البنية التحتية الإدارية، ومن ثم بناء الثقة بين المواطن والدولة وهو ما سيمكن من تحقيق إصلاحات فعّالة في قطاع الخدمة المدنية. مع التأكيد أن ذلك يتطلب ذلك إرادة سياسية قوية، وتعاونًا واسعًا بين جميع الأطراف والفاعلين السياسيين والمدنيين، بما يضمن تحقيق استدامة الإصلاحات على المدى الطويل.
وأخيراً، يظل نجاح اليمن في تطبيق أي إصلاحات مرهونًا بتعزيز الحوار بين الأطراف السياسية وتوفير بيئة سياسية مستقرة تسهم في دعم هذه التحولات.
المراجـــع والمصــــادر
المراجع باللغة العربية
1. أحمد الماوري، إصلاح جهاز الإدارة العامة وتحديات إعادة بناء الدولة في اليمن، مجلة حكامة، العدد 4، 2022.
2. المركز الوطني للمعلومات، تقرير الهياكل المؤسسية للدولة، صنعاء، 2012.
3. إبراهيم ربايعة وهند سلطان، الفيدرالية الاثنية وبنية النظام السياسي الأثيوبي -دراسة منشورة، 2022.
4. جورج أندرسون، مقدمة عن الفيدرالية، منتدى الأنظمة الفيدرالية، 2007، 18-66
5. سوجيت شودري وجوج أندرسون، عمليات الانتقال الدستوري والانقسامات الإقليمية، السويد، المؤسسة الدولية للديمقراطية والانتخابات IDEA، 2015.
6. عبدالرقيب الدبعي وفيصل الجعدني، توزيع المسئوليات والسلطات بين الحكومة الفيدرالية والأقاليم وفقاً للنظم الفيدرالية: دراسة مقارنة وفقاً لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، مجلة العلوم الإنسانية والطبيعية، 2021.
7. عدنان المقطري، خيار الدولة الاتحادية في اليمن، الخلفيات والمبررات وتحديات الانتقال، مجلة سياسات عربية، العدد 33، 2018.
8. محمد المقبلي، أهمية التدوير الوظيفي في وحدات الخدمة العامة ومتطلبات نجاح التطبيق- ورقة عمل مقدمة إلى ورشة العمل الخاصة: التدوير الوظيفي في وحدات الخدمة العامة المعهد الوطني للعلوم الإدارية، 2013.
9. مشير العثماني، الفيدرالية في اليمن: المأزق ومقترحات الحل-ورقة سياسات، المنظمة العربية للقانون الدستوري، 2020.
10. نبيل شمسان، الإصلاحات الإدارية والخدمة المدنية خلال خمسة عشر عاماً - ورقة عمل مقدمة في ندوة "خمسون عاماً من الإصلاحات السياسية والاقتصادية"، وكالة الأنباء اليمنية سبأ، صنعاء، أبريل 2005، 5)
11. نبيل شمسان، مجالات التجديد والتحديث في الإدارة الحكومية اليمنية - ورقة عمل مقدمة إلى المؤتمر السنوي السابع للجمعية العربية للإدارة بعنوان: نحو إدارة حكومية فاعلة ورشيدة، صنعاء، 2005، ص2
12. وثائق الحوار الوطني اليمني ومخرجاته 2013/2014.
13. يحيى المحاقري، سياسات وإجراءات التوظيف في الخدمة المدنية بالجمهورية اليمنية: الواقع وآفاق التطوير-رسالة ماجستير، مركز تطوير الإدارة العامة، جامعة صنعاء، 2012.
المراجع باللغة الأجنبية (دراسات وأبحاث)
1. Adebabay Abay Gebrekidan, Promoting and strengthening professionalism in the civil service: The Ethiopian case, published study pdf., Ministry of Civil Service, Addis Ababa, Ethiopia, 2012.
2. Abebe Zegeye, Siegfried Pausewang, Ethiopia in Change: Peasantry, Nationalism, and Democracy, Northeast African Studies, (1996) , Published study pdf., Michigan State University Libraries.
3. Alemayehu Hailemariam, Overview of Public Administration in Ethiopia, African Training and Research Centre in Administration for Development, Morocco – 2001,
4. Aron Degol and Abdulatif Kedir, Administrative Rulemaking in Ethiopia: Normative and Institutional Framework, published study pdf., Addis Ababa University, Center for Human Rights, 2013
5. Atkilt Assefa, Civil Service Reform and Administrative Modernisation, The A Quarterly Bulletin of the Ethiopian Civil Service Commission, June 1996.
6. Berhanu G. Balcha, A Minority Domination and Ethnic Federalism in Ethiopia, Published Study doc., 18/6/2009,
7. Berihun Adugna Gebeye, The Four Faces of Ethiopian Federalism, -Published study, Harvard Law School, 2023.
8. Civil Service Reform Program in Ethiopia: General, Overview with Special Emphasis on Civil Service Reform Program, Civil Service Transformation Research Center, Ministry of Civil Service, Ethiopia, November 2012.
9. Edmond J. Keller, Ethnic Federalism, Fiscal Reform, Development and Democracy in Ethiopia, Published study pdf, The African e-Journals Project, Michigan State University Library, 2002.
10. Ethnicity, state and human rights in Ethiopia (Historical background: from Unitary State to Ethnic Federalism) HUMR 4501 Ethnic Challenges to the Nation State: Studying State Responses from a Human Rights perspective case study: Ethiopia, Published study doc.
11. Getachew Hailemariam Mengesha & Richard K. Common, Civil Service Reform in Ethiopia: Success in two ministries -Published study, 2006.
12. Marijke Frank, Effects of Ethnic Federalism in Ethiopia, Holding Together or Splitting Apart? Published study pdf, University of Toronto, Canada, 2009.
13. Ministry of capacity Building, Ethiopian Civil Service Reform Program, Addis Ababa, published pdf. (2002).
14. Million Adafre Bushashe & Yitbarek Bayiley, Fiscal federalism and public service provision in Ethiopia: A mediating role of sub-national governments capacity,
15. Muhammed Habib, The Ethiopian Federal System, Published study pdf., Friedrich Ebert StifTung, 2011.
16. Siraw Temesgen, Weaknesses of Ethnic Federalism in Ethiopia, Published Study pdf 11/1/2015, International Journal of Humanities and Social Science Invention.
17. Solomon Markos, Civil Service Reform in Ethiopia: Issues, Lessons, and Future Directions, International Journal of Public Administration, 2013.
18. Tesfaye Debela and Atakilt Hagos, towards a Results-Based Performance Management: Practices and Challenges in the Ethiopian Public Sector, Published Study pdf., Centre for Public Policy Studies, Ethiopian Civil Service University, Addis Ababa, Ethiopian, 2012.
19. Tobias Broich, U.S. and Soviet foreign aid during the Cold War: A case study of Ethiopia- published study pdf., Maastricht University, October 2017.
20. Zigiju Samue, Public sector Transformation and Development, Ethiopian Civil Service University, Published Study pdf., 2016. Ethiopian Civil Service University, Addis Ababa, Ethiopia.
21. Worku M. Tadesse, Public service reform in Ethiopia: Challenges and gaps post-implementation-Published study, 2019.
المواقع الإلكترونيـــــة
1. إثيوبيا- من منليك إلى مليس، موقع سودارس الإخباري، https://www.sudaress.com/alsudani/10291
2. تاريخ إثيوبيا بين الواقع والحاضر، مجلة متخصصة في الاستثمار والمال والاعمال ، EthioFab wibsit ،. https://fuad1983.wordpress.com/2014/05/30
3. Aberham Yohannes and Desta G/Michael, Administrative Agencies in Ethiopia, Abyssinialaw Website, 01 /2/ 2012, http://www.abyssinialaw.com/study-on-line/item/308-administrative-agencies-in-ethiopia#
4. Alden Whitman, Haile Selassie of Ethiopia Dies at 83, on This Day- The New York Times Website, , Date of Visiting:20/9/2017 http://www.nytimes.com/learning/general/onthisday/bday/0723.html
5. Derg, Wikipedia website, https://en.wikipedia.org/wiki/Derg.
6. Ethiopia, Wikipedia website, https://en.wikipedia.org/wiki/Ethiopia .
7. Federal Democratic Republic (1991–present), Wikipedia website https://en.wikipedia.org/wiki/Ethiopia#Federal_Democratic_Republic
8. Fekadu Nigussa, Reconsidering Civil Service Reform in Ethiopia, Published Study-18 /7/ 2013,Date of Visiting: 25/9/2017 https://www.devex.com/news/reconsidering-civil-service-reform-in-ethiopia-81470
9. Gemechu Tussa, Federalism in Ethiopia: opportunities and challenges!, Walta Information Center, Published Article - 31/5/2016, Ethiosun website, http://www.ethiosun.com/archives/223292
10. Haile Selassie, Wikipedia website, https://en.wikipedia.org/wiki/Haile_Selassie
11. Haile Selassie- Emperor of Ethiopia, Encyclopædia Britannica website, https://www.britannica.com/biography/Haile-Selassie-I
12. Hana Alemu, Ethiopia's Civil Service: A Committed Agent of the Socio-Economic development, published Article 24/6/2014, Tigrai website, http://www.tigraionline.com/articles/ethiopian-civil- service.html
13. Leulseged Tadesse, Can Diversity be Accommodated? The Case of Ethiopia, Published study, http://www.forumfed.org/libdocs/IntConfFed07/Volume_5/IntConfFed07-Vol5-Tadesse.htm
14. Laurence J. O'toole JR, Theoretical Developments in Public Administration: Implications for the Study of Federalism, Published Abstract, Wiley Library. http://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1111/j.1468-0491.1990.tb00129.x/abstract
15. Meles Zenawi- Ethiopian politician, Encyclopædia Britannica website, https://www.britannica.com/biography/Meles-Zenawi
16. Multinational federalism is the only option for Ethiopia, Published Article,16/2/ 2016, Ethiopian News website, http://www.tigraionline.com/articles/only-federal- system.html
17. Menelik II,Biography website, https://www.biography.com/people/menelik-ii
18. Menelik II, Wikipedia website, https://en.wikipedia.org/wiki/Menelik_II
19. Negasso Gidada, The Politics of Federalism in Africa: The Case of Ethiopia (Challenges and Prospects) , Published article, Aiga Forum Website 2015 , Date of Visiting:29/9/2017
20. Tewodros II, Wikipedia website, https://en.wikipedia.org/wiki/Tewodros_II.
21. The Derg (1974-1991), Ethiopian Treasures Website, http://www.ethiopiantreasures.co.uk/pages/derg.htm
22. Tom Pätz and Günther Taub, Service Orientation and Transparency, Published article, Website 17/07/2008, https://www.dandc.eu/en/article/ethiopian-civil-service-reform
23. Worku Aberra, Ethiopia: The Perils of Ethnic Federalism, Published Artical -28/1/2016, Nazret Website, http://nazret.com/blog/index.php/2016/01/28/ethiopia-the-perils-of-ethnic
24. Yared Gebremeden, Ethiopia: Federalism - Best Fit for Ethiopia Amidst Challenges, Published Article 21/6/ 2017, All Africa website, http://allafrica.com/stories/201706210660.html
25. Zeray Hailemariam, Challenges on Ethiopia’s Federalism, Published Study -10/6/2017, Horn Affairs Website, http://hornaffairs.com/2017/06/10/challenges-ethiopias-federalism/
تقارير ومراجع دولية
1. الأمم المتحدة، الجمعية العامة، تقرير الفريق العامل المعني بالاستعراض الدوري الشامل - إثيوبيا، تقرير منشور doc.، 2014.
2. تقرير المؤسسة الدولية للتنمية (إصلاح الإدارة العامة والقوانين)، تقرير منشور pdf.،2007 .
International Reports and References:
1. Ethiopia 2016, African Economic Outlook, UNDP Report pdf.,2016.
2. Ethiopia". The World Factbook. 8 October 2024. Retrieved 22 October 2024
3. Reports of The World Bank (pdf.) on: International Development Association, International Finance Corporation, Multiyear Investment Guarantee Agency and Country Partnership Strategy for The Federal Democratic Republic of Ethiopia. August 29, 2012.
4. USAID Reports on Ethiopia https://www.usaid.gov/ethiopia
يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.