الحملة العسكرية الأمريكية ضد الحوثيين لا تزال غير فعّالة

القوات الأمريكية تلعب لعبة القط والفأر في البحر الأحمر، بينما تتجاهل إدارة بايدن معالجة جذور الصراع

الأربعاء, 4 سبتمبر / أيلول 2024

إعداد: جوناثان هوفمان وبنجامين غيلتزر

ترجمة: خلاصات

نشرت مجلة "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأمريكية مقالا تحليلياً، أعده الباحثان جوناثان هوفمان وبنجامين جيلتنر، والذي ترجمته "خيوط"، يرى الكاتبان أن الحملة العسكرية الأميركية ضد الحوثيين لا تزال غير ناجحة مشيرين إلى أن هنالك مشاكل رئيسية في استراتيجية واشنطن الحالية تجاه الحوثيين.

وفي هذا المقال التحليلي، يرى الكاتبان انه منذ أكثر من تسعة أشهر، انخرطت الولايات المتحدة في حملة عسكرية مفتوحة — وغير مصرح بها من قبل الكونغرس — ضد حركة الحوثيين في اليمن. مستشهدين بحرب إسرائيل في غزة كدافع رئيسي لهم، بدأ الحوثيون في اليمن في شن هجمات على السفن العابرة للبحر الأحمر ومضيق باب المندب في نوفمبر 2023. ورداً على ذلك، أطلقت واشنطن حملة انتقامية على أمل وقف هذه الهجمات، وهو ما وصفها مسؤولو البحرية الأمريكية بأنها أكثر المعارك البحرية الشرسة التي واجهتها الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية. المشكلة، على الرغم من ذلك ، هي أن هذه الحملة لا تُحقق النتائج المرجوة.

انتقد الكاتبان الأمريكيان جوناثان هوفمان، وبنيامين جيلتنر، النهج الذي تنتهجه واشنطن في التعامل مع هجمات الحوثيين في البحر الأحمر، معتبرين إياه مثالا واضحًا على سوء التخطيط و"الإهمال الاستراتيجي" كونه —بحسب تعبيرهما—سيفشل كما أنه مكلف للغاية، ويعرض حياة أفراد الخدمة الأميركية المتمركزين في المنطقة لحماية السفن الأجنبية في المقام الأول للخطر. هذا بالإضافة إلى أنه يهدد بزيادة زعزعة استقرار اليمن والمنطقة بأسرها. علاوة على ذلك، رغم أن للحوثيين دوافعهم الخاصة، فإن رفض واشنطن الاعتراف بحرب إسرائيل في غزة كسبب رئيسي لهجمات الحوثيين يمنع أي أمل في وقف هذه الهجمات في البحر الأحمر.

لذلك، ينبغي على واشنطن أن توقف على الفور أنشطتها العسكرية ضد الحوثيين، وأن تضغط على الدول الأوروبية والآسيوية لتأخذ دورًا أكثر فعالية في حماية سفنها التجارية، وأن تتوقف عن دعم حرب إسرائيل في غزة على أمل تهدئة التوترات المتصاعدة في جميع أنحاء الشرق الأوسط.

ويرى الكاتبان إلى أن هنالك ثلاث مشاكل رئيسية في استراتيجية واشنطن الحالية تجاه الحوثيين. أولا أن هذه الاستراتيجية تفتقر إلى اهداف سياسية ملموسة وقابلة للتحقيق، بينما تثقل كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين بتكاليف باهظة. فمنذ نوفمبر 2023، نفذ الحوثيون حوالي 200 هجوم بالطائرات المسيرة والصواريخ مستهدفة السفن التجارية والعسكرية في البحر الأحمر، ما أدى إلى إغراق سفينتين وقتل ما لا يقل عن ثلاثة بحارة. وفي المقابل، لجأت الولايات المتحدة إلى نهجها المعتاد في الشرق الأوسط — القوة العسكرية — حيث قادت عملية "تحالف حارس الازدهار" في ديسمبر 2023، وعملية "بوسيدون آرتشر" في يناير 2024.

ووفقًا لمسؤولين أمريكيين، تهدف هذه الجهود إلى "استعادة الردع". فقد أسقطت الولايات المتحدة بالفعل أكثر من 150 طائرة مسيرة وصاروخًا حوثيًا. وبالمقارنة مع صواريخ وطائرات الحوثيين المسيرة التي تكلف حوالي 2000 دولار لكل منها، فإن الصواريخ التي تستخدمها البحرية الأمريكية لإسقاط هذه المقذوفات تكلف دافعي الضرائب الأمريكيين ملايين الدولارات. حتى الآن، أنفقت واشنطن أكثر من مليار دولار على الذخائر لضرب الحوثيين واعتراض الصواريخ والطائرات المسيرة القادمة. ومع ذلك، الجهود فإن هذه الجهود لم تفلح في ردع الحوثيين، ومن غير المرجح أن تحقق ذلك. ببساطة، يرى الحوثيون أن هناك فوائد سياسية لهذه الهجمات — وأهمها الترويج لدفاعهم عن القضية الفلسطينية — تفوق بكثير التكاليف التي تفرضها الولايات المتحدة. وفي الواقع، وقعت غالبية الهجمات التي شنها الحوثيون بعد أن بدأت الولايات المتحدة وشركاؤها حملتهم الانتقامية، مما يظهر بوضوح فشل الجهود الأمريكية في ردع المزيد من العنف.

وفقا للكاتبين، من غير المرجح أيضًا أن تتمكن الولايات المتحدة من تقويض قدرات الحوثيين بشكل كبير لدرجة تجعلهم غير قادرين على مهاجمة السفن العابرة في البحر الأحمر. فبعد ما يقرب من 10 سنوات من القتال ضد القوات المدعومة من السعودية — بدعم من الولايات المتحدة — أثبت الحوثيون مهارتهم في استخدام أسلوب "أطلق واهرب" في القتال، حيث تتميز أسلحتهم بأنها رخيصة وسهلة الحركة وموزعة على نطاق واسع في اليمن. والأمر المثير للسخرية هو أن المسؤولين الأمريكيين يدركون التناقض بين هذه الحملة العسكرية وأهدافها السياسية المزعومة. ففي فبراير، أشار الأدميرال جورج ويكوف، قائد العمليات البحرية الأمريكية المسؤول عن عملية "حارس الازدهار"، إلى أن "المجموعة لم تُردع". وفي أغسطس، أوضح ويكوف أن حل هذا الصراع "لن يأتي من خلال نظام أسلحة". لكن الرئيس بايدن عبر عن هذا التناقض بشكل أفضل عندما سئل عن الضربات الجوية الأمريكية ضد الحوثيين: "هل توقف الحوثيين؟ لا. هل ستستمر؟ نعم. "

وأشار التحليل الذي نشرته المجلة، على الرغم من أن هجمات الحوثيين عطلت الشحن العالمي وحرية الملاحة عبر البحر الأحمر، فإن المشاركة العسكرية المتبادلة بين أمريكا والحوثيين لم تحل هذه المشكلة. فقد انخفضت حركة الشحن التجاري عبر البحر الأحمر بشكل ملحوظ نتيجة لهجمات الحوثيين. وقد بُذلت جهود كبيرة لتحويل مسارات هذه السفن — التي تتجه معظمها إلى أوروبا — مما أدى إلى زيادة تكاليف الشحن ووقوع بعض التأخيرات، خصوصًا بالنسبة للسفن الأوروبية والمستهلكين. ومع كل ذلك، فإن هذا لا يمثل نهاية مدمرة للاقتصاد العالمي. فقد كان التأثير الأكبر على هوامش الربح لبعض الشركات بسبب ارتفاع تكاليف الوقود وزيادة أقساط التأمين. ويمكن القول إن الحملة العسكرية الأمريكية تزيد الأمور سوءًا، حيث تؤجج الصراع وتؤدي إلى تعرض المزيد من السفن لهجمات الحوثيين.

بالإضافة، فإن حماية هذه الممرات البحرية تُعد، كما يعترف البنتاغون، "مشكلة دولية تتطلب حلاً دولياً"، وليست مسؤولية دافعي الضرائب الأمريكيين وحدهم، وسيكون من الحكمة أن تدرك واشنطن ذلك، وعليها أن تضغط على الدول الأوروبية والآسيوية لتأخذ دوراً أكثر فعالية في الدفاع عن الشحن في البحر الأحمر، خاصة وأن لديها عددًا أكبر من السفن التي تعبر هذه المياه مقارنة بالولايات المتحدة. ثانيًا، استمرار التبادلات العسكرية بين الولايات المتحدة والحوثيين يهدد بمزيد من زعزعة استقرار اليمن الذي تمزقه الحرب بالفعل.

إن الحملة الوحشية التي قادتها السعودية والإمارات في اليمن، بدعم من الولايات المتحدة، سرعان ما دمرت البلاد، مما أسفر عن مقتل أكثر من 377,000 شخص وإحداث واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. وبعد تسع سنوات من الحرب المدمرة، وصل الصراع في اليمن إلى طريق مسدود إلى حد كبير، ويرجع ذلك أساسًا إلى عجز السعودية والإمارات عن هزيمة الحوثيين والانقسامات داخل القوى المناهضة للحوثيين في اليمن.

في شهر أبريل 2022، توسطت الأمم المتحدة في وقف إطلاق النار لمدة شهرين بين الأطراف المتحاربة، وعلى الرغم من انتهاء الهدنة رسميًا، فقد تم الحفاظ عليها إلى حد كبير، وقد استفاد الطرفان من تجنب عودة القتال: فالسعودية ترغب في الخروج السريع من حرب خسرتها، بينما يسعى الحوثيون إلى تعزيز موقفهم في اليمن كقوة سياسية وعسكرية بارزة في البلاد.

لقد استغل الحوثيون تداعيات هجمات حركة حماس في 7 أكتوبر لتحدي إسرائيل والولايات المتحدة في ظل تنامي الاستنكار الدولي للحرب في غزة. وقد أتاح لهم هذا تعزيز صورتهم كواجهة للدولة اليمنية، مع صرف الانتباه عن الانتقادات الموجهة لحكمهم الاستبدادي.

إن المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة لإنهاء هذا الصراع الكارثي وصلت الآن إلى طريق مسدود، حيث تعيقها الاشتباكات العسكرية المستمرة بين الولايات المتحدة والحوثيين واستمرار العمل العسكري الأمريكي ضد الجماعة يهدد بإفشال الهدنة الضمنية والهشة بين السعودية والحوثيين، كما يزيد من خطر تفاقم الأزمة الاقتصادية والإنسانية في اليمن.

وأخيراً، فإن الصراع بين الولايات المتحدة والحوثيين يعرض المنطقة لمزيد من التوترات الإقليمية المتزايدة، مما يدفع الشرق الأوسط نحو حرب إقليمية شاملة. في الأشهر الـ11 التي تلت بدء الحرب الإسرائيلية في غزة، شهدت المنطقة تصاعداً في التصعيد العسكري شمل مختلف أنحاءها، حيث يعد النزاع الحالي بين الحوثيين والولايات المتحدة متجذر في هذا السياق.

مثل باقي المنطقة، يستمر الصراع مع الحوثيين في التفاقم. ففي يوليو، نجح الحوثيون في إطلاق طائرة مسيرة من اليمن أصابت مبنى سكنياً بالقرب من السفارة الأمريكية في تل أبيب، والذي أسفر عن مقتل شخص واحد على الأقل وإصابة آخرين. ورداً على ذلك، شنت مجموعة من الطائرات الإسرائيلية من طراز F-15 وF-35 غارات على ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة الحوثيين في اليمن، مما أدى إلى مقتل ستة عمال وإصابة العشرات.

بالتزامن مع عدم وجود نهاية واضحة للحرب في غزة وتزايد المخاوف من اندلاع حرب إقليمية، قد تتحول اليمن إلى نقطة اشتعال رئيسية في مثل هذا الصراع. وإذا كان هدف الولايات المتحدة هو إقناع الحوثيين بوقف هجماتهم وتجنب الانغماس في حرب إقليمية أخرى، فإن استخدام القوة العسكرية من غير المرجح أن يحقق هذه الأهداف؛ لانه لا يوجد مصالح وطنية أمريكية حيوية تبرر هذا المستوى من التورط العسكري الأمريكي في اليمن، أو المليارات من الدولارات التي يتم إنفاقها من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين،وبدلاً من ذلك، الخيار الأفضل هو أن تنهي واشنطن تبادلها العشوائي للضغوط مع الحوثيين، وأن تدرك أن دعمها القوي لحرب إسرائيل في غزة يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بشكل عام على حساب المصالح الأمريكية. إن التوصل إلى هدنة في غزة يمثل أفضل فرصة لإنهاء أو على الأقل تقليص الهجمات التي ينفذها الحوثيون، فضلاً عن تخفيف التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.

إعداد: جوناثان هوفمان وبنجامين غيلتزر

المصدر باللغة الإنجليزية: مجلة "ريسبونسبل ستيت كرافت" الأمريكية

ترجمة: خلاصات

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.