مواجهة تحديات الحياة

التمكين الحياتي للمرأة أولوية على تمكينها السياسي

الخميس, 19 سبتمبر / أيلول 2024

أحمد سنان

أحمد سنان

تلقيت مؤخرًا رسالة عتاب قصيرة من إحدى الفاضلات، مضمونها: (لماذا لا أكتب عن التمكين السياسي للمرأة؟). الحقيقة، ليس لأنني لا أرغب في الكتابة عن هذا الموضوع، أو لأن اهتمامي به قد تراجع، بل لأن هناك تغييرًا موضوعيًا حدث في مفهوم التمكين. فلم يعد التمكين مقتصرًا على الجانب السياسي، بل إن الأولويات الأكثر إلحاحًا تقدمت عليه، ما جعل التمكين السياسي يتراجع إلى الخلف.

التمكين السياسي لا يمكن أن يكون بديلًا عن تمكين المرأة من الحياة ذاتها. فقد أصبحت حياتها أكثر صعوبة وتهديدًا من ذي قبل. أدت مصادرة الرواتب من قبل أطراف الحرب إلى إلقاء العبء الكامل على كاهل المرأة، فأصبحت هي المعيل الوحيد للأسرة في كثير من الحالات. هذه حقيقة لا يمكن تجاهلها. فما الأهم للمرأة في هذه المرحلة الحرجة؟ أن نمكنها من البقاء على قيد الحياة؟ أم أن نخوض صراعًا عبثيًا مع "طواحين الهواء" لتأمين منصب هنا أو هناك؟ وهو منصب لن تتمكن بأي حال من ممارسة صلاحياته. وذلك لأن الأطراف المسيطرة على العملية السياسية لا يتعدى إيمانها بدور المرأة شعاراتهم الجوفاء. وفي نهاية المطاف، ليس هؤلاء من يقرر الأدوار السياسية للمواطنين في هذه المرحلة. تتعرض النساء والفتيات — وهن من أكثر فئات المجتمع هشاشة — ليس فقط للتهميش السياسي، والذي أصبح عرفًا منذ زمن بعيد، بل حتى عندما يتم تعيين امرأة في منصب معين، لا يكون ذلك تقديرًا لكفاءتها أو مهنيتها، بل غالبًا لاعتبارات حزبية أو اجتماعية. ومع ذلك، لا تتمكن المرأة من ممارسة كامل صلاحيات موقعها القيادي، كما هو حال بعض الرجال في المناصب المماثلة.

منذ عام 2011، اجتاحت المجتمع ظاهرة العنف الموجه ضد النساء، وقد تم توثيقه بالصوت والصورة، بحيث لا يمكن إنكاره، مهما حاول البعض ذلك. هذا العنف يتخذ أشكالًا متعددة، منها العنف اللفظي والجسدي والمعنوي. أستذكر شخصيًا العديد من المواقف التي حدثت على الهواء مباشرة، وما تعرضت له على سبيل المثال السيدة أروى عثمان وهدى العطاس في ساحة الجامعة، إلى جانب الإيماءات المهينة التي صدرت عن شخصيات بارزة من خارج الساحة. هذا العنف الموجه بدوافع سياسية، والمتعلق بالنوع الاجتماعي، يعكس مأساة لا يمكن اختزالها في مجرد التخلف الاجتماعي.

لا نحتاج إلى جهد كبير لمعرفة مدى تجريف وجود المرأة في الوظيفة العامة، ناهيك عن إقصائها من المناصب القيادية الحكومية. يمكن إيراد أمثلة محددة، ففي فبراير من العام الماضي، تمت إقالة الدكتورة كفاية جازعي من منصبها كمديرة لمستشفى الصداقة. وفق ما نقلته وسائل الإعلام، اقتحمت قوات أمنية مستشفى الصداقة التعليمي في مديرية الشيخ عثمان في 8 فبراير 2023، وقامت بكسر مكتب المديرة والعبث بمحتوياته، ثم تسليمه لشخص آخر.

المديرة البديلة كانت أيضًا طبيبة، وربما تمتلك مؤهلات مهنية كبيرة، لكن التكهنات حول أسباب العزل والتعيين ذهبت في كل الاتجاهات. ورغم أن القضاء أنصف الدكتورة الجازعي، إلا أن قرار المحكمة لم يُنفذ، ولم تُعاد إلى منصبها. وبعد مرور عام على إقالتها، أُقيلت المديرة البديلة أيضًا. المفاجأة كانت أن إقالة الدكتورة رجاء جاءت على خلفية كشفها عن تفشي الكوليرا، مما كشف أن خلفية الواقعتين واحدة: الفساد المسكوت عنه. الطبيبتان، بدافع من التزامهما المهني، وجدتا أن السكوت على أمر يهدد حياة الناس يُعد خيانة للواجب الطبي والإداري. هذه حالة واحدة من بين آلاف الحالات التي لم يكشف عنها بعد.

العديد من النساء تعرضن للتعسف الوظيفي والإقصاء من قبل مختلف الأطراف التي تمارس السلطة. حتى الأحزاب السياسية التي تدعي دعمها للمرأة ووافقت نظريًا على كوتا تصل إلى 30% لم تلتزم بذلك، ولم تحقق حتى نسبة 1%، الاستثناء الوحيد كان عندما تمكنت النساء من تحقيق اختراق في مجلس شورى الإصلاح خلال أحد مؤتمراته، وهو حدث لم يتكرر لا في الإصلاح ولا في غيره. أما في هيئات صنع القرار الحكومية، فقد تم إقصاء النساء بطريقة تُظهر طابعًا ثيوقراطيًا أكثر منه سياسيًا.

هذه ليست نهاية القصة، فمن العنف الأسري الجسدي واللفظي، إلى الاختطاف لأسباب اجتماعية أو سياسية أو مهنية، إلى التحرش الجنسي، وحتى القتل بدوافع متعددة، بل والدفع نحو الانتحار. كل هذه العوامل تسهم في تراجع المطالب السياسية للمرأة وتؤكد ضرورة حملة جديدة تدافع عن حق المرأة في الحياة أولاً وأخيراً.

التحرش بالنساء والفتيات أصبح يأخذ منحى خطيرًا في بلادنا وفي العديد من البلدان العربية. لا يتم الكشف عن العديد من هذه الحالات بسبب ثقافة العيب والشرف السائدة. بثينة، التي كانت ضحية حادثة التحرش في حافلة، ليست إلا واحدة من بين الكثيرات اللاتي يتعرضن يوميًا لمثل هذه الانتهاكات.

في مناطق النزاع المختلفة، تواجه النساء مخاطر الموت أو تدفع إلى ذلك. على سبيل المثال، في مدينة القاعدة، قُتلت عروس بعد أيام قليلة من زفافها في حادثة غامضة يُعتقد أنها انتحرت فيها، فيما تشير تأويلات أخرى إلى شبهة جنائية. لكن السؤال الأساسي يظل: لماذا؟ الطفلات جانيت، جنات، لين، ونجات هن أمثلة فاجعة من دول عربية مختلفة، توحدهن وحشية الفاعل ووحشية الصامت، كلهن تعرضن للاغتصاب، بعضهن من قبل أقرباء. مثل هذه الجرائم تقع في عنق المجتمعات وأجهزة الدولة والقضاء. لا يمكن استبعاد أن تنخرط النساء في دوامة العنف، فيتحولن إلى طرف فاعل فيه تحت وطأة الضغوط. التفريط الاجتماعي بحق الفتيات يُعد فاجعًا. مثلاً، الطفلة حنين البكري قُتلت، ورغم صدور حكم القصاص، تعرض والدها لضغوط هائلة من قبائل وساسة للعفو عن القاتل. موقف مشابه حدث في مقتل إحدى فتيات آل العلوي، حيث تدخلت قبائل ردفان للضغط من أجل العفو عن الجاني.

لا شك أن العفو قيمة دينية وأخلاقية سامية، لكنها لا يمكن أن تكون انتقائية أو مطلقة. ومع ذلك، نادراً ما نرى هذا الحماس القبلي أو الوجاهي عندما يتعلق الأمر بذكرٍ قُتل أو انتُهك. كل هذه الأمور تؤكد ضرورة إعادة ترتيب أولويات تمكين المرأة اليوم.

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.