ما هي الخطوط الحمراء؟

الحوثيون يتجاوزون الخطوط الحمراء منذ سنوات

الأربعاء, 4 سبتمبر / أيلول 2024

المصدر : مجلة إنترناشونال بوليتكس أند سوسايتي

إعداد/ كونستانتين جروند

ترجمة: خلاصات

تُظهِر أساليب الحوثيين تشابهًا لافتًا مع أساليب حركة طالبان. ومع ذلك، يستمر الغرب في السماح لهم بتحديد قواعد اللعبة.

ففي شمال غرب اليمن الذي تسيطر عليه جماعة الحوثيين، يُحتجز حاليًا حوالي 60 موظفًا محليًا من المنظمات الدولية والإغاثية—أو بالأحرى، تم اختطافهم. خصوصًا وأن أماكن احتجازهم لا تزال مجهولة حتى اللحظة، وغير معلومة حتى لأقاربهم، الذين يتم حرمانهم من أية معلومات قد تطمئنهم. كما أنهم محرومون من حقهم بالحصول على محامين او حتى الأدوية، فهم في حالة انقطاع تام وعزلة عن العالم الخارجي، وكما يسميها الخبراء ب "حالة انقطاع الاتصال التام". حيث يشمل المختطفون موظفين من الأمم المتحدة والسفارات والوكالات الإنسانية الذين عملوا لسنوات على تحسين إمدادات المياه، وتعزيز الحكم المحلي والادارة اللامركزية، وتنفيذ مشاريع الطاقة في اليمن.

في حين أنه ليس من غير المعتاد أن يتم اعتراض الموظفين الدوليين أحيانًا أو تعرضهم للمضايقات في بعض أنحاء العالم، فإن موجة الاختطافات التي شهدتها العاصمة صنعاء منذ مايو من قبل الحوثيين لم يسبق لها مثيل، ولم يسبق أن تأثر العاملون الدوليون بمثلها... حتى الآن.

على مدى سنوات، كان الحوثيون يقومون بتغيير قواعد اللعبة فيما يتعلق بالسلوك المقبول و الذي يتم التسامح معه على الساحة الدولية. فيقومون بالتصعيد والاستفزاز والهجوم، وكل ذلك وفقًا لخطة مدروسة بعناية. لقد مرت عشر سنوات حتى الان منذ أن احتل الحوثيون صنعاء لأول مرة. بدأت المضايقات، ومصادرة الممتلكات، واعتقال المعارضين السياسيين، وإنشاء نظام إرهاب حقيقي ضد سكان البلد. حيث ان بعض هذه السلوكيات تذكّرنا بأساليب جماعة طالبان في أفغانستان. ومن جهة أخرى، إن الإنجازات السابقة مثل وجود برلمان فعال، وحرية الصحافة، والتعليم الشامل لكافة فئات المجتمع قد تم التراجع عنها بشكل منهجي، مع إلقاء اللوم في الغالب على خصوم مزعومين من الخارج.

وبدلاً من التركيز على التنمية الاقتصادية لبلد دمرته الحرب، تم فرض جبايات حرب جديدة؛ ومن لا يدفع يواجه خطر السجن. في الوقت نفسه، ينتظر موظفو القطاع العام في المناطق التي يحتلها الحوثيون منذ سنوات رواتبهم. حيث يتعرض سكان شمال غرب اليمن الى تجويع بشكل منهجي، ويُقدّر الخبراء الآن أن حوالي 90 في المئة من سكان هذه المناطق يعيشون تحت خط فقر. وهذا يُعد رقم قياسي عالمي غير مسبوق.

أساليب التصعيد

رداً على غزو إسرائيل لغزة، قامت جماعة الحوثيين - كجزء مما يُعرف بـ "محور المقاومة" - بتعمد تعطيل حركة الشحن في البحر الأحمر منذ أكتوبر 2023. وخلال هذا الأسبوع فقط، هاجمت الجماعة ناقلة النفط اليونانية "سونيون"، حيث أفادت التقارير بتعرض 30 سفينة على الأقل لأضرار نتيجة هجمات بالطائرات المسيّرة، مما أسفر عن غرق سفينتين منها. كما تم احتجاز ناقلة السيارات "جالاكسي ليدر"، التي ترسو الآن في ميناء الحديدة، ويمكن زيارتها مقابل رسوم تقدر ب 5 دولارات. ومنذ ذلك الحين، استثمرت الولايات المتحدة وشركاؤها في الاتحاد الأوروبي أموالا لاتخاذ اجراءات وتدابير لتعزيز أمن الشحن في البحر الأحمر.

في 19 يوليو، صعّد الحوثيون الموقف بشكل أكبر، عبر مهاجمتهم المباشرة لتل أبيب بطائرة مسيّرة معدلة من طراز "صماد-3" إيرانية الصنع، مما أسفر عن مقتل شخص واحد. ورداً على ذلك، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي في اليوم التالي غارات دمرت خلالها احتياطات النفط الرئيسية في الحديدة، في محاولة لردع الحوثيين عن محاولة ترسيخ أنفسهم كطرف مباشر في النزاع. فقد كان ربط الحوثيين حملتهم بالوضع في فلسطين خطوة ذكية من قبلهم، لمواجهة تراجع دعمهم داخل اليمن.

"الاختطافات ليست استراتيجية جديدة بالنسبة للحوثيين. غير أن تصعيد هذه الاختطافات كان له تأثير سياسي هائل في اليمن."

ففي الأسابيع الأخيرة، استهدف الحوثيون، بشكل متزايد، مجتمع الإغاثة الدولي، ولا سيما المنظمات الشريكة داخل اليمن. فمنذ عام 2018، يشكو برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة (WFP) من إساءة استخدام الحوثيين للمساعدات الغذائية واستغلالها بشكل منهجي من خلال تحويلها الى اداة حرب وكوسيلة للضغط. وكان المجلس الأعلى لإدارة وتنسيق الشؤون الإنسانية، الذي يلزم المنظمات الإنسانية العالمية تسجيل نفسها فيه من أجل السماح لها بممارسة أنشطتها في مناطق سيطرة الحوثي، الذي شكلته جماعة الحوثي، والخاص بهم دون غيرهم، أصدر مؤخرا تعليمات لشركاء الأمم المتحدة في مجال المساعدات بالتعاون فقط مع المنظمات الصديقة للحوثيين، بل وطالبو بتوظيف عناصر حوثية إلى فرق عملهم. حيث وقد رضخت بعض المنظمات الدولية لهذه الضغوط.

في شهر يونيو الماضي، أعلن الحوثيون أنهم اكتشفوا شبكة تجسس إسرائيلية-أمريكية في اليمن، وقاموا بنشر مقاطع فيديو تحتوي على اعترافات مزعومة من موظفين سابقين في السفارة الأمريكية بصنعاء. وعززوا هذه الادعاءات بصور مرئية جاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي وقنواتهم التلفزيونية، تتضمن شعارات لشركاء دوليين، بما في ذلك منظمات ألمانية، كجزء من هذه الشبكة التجسسية. وفي أوائل أغسطس، اقتحم الحوثيون مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في صنعاء، وصادروا المركبات والأثاث والخوادم—وهو عمل نادر الحدوث، وسرعان ما اتبعوا ذلك بموجة من عمليات الاختطاف.

إن عمليات الخطف ليست استراتيجية جديدة بالنسبة للحوثيين، فقد اختطفوا عمالا محليين من قبل في عامي 2019 و2023، غير أن تصعيد عمليات الاختطاف هذه كان له تأثير سياسي كبير في اليمن. لا يتعلق الأمر كثيرا بالأفراد ال60 الذين يستخدمهم الحوثيون حاليا كأوراق مساومة وضغط، بل يتعلق بالشكوك التي أثيرت حول الشراكات الدولية ككل. حيث أصبح اليمنيون الذين يعملون لدى المنظمات الدولية في خطر متزايد مع مرور كل شهر، ليس فقط في الشمال، ولكن أيضًا في الجنوب تحت سيطرة "الحكومة الشرعية".

**نقطة تحول **

وبسبب المخاوف الواضحة من استفزاز الحوثيين الأخير، عبَّر الغرب عن قلقه، وكرر تذكيراته وصعّد من خطابه. لخّص المبعوث الخاص للأمم المتحدة، هانس غروندبرغ، الوضع بدقة وقوة في احاطته أمام مجلس الأمن الدولي، في 23 يوليو 2024، قائلا: "مسار التطورات في اليمن […] إذا تُرك دون معالجة، قد يصل إلى نقطة تحول."، ومع ذلك، وبالرغم من كل مشاعر التعبير، لا يزال الرد العالمي على تصرفات الحوثيين معتدلا بشكل مفاجئ. فما كان في السابق يعتبر خطوطا حمراء أصبح ورديا أولا، قبل أن يتلاشى تماما.

في السنوات الأخيرة، رضخ المجتمع الدولي لكل مطلب جديد يقدمه الحوثيون، وتجاهل بشكل متكرر انتهاكاتهم للحريات الفردية، أو واستغلالهم للمساعدات الدولية. لا يمكن ترك الناس ليواجهوا مصيرهم بأنفسهم في هذه الظروف الاقتصادية والاجتماعية الكارثية، ، ولكن يبدو أننا لا نريد أيضًا استبعاد الحوثيين من الحوار السياسي الجاري. على الرغم من كل هذا التصعيد، واصل الغرب إظهار تفهمه تجاه الحوثيين ودعمهم بشكل غير مباشر.

إن الاسترضاء تجاه الحوثيين لم يفعل سوى تعزيز قاعدة قوتهم ومنحهم انطباعاً بأنهم على صواب. لقد تمكنوا من إرسال مبعوثين إلى الاجتماعات الدولية واستخدام القنوات غير الرسمية لجعل الاخرين يشاركون في المحادثات أو المفاوضات نيابة عنهم. وقد أدى ذلك إلى خرق كل الاتفاقات الصغيرة الملموسة باستمرار، بينما بقي الشركاء الدوليون صامتين.

"علينا ألا نتفاجأ في حال كان هناك حل لدولتين أو حتى دول متعددة في المستقبل القريب، دون مشاركة الأمم المتحدة."

إن هذا الأمر يقرب الحوثيين من تحقيق هدفهم النهائي وهو إقامة دولة تحت سيطرتهم. فقد شهدت اليمن تزايداً في الانقسامات على مدى السنوات العشر الماضية - ليس من خلال المفاوضات السياسية كما في حالة السودان وجنوب السودان، بل خطوة بخطوة على مستويات أدنى، حيث يتم فصل شبكات الاتصال، وتقسيم المكاتب الحكومية إلى شمال وجنوب، وتقسيم نظم الضمان الاجتماعي، والتخلي عن النظام المصرفي والنقدي الموحد للبلاد، حتى أن ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي يتجنبون استخدام مصطلح "اليمن". فلا ينبغي أن نتفاجأ إذا ظهرت في المستقبل القريب حلول على شكل دولتين أو حتى عدة دول، دون تدخل من الأمم المتحدة. وذلك من خلال دعم المجتمع الدولي بشكل غير مباشر هذا الوضع على مدى سنوات بسياسته الاسترضائية تجاه الحوثيين.

وبذلك، يقترب الحوثيون من هدفهم النهائي: إقامة دولتهم الخاصة تحت سيطرتهم. لقد تم تقسيم اليمن بشكل متزايد على مدى 10 سنوات الى الآن — ليس من خلال المفاوضات السياسية، كما هو الحال في السودان وجنوب السودان، ولكن خطوة بخطوة على مستويات أدنى. ويجري فصل شبكات الاتصالات، وتقسيم المكاتب الحكومية إلى شمال وجنوب، وتقسيم أنظمة الضمان الاجتماعي، والتخلي عن النظام المصرفي والنّقدي الموحد للبلاد. حتى أن ممثلي المجلس الانتقالي الجنوبي يتجنبون استخدام مصطلح "اليمن". لذلك، يجب ألا نتفاجأ إذا كان هناك حل الدولتين أو حتى عدة دول في المستقبل القريب، دون تدخل الأمم المتحدة. وقد دعم المجتمع الدولي ذلك بشكل غير مباشر على مدى سنوات، من خلال سياسته الاسترضائية تجاه الحوثيين.

لقد اعتاد المراقبون السياسيون الدوليون على الارتباك والفوضى المتنامية. وأحيانًا، يؤدي التعود على الأمور الاستثنائية أو غير المألوفة إلى قبولها. بالنسبة لليمن، هذا يعني أن حركة دينية قبلية تتماسك وتتطور مع الوقت لتصبح دولة ، بينما نشاهد اليمن ينهار وينجرف نحو المجهول ببطء. إننا نستطيع أن نتقبل بشكل فعال انتقال البلد إلى حالة أخرى من الوجود، بشرط ألا نغفل عن العواقب. وإلا فلن يكون بوسعنا أن نوقف هذا القطار إلا من خلال جهد دبلوماسي هائل وسياسة أمنية قوية. ولكننا في احتياج إلى إعادة هذه الخطوط الحمراء إلى ما كانت عليه في السابق: نقاط انطلاق واضحة لاستجابة حقيقية في السياسة الخارجية من شأنها أن تسهل التعامل مع الموقف في حد ذاته وتحشد الشجاعة اللازمة للقيام بذلك. ومن المؤكد أن المختطفين ال60 سيرحّبون ببذل جهود استباقية أكثر فاعلية.

إعداد: كونستانتين جروند

كونستانتين جروند يرأس مكاتب مؤسسة "فريدريش إيبرت" في السودان واليمن. وقد شغل سابقًا منصب مدير مكتب المؤسسة في مدغشقر وبنين وإثيوبيا.

المصدر باللغة الإنجليزية: مجلة إنترناشونال بوليتكس أند سوسيتي

ترجمة: خلاصات

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.