سلطة الحوثيين

اليمن: عشر سنوات من سلطة الحوثيين وقبضة لا تزال غير مستقرة

الجمعة, 4 أكتوبر / تشرين الأول 2024

لوران بونفوا

لوران بونفوا

ترجمة خلاصات 

المادة باللغة الفرنسية 

قبل عشر سنوات، في 21 سبتمبر 2014، استولى المتمردون الحوثيون على صنعاء وأطاحوا بالحكومة التي انبثقت عن "الربيع اليمني". ومنذ ذلك الحين، أكدوا سلطتهم على أجزاء كبيرة من اليمن، سواء على الصعيد الداخلي، من خلال إقامة دولة استبدادية، أم على الصعيد الإقليمي، وقد تنامت قدراتهم العسكرية. إذ في 15 .سبتمبر 2024، ضرب أحد صواريخهم مرة أخرى وسط إسرائيل، على بعد أكثر من 2000 كيلومتر من اليمن

فعلى مدى عشرين عامًا، كانت المكانة البارزة التي يحتلها الحوثيون في اليمن نتيجةً لعدد من المفارقات. فقد ولدت الحركة التي تقودها عائلة الحوثي في جبال أقصى شمال البلاد، غير بعيد عن المملكة العربية السعودية، واستفادت من مواجهتها العسكرية مع الدولة اليمنية، التي بدأت في يونيو 2004، إذ اكتسبت على إثرها الخبرة والشرعية. وعلى حساب عشرات الآلاف من القتلى وتدمير قرى بأكملها، زادت الحركة من قوتها المسلحة ووثقت ارتباطاتها القبلية وتماسكها الأيديولوجي وقاعدتها الجغرافية حتى وصلت إلى مشارف العاصمة صنعاء قبيل انتفاضة 2011. 

 وتعد حركة أنصار الله، وهي حركة إحيائية زيدية مرتبطة بالتشيع في بلد ذي أغلبية سنية، جماعةً هامشيةً في المشهد السياسي والديني، وقد نجحت في تنحية قضايا الهوية جانباً؛ للاستفادة أولاً من السخط على سلطة الرئيس علي عبد الله صالح (حتى عام 2012)، ثم على العملية الثورية التي شهدها "الربيع اليمني". وقد أدى هذا الأخير إلى رحيل الرئيس السابق واستبداله بعبد ربه منصور هادي، الذي كُلف بقيادة عملية انتقالية نحو الديمقراطية. ومع ذلك، من المفارقة أنه من خلال تحالفهم مع أعدائهم السابقين من جماعة صالح منذ عام 2012 فصاعدًا، وصل الحوثيون إلى كتلتهم الحرجة، ليصبحوا "وحش فرانكشتاين" الذي يعرفه اليمنيون حاليًا.

وما بين عامي 2012 و2014، تمكّن الحوثيون من الاستفادة من موارد صالح المالية والعسكرية لتقويض العملية الثورية التي دعموها في البداية. وبذلك، تمكنوا من تحقيق هدف آخر من أهدافهم هو تمزيق عدوهم المشترك، جماعة الإخوان المسلمين التابعة لحزب الإصلاح. إذ بالنسبة لصالح، كان الهدف من هذا الاتفاق تمكينه من الانتقام من أولئك الذين خانوه عندما انضموا إلى الانتفاضة الثورية. لكن من الواضح أن الاتفاق كان خدعة بالنسبة له، وتم تمريره لصالح الحوثيين. وقد تمكنوا بعد ذلك من الشروع في مرحلة ممارسة السلطة وتوطيدها التي لا تزال مستمرة بعد عشر سنوات على الرغم من نقاط الضعف الواضحة.  

تجسيد الدولة

بعد المرحلة العسكرية المفاجئة المتمثلة في السيطرة على هياكل الدولة (الإذاعة والتلفزيون الوطنيين، والوزارات والثكنات)، بدأ الحوثيون في 21 سبتمبر 2014 بالتحرك بشكل منهجي. وقد اتسم انقلابهم بالرغبة في التنديد بتنازلات الحكومة الجديدة فيما يتعلق بالمشروع الثوري بقدر ما كان انقلابهم يتسم بالرغبة في الاستجابة للتطلعات الرجعية. وتمكن الحوثيون في البداية من تحييد الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي من خلال وضع الرئيس عبد ربه منصور هادي تحت الإقامة الجبرية. لكن هادي تمكن من الفرار إلى عدن، ومن هناك استنجد بالمملكة العربية السعودية التي تدخلت عسكريًا منذ 26 مارس 2015 لاستعادة سلطته وهزيمة الحوثيين، لكنها لم تنجح في ذلك. 

وطغى تدخّل الجيش السعودي والعلاقات بين أنصار الله وإيران على العملية الداخلية الأساسية لبناء دولة الحوثيين. إذ كلاهما مهم ويفسر المأزق في البلاد. لكنهما لا يستنفدان بأي حال من الأحوال تحليل قوة فرضت نفسها على مر الزمن، وكان تنظيمها في نهاية المطاف غير بديهي. في الواقع، وبعيداً عن صورة المقاتلين الرجعيين القادمين من القبائل المتخلفة في المرتفعات اليمنية، فقد أثبتت ممارسة الحوثيين للسلطة فعاليتها بطرق عدة. إذ سعوا إلى تجسيد الدولة بشكل كامل في جميع المناطق التي سيطروا عليها - الربع الغربي من البلاد وفيه حوالي نصف السكان. 

وعلى الرغم من عدم اعتراف المجتمع الدولي بهم، ومواجهتهم قصف التحالف الذي تقوده السعودية، إلا أنهم تمكنوا من إنشاء مؤسسات حالت دون انهيار عام للخدمات العامة والاقتصاد والأمن. كما أن استقرار سعر صرف الريال في المناطق الخاضعة لسيطرتهم أفضل نسبياً من المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها من قبل المجتمع الدولي. وانخفاض عدد الهجمات الجهادية يشهد على هذا الواقع، وكذلك استمرار وجود وسائل الإعلام الحكومية وواجهة الحياة الحزبية والمؤسسية.

في بداية الأمر، ومن أجل بناء دولة الحوثيين، ضَمِنَ الأسياد الجدد في صنعاء شكلاً من أشكال الاستمرارية من خلال الاعتماد على شبكات الموظفين المدنيين المرتبطين بصالح. ولمدة من الزمن، ساد الاستقرار في البنوك والجيش والشرطة والشركات العامة. أما صغار موظفي الخدمة المدنية في المجالات التي يُنظر إليها على أنها أقل أهمية، مثل التعليم، فقد تم إهمالهم وحرمانهم من رواتبهم في كثير من الأحيان، واضطروا إلى إيجاد وسائل عيشهم الخاصة. ومع ذلك، غالبًا ما ضمن التزامهم، مثلهم مثل موظفي الصحة، شكلًا من أشكال الاستمرارية، لكنه لم يمنع الاستياء بين السكان.

التحول إلى الحكم الذاتي

وضع الحوثيون رجالهم تدريجياً في مواقع السلطة - وبسهولة أكبر منذ أن انقلب عليهم علي عبد الله صالح في ديسمبر 2017، وانتهى الأمر باغتياله. وقد تمكنوا من إعادة تشكيل النخب السياسية والأمنية من خلال تقديم مكافأة خاصة لجماعتهم الخاصة؛ الهاشميين الذين يدعون أنهم من نسل النبي. أما الهاشميون، وهم شكل من أشكال النبلاء الذين يشكلون أقلية على المستوى المجتمعي لكنهم يلعبون دورًا مركزيًا في الزيدية، فقد استعادوا، بسبب الحوثيين، مكانتهم التي فقدوها إبان ثورة 26 سبتمبر 1962، التي وضعت حدًا للنظام الملكي.    

ومن أجل تنفيذ عملية إعادة التشكل هذه، تمكنوا من استخدام المساعدات الإنسانية الدولية والاستحواذ على حصة من هذه المساعدات، وأوقعوا وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية في مأزق. فمنذ عام 2015، أصيبت هذه الأخيرة بالشلل بسبب الخوف من انتشار المجاعة على نطاق واسع، وقبلت أخيرًا بمطالب الحوثيين وبالفساد الواضح في هياكل التوزيع. وفي عام 2018، تم إلغاء الهجوم على الحديدة، خامس أكبر مدينة يمنية من حيث عدد السكان، بعد اتفاق ستوكهولم، مما أدى إلى تثبيت موقفهم في هذا الميناء ومن ثم على البحر الأحمر. 

وفي الوقت نفسه، وعلى المستوى المحلي، طوّر الحوثيون شبكة أمنية، وكثفوا من عمليات المراقبة والقمع للمجتمع المدني. وقد اعتمدوا على رد فعل وطني لوصف عملية التحالف العربي، المدعوم من الغرب، بأنها عمل عدواني، ومن ثم الحفاظ على مستوى معين من الشعبية. كما أن اصطفاف أعدائهم اليمنيين مع مواقف الدول الأجنبية - أي المملكة العربية السعودية، وكذلك الإمارات العربية المتحدة في حالة الجنوبيين - جعلهم ينسون تقاربهم الأيديولوجي والدبلوماسي مع إيران. إذ فرضت الأيديولوجية التي يتبناها زعيمهم عبد الملك الحوثي نفسها، وتغلغلت في المجتمع من خلال الجيش، وأيضًا من خلال الهياكل التعليمية والدينية الموجهة للمجهود الحربي. وتمت التضحية بجيل كامل. كما تغيرت الزيدية أيضًا، أحيانًا من خلال إدخال احتفالات دينية جديدة مثل عاشوراء أو المولد. وفُرض نظام ضريبي خاص لصالح الهاشميين، وفُرضت قيود على الحقوق الأساسية للمرأة، وفُرضت شرطة أخلاقية على المجتمع بمنطق يصفه كثير من معارضي الحوثيين بأنه شمولي أو مشابه في نهاية المطاف للمنطق الذي فرضته حركة طالبان الأفغانية. 

وتتمحور الإيديولوجية حول تحدي النظام الدولي، جاعلةً من القضية الفلسطينية عنصرًا أساسًا ترسخ الحركة في محور المقاومة الذي تقوده إيران. وفي ذروة الحرب في سوريا، كانت صور الرئيس السوري بشار الأسد تُعرض بشكل بارز في صنعاء. ومع ذلك، لا تزال الأيديولوجية تتسم بعدم وضوح دور الهاشميين وأهدافهم السياسية الداخلية. وعلى الرغم من أن الحوثيين يدّعون أنهم جمهوريون، إلا أنه من المفهوم أن هيمنة عبد الملك الحوثي وعشيرته بشكل عام، ولاسيما الوصاية التي تمارسها ملازم حسين، أخيه غير الشقيق ومؤسس الحركة الذي قتل على يد الجيش في عام 2004، تمثل انتقال الحوثيين إلى السلطة الوراثية، التي أصبحت مستقلة جزئيًا عن الدولة، وهمشت الأغلبية السنية واعتمدت على الخوف من القمع الذي يكون أكثر فعالية في سياق الحرب.

إذلال السعوديين

لقد تم الاعتراف على نطاق واسع بعدم الفعالية العسكرية لعملية عاصفة الحزم التي نفذتها السعودية منذ عام 2015، بما في ذلك الاعتراف من قبل القيادة السعودية نفسها. وفي أبريل 2022، بدأ السعوديون بالانسحاب من اليمن. ومنذ ذلك الحين، توقف القصف الجوي على مواقع الحوثيين. وقد أُجبر عبد ربه منصور هادي على الاستقالة، وأعطت المحادثات التي عقدت في مسقط انطباعًا لبعض الوقت بأن السلام في متناول اليد. ومع ذلك، لم يكن الحوثيون ينوون تسهيل مهمة السعوديين. فعلى الصعيد الداخلي، هم متمسكون بمواقعهم عسكريًا ولم يخففوا الضغط على تعز على سبيل المثال. فهم يعملون منذ أكثر من عامين على إذلال السعودية من خلال رفع ثمن السلام. وقد شملت مطالبهم مطالب مالية تهدف إلى جعل التحالف يدفع متأخرات رواتب الموظفين المدنيين. 

وقد أدى التدخل المسلح للحوثيين في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2023 إلى جعل أي اتفاق مستحيلًا. وقد أحرج السعوديين، الذين لا يستطيعون حمل السلاح نيابة عن الأميركيين والإسرائيليين ضد حركة تدعي التزامها تجاه الفلسطينيين التي اكتسبت شعبية إقليمية. وقد تمكن المفتي العُماني، أحمد الخليلي، من الإشارة إلى اعترافه بها، وكذلك فعل يحيى السنوار، زعيم حركة حماس. 

وفي غضون عشرة أشهر فقط، أعادت الهجمات، التي زادت عن 120 هجومًا متزايد التعقيد على السفن التجارية، ثم الصواريخ التي أُرسلت إلى إسرائيل تضامنًا مع شعب غزة، اليمن مرة أخرى إلى دائرة الضوء. وردًا على فتح هذه الجبهة الجديدة، استأنفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة قصفهما ضد الحوثيين في ديسمبر 2023، دون تحقيق أي نجاح. وكان التأثير لرئيس للقصف الإسرائيلي على ميناء الحديدة في 20 يوليو 2024 هو إرباك المساعدات الإنسانية، ولكنه لم يؤثر على قدرة الحوثيين على الانتشار. وبعد شهرين، انفجر صاروخ تكنولوجي جديد على بعد ستة كيلومترات من مطار تل أبيب. إذ لا يمكن إنكار أن استراتيجية الحوثيين الإقليمية تلقي بثقلها على اليمنيين وسكان الدول المجاورة. 

إن الهجوم على ناقلة الأسمدة "روبي مار" في مارس 2024، التي غرقت بحمولتها، ثم الهجوم على ناقلة النفط "سونيون" في أغسطس 2024، دليل على منطق الحوثيين المتشدد. ويبدو أنه تم تجنب تسرب نفطي، لو حدث لكان له أبعاد تاريخية، في اللحظة الأخيرة في سبتمبر 2024. وقد خسرت مصر نفسها ما يقرب من نصف دخلها من تشغيل قناة السويس. وتعرضت المنظمات غير الحكومية ووكالات الأمم المتحدة التي تدير المساعدات الدولية لموجة من القمع في صنعاء خلال الصيف. إذ يشعر الحوثيون أن من حقهم خرق القواعد الدولية. 

إن الإزعاج الذي يسببه الحوثيون لإسرائيل (وللدول الغربية) ليس مجرد إزعاج رمزي، وفي حين أنه ينسجم مع الالتزام الصادق للسكان لصالح حقوق الفلسطينيين، فإن عدد من اليمنيين قبل كل شيء يتوقون إلى إنهاء الحرب. فهم يطالبون الحوثيين بتوضيح مشروعهم السياسي طويل الأمد، الذي بدونه قد لا يدوم استقرار نظامهم الذي فُرض منذ عشر سنوات.

content

يعمل المركز، على إثراء البحث في القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، في اليمن والمنطقة العربية، وتعزيز فهم تلك القضايا والأحداث المرتبطة بها من خلال الأبحاث والدراسات الميدانية المعمقة، والتقارير والإصدارات المتنوعة، وأوراق السياسات العامة، والكتب العلمية المُحَكّمة، وعقد المؤتمرات وورش العمل والندوات المتخصصة، وبرامج التدريب ودعم قدرات البحث العلمي.